اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هجوم على الكعبة للشيخ : عائض القرني
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
عنوان المحاضرة: (هجوم على الكعبة).
أولاً: وقبل أن أبدأ: أسأل الله ألا يجعل حظنا من هذه المحاضرات واللقاءات هذا المديح الذي تسمعونه دائماً، فإنه إذا كان هذا هو نصيبنا وحظنا فقد خسرنا في الدنيا والآخرة، وقد مُدِح أحد الأئمة من الشافعية أمام الناس فبكى وقال:
إذا كان هذا الدمع يجري صبابةً>>>>>على غير سعدى فهو دمع مضيعُ
فإذا كانت الثمرة هي هذا الإطراء والمديح، فإن هذا -أولاً- ليس مطلباً للعلماء ولا للدعاة، فإن المديح لقوم يعشقونه ويحبونه ويسعون إليه، ويحاولون من الجماهير أن يقولوا كلمتهم سواء أكانت صادقة أم كاذبة في مديحهم، أما أهل العلم والدعوة خاصة من يخاف الله فهم يريدون منكم الدعاء، فأنا أطلب منكم الدعاء لأهل العلم ولأهل الدعوة على مثل هذه اللقاءات؛ كفضيلة الشيخ جابر المدخلي، وعلى من يكون سبباً في الخير دائماً وأبداً؛ أن يزيده الله تسديداً وتوفيقاً وتأييداً وحفظاً ورعاية.
ولا تكون أعمالنا مناقضة لأقوالنا فإن الشكر بالأعمال، ومِن شُكْرِه سبحانه وتعالى أن يصفَّى هذا الحرم الآمن من كل ما يخالف منهج الله في الأرض ومن كل ما يغضب الله عزَّ وجلَّ مِن مِثل الربا، والسفور الفاضح الذي يعارض شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، المعاصي بما فيها: الدخان، والمجلات الخليعة، وأشرطة الكاسيت الغنائية، والفيديو المهدِّم، واللباس المحرم، والاختلاط الآثم الذي نهى عنه ربنا سبحانه وتعالى ورسوله، كل هذه الصور تنافي قدسية هذا المكان واحترام هذا المكان الذي يذكِّرنا اللهُ بها في سورة الفيل.
وإنها بديعة في التصوير وبعض المفسرين يقول: سماهم الله بأصحاب الفيل، ولم يذكر أسماءهم مع أن القائد العسكري هو أبرهة، ولكن من احتقاره عند الله عزَّ وجلَّ ومن صغره وذلته لم يذكر الله اسمه، إنما ذكرهم بأصحاب الفيل، فكأن الذي يقود المعركة هو الفيل، وكأن الذي يدبر الخطط العسكرية الفيل، وكأن الذي يأتي إلى الهجوم على الكعبة هو الفيل، أما هم فإنهم أصحابه وأتباعه فحسب، هذه لمحة يشير إليها كثيرٌ من أهل التفسير.
والرؤية -كما قال بعض المفسرين الآخَرين-: تعني: ألم تعلم، فهي رؤية علمية. أي: أنه يقول: أما سمعت الأخبار؟ أما قرأت التاريخ؟
وقال بعضهم كـالقرطبي: بل رأى عليه الصلاة والسلام بعض آثار ما وقع لأهل الفيل؛ فإنه رأى صلى الله عليه وسلم قائدَ الفيل وسائسَه مقعدَين في مكة، فالذي قاد الفيل وهو من اليمن والذي ساسه رآهما صلى الله عليه وسلم مُقْعَدَين قد أصابهما العمى؛ فقيرَين يسألان الناس عند البيوت. فيقول: هذه من آثارهم.
وقال بعضهم: بل رأى عليه الصلاة والسلام بعض الحجارة، فورد في الأثر: [[أن أم سلمة رضي الله عنها كان عندها صحفة مملوءة من الحجارة السوداء المخططة بأسماء جنود أبرهة]] كل جندي باسمه نزل من السماء عليه حجرٌ كالعدسة وكالحمصة، مكتوب عليه اسمه حتى لا يقع في جندي آخر. فـأبرهة له حصاة مكتوب عليها: أبرهة الأشرم القائد الأعلى للقوات المسلحة، فلا تغلط، هذه زكاة جنايته، فتأتي عليه مباشرة. هذه من ضمن لمحات المفسرين.
وقال بعضهم: أَلَمْ تَرَ [الفيل:1] أي: ألم نخبرك، وقد أخْبِر عليه الصلاة والسلام بما أوحى الله إليه سبحانه وتعالى، والله عزَّ وجلَّ يستثير رسوله كما قال المفسرون: شـوَّاقٌ للخطابات، فيقول: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] حتى يكون صلى الله عليه وسلم سامعاً لما سوف يأتي، ويقول سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ [الفجر:6] فالله عز وجل يريد أن يشوق رسوله عليه الصلاة والسلام للقصة حتى يعيشها، وقد أخطأ بعض المفسرين صراحةً حتى من عاشوا للكتب قالوا: حادثة الفيل وقعت قبل مولده عليه الصلاة والسلام بأربعين سنة، وهذا خطأ، وقد ذكر مثل هذا: الأعمش، وعكرمة، والصحيح أنه وُلد عليه الصلاة والسلام عام الفيل وقال ابن إسحاق: ولد عليه الصلاة والسلام عام الفيل، وفي الصحيح: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخْبَر بذلك أنه ولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل).
شرف النفوس دخولها في رقهم>>>>>والفخر تحمله من المتعبدِ
وقال آخر:
لا تدعني إلا بيا عبدها >>>>>فإنه أشرف أسمائي
ولذلك شرف الله نبيه فقال: الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ [الكهف:1] وقال: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ [الجن:19] وقال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1] فهو عبده، ثنى العبودية له عليه الصلاة والسلام، وفي الصحيح: {لا تَطْرُوني كما أطْرَتِ النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله} فيحب عليه الصلاة والسلام هذه النسبة. حتى نُسِبَ لأحد الشعراء في القرن الرابع أنه قال:
ومما زادني شرفاً وفخراً >>>>>وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك: يا عبادي >>>>>وأن صيرت أحمد لي نبيا
وقال: ربك، ولم يقل: ربهم، فإن هذا ليس فيه اشتراك، فالله رب الجميع؛ فرب أبرهة هو الله، ورب الفيل الله، ورب عبد المطلب الله، ورب الرسول الله، ولكن لما أتى في موقف التمايز لأن هنا هجوماً ودفاعاً، هنا حزبان، هنا أناس يؤمنون بالله ويحملون المبادئ الخالدة، وأناس يحملون لواء الشرك، فقال: ربك، ليس بربهم الآن، هو ربهم صراحة -كما يقال- ربوبية في العامة، أما الربوبية الخاصة فلمحمد عليه الصلاة والسلام.
أولاً: اسمحوا لي أن أذكر لكم القصة مختصرة، ثم أبدأ بالتفاصيل على ما قال أهل العلم وأهل التفسير، ثم نخرج بقضايا ودروس.
مجمل القصة: أن أبرهة الأشرم كان نصرانياً يحمل دين المسيح، وهؤلاء يحملون مبادئهم حتى ولو كانوا في عصر الجاهليين؛ فإن الإنسان لا بد أن يعيش بعقيدة، فتجده يضحي من أجل عقيدته ولو كانت باطلة ولو كانت بعثية أو ماركسية أو شيوعية أو علمانية، بل هم أكثر تضحية من كثير من المسلمين، حتى تجد من طلبة العلم من وسوس له الشيطان فشغله بنفسه عن أن يكون معسكراً وحاملاً للمبادئ، ورجلاً للكلمة، وصاحب قرار آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، أبرهة ليس من هذا الصنف، أبرهة يحمل مبدأ، بنى كعبة في صنعاء، وطلب من العرب أن يتجهوا لها ويتركوا كعبة الله في البيت العتيق، أخذته قذر النجاسة والنحاسة واللقافة فبنى تلك الكعبة وجعلها أكبر من هذه الكعبة؛ فغضب العرب ولطخوا كعبته، فغضب هو وأقسم بآلهته أن يطأ أرض الحرم وأن يهدِّم كعبة الله، هذه رواية، وقال بعضهم: بل إن ملك النصارى في الحبشة القائد الأعلى لها ورئيس أبرهة أمره أن يذهب إلى أرض العرب فيحطِّم كعبة العرب التي بناها خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، فجهز جيشاً عدده ستون ألفاً، بقي عليهم عشرة ويصبحون كجيش أبي إسحاق:
سبعون ألفاً كآساد الشرى نضجت>>>>>جلودهم قبل نضج التين والعنب
وقيل: تسعون ألفاً، ومشى بستين ألفاً ومعه فيل جعله في أول الجيش، وبعضهم يقول: ثمانية فيلة؛ ولكن الذهبي يقول: الفيل الذي ذكر في القرآن كأنه متميز؛ ولذلك لم يذكر الله السبعة الباقية، فدعا بالفيل وركبه ومشى واخترق قبائل الجنوب ولم تعترضه إلا قبيلة ماعز وشهران، فسحقهم وغلبهم، وقامت له قبيلة خثعم، فغلبها، وهذه صراحة بالنسبة لعصرنا تسمى قوة عظمى، فالدول العظمى بالمفهوم العصري الآن مثل أمريكا والاتحاد السوفيتي سابقاً، أو ما يحل محلها كـالصين أو فرنسا أو بريطانيا، فهم كانوا عند العرب قوة عظمى، فما استطاعت القبائل المقاومة فانهزمت، حتى وصل إلى الطائف، وحصل بعض المقاومة لكن أبا رغال أحد الممسوخين الخاسرين قام وقال: أدلك على طريق البيت؛ لأن أهل الطائف اعتذروا إلا أبا رغال هذا، فلما دله ومات أبو رغال أخذ العرب يرجمون قبره، فكان كل عربي إذا أراد أن يحج يمر أولاً بـالطائف ليرجم قبر أبي رغال؛ لأنه دل أبرهة.
ونزل أبرهة وأصبح في المغمس، تمركز في المغمس، والحقيقة أن أول الجيش قد يكون في المغمس وهو في طرف مكة كما تعرفون من جهة الطائف، وأوله كان في وادي محسر الذي نهرول فيه لأنه موطن عذاب، فكيف بمن يصاحب أهل العذاب ويجالس أهل المعاصي وأهل المنكرات؟! وكيف بمن يرضى بهم إخوة؟! وكيف بمن يعكف على معاصيهم؟! وكيف بمن يجعلهم أولياء له؟! ستجدهم أخلاء له في الدنيا والآخرة، ولذلك قال سبحانه وتعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]. فما دام أنه مكان عذاب فقد أُمرنا أن نسرع فيه في الحج؛ لئلا يصيبنا ما أصاب أولئك، فكيف بمن خالطم ورضي أفعالهم واتخذهم من دون الله أولياء؟ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22].
وَصَل هناك ونزل، ثم أرسل جنوده فجمعوا كل إبل الحرم وغنمه ومواشيه وجماله وجعلها وراء البيت، هذا أول فعله، أما كفار قريش فأتاهم الخبر، والمشرك مهزوم من الداخل، المشرك لا يحمل لواءً، ولذلك لا تحارب بمشرك، وأحد العقديين في هذا العصر يقول في مذكرة له: موحِّد واحد يغلب ألف مشرك. أي: ألف مخلِّط، ولذلك لا نلقى العدو بمشركين، ولا منهارين، ولا مبتدعة، لا بد من إخلاص التوحيد، فإنه لو كان في الحرم موحدون لرفعوا (لا إله إلا الله) ولخرجوا يلبسون الأكفان.
يا بني قومنا سراعاً إلى الله >>>>>فقد فاز من يموت شهيدا
سارعوا سارعوا إلى جنة قد>>>>>فاز من جاءها شهيداً سعيدا
يا بريطانيا رويداً رويدا >>>>>إن بطش الإله كان شديدا
إن بطش الإله أهلك فرعو >>>>>ن وعاداً من قبلكم وثمودا
والطائرات تضرب صنعاء وهو في أثناء الخطبة يقول:
لا تظنوا هدم المدائن يوهي >>>>>عزمنا أو يلين بأساً صلودا
إن تبيدوا من البيوت بطيار >>>>>اتكم ما غدا لدينا مَشِيدا
فلنا في الجبال تلك بيوت >>>>>صنَعَتْها أجدادنا لن تبيدا
فالنزال النزال إن كنتم مِـ>>>>>مَّن لدى الحرب لا يخاف البنودا
يقول للطيارين: انزلوا في الأرض، نحن لا نستطيع أن نصعد إليكم، ولكن إن كنتم رجالاً فانزلوا.
لتروا من يبيت منا ومنكم>>>>>موثقاً عند خصمه مصفودا
ما خضعنا للترك مع قرب الديـ >>>>>ـن منا فكيف نرضى البعيدا
يقول: ما خضعنا للترك وهم مسلمون، فكيف نخضع لكم أنتم أيها الإنجليز الخواجات أعداء الله ورسوله؟!
وهم في الأنام أشجع جيش>>>>>فاسألوهم هل صادفونا فهودا؟!
أفترجوا إنجلترا في بلاد الله >>>>>تباً لسعيها أن نبيدا
كذبت -والإله- لا كان إلا >>>>>بعد ألا نبيد أو أن تبيدا
بعد أن تُسفك الدماء على الـ >>>>>أرض وتروي حقولنا والمزيدا
يا بني قومنا سراعاً إلى اللـ >>>>>ـه فقد فاز من يموت شهيدا
وهذا هو الشاهد، سراعاً إلى الله -إلى الجنة- وقد قالها عليه الصلاة والسلام في بدر، وقالها في أحد، وأخبر أن الجنة تُفتح لأولياء الله الذين يسندون ويحامون ويذبون عن مبادئهم، فقد فاز من يموت شهيداً.
سارعوا سارعوا إلى جنة قد >>>>>فاز من جاءها شهيداً سعيداً
والبسوا حلة من الكفن الغالي >>>>>وبيعوا الحياة بيعاً مجيدا
خرج اليمنيون، ولبسوا الأكفان، وأخذوا البنادق، فهزموا بريطانيا وردوها.
ترك الساحة وأتى إلى كفار قريش وهم منهارون ليس عندهم مبدأ قال: تسلقوا رءوس الجبال، واحتموا برءوس الجبال، فخرج ليأخذ أطفاله ويحملهم ويأخذ زوجته بيدها ويترك أمواله، حتى إن بعض المفسرين يقول: تركوا الذهب وحفروا له حُفَراً. انظر إلى الجبن! خائفون من الكيماوي! وفروا إلى رءوس الجبال، ومن كان لديه قليل من الذهب والفضة حفر له في الأرض وصعد بأهله وبذريته إلى رءوس الجبال، أما عبد المطلب وهو القائد العسكري وأشجع القوم فقد بقي لحظات، فتذكر أن إبله في المغمس ترعى قدرها مائتا جمل، فأخذ عصاه وذهب بأعيان مكة، وقال: استأذنوا لي على أبرهة أكلمه، وظن أبرهة أن الرجل سوف يفاوض وأن عنده اقتراحات وأنه قبل (15) يناير عنده خطط سلمية، قبل الاعتداء!! وعبد المطلب هو جد الرسول صلى الله عليه وسلم، كان جميلاً طويلاً كأنه القمر ليلة أربعة عشر، وكان داهية من دهاة العرب؛ لأن الله لا يرسل إلا من أناس ذوي رِفعة، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب}. فلما رآه أبرهة خشع له ووقره ونزل عن سريره واستقبله على البساط في الأرض، قال: ما عندك؟ قال المترجم: يريد رد ماله وإبله، قال: ظننتُ أنك عاقل رشيد، بيتك ودينك ودين آبائك أتيت أهدِّمه، وتطلب في الجمال! ردوا له جماله أما البيت فسأجعله حتى أجعله قاعاً صفصفاً، وكان عبد المطلب ذكياً؛ لأنه يدري أن المقاومة فاشلة ومنتهية طبعاً، فالمشركون لا يستطيعون المقاومة، فلاحظوا أن أولئك أقرب إلى الله؛ لأن أبرهة نصراني أقرب إلى الله من حيث الديانة المسبقة، قال: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه، فسلَّم له الجمال وأخذ يسوقها حتى أدخلها في بيته بـمكة، ثم أخذ حلق الكعبة ووقف يهزها وهو يخاطب الله:
يا رب إن المرء يمنع >>>>>رحله فامنع رحالَكْ
لا يغلبنَّ صليبهم ومحالهم أبداً محالَكْ
يقول: يا رب! الرجل منا يمنع بيته ويحمي بيته بالسلاح، وأنت احمِ بيتك، أنت الذي كلف إبراهيم عليه السلام أن يبنيه، امنع بيتك واحمِ بيتك، ثم قال: لا يغلبن صليبهم، أتى بالصليب، والصليب قديم، وسوف يبقى ما بقوا في الأرض يقول: إنهم أتوا يحملون الصليب أنا رأيتهم، قال:
لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالَكْ
ثم ارتفع، فلما صعد إلى رءوس الجبال بعد أن علم أن المحاولة فاشلة، وأنه لا يستطيع المدافعة، فوقف كفار مكة يتفرجون كيف تُهْدَم الكعبة، وينظرون من أين يدخل أبرهة الآن ورأوا أطفالهم عندهم وزوجاتهم وشاهدوا الموقف؛ ولكن يقول الله عزَّ وجلَّ: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:79-80] توقف الدهر وتوقف التاريخ، وانتظر الناس ما سيحدث، فليس هناك قوات مسلحة أصلاً تحمي البيت، وليس هناك حكومات موجودة تحمي علم الإسلام، وليس هناك صواعق تنزل، ولا رياح يشاهدونها ولا طوارئ في الكون لكن انتظروا، وحرَّك أبرهة الفيل، الآن بدأ الهجوم، حركه في المحسر، فمضى الفيل قليلاً ثم لف وجهه إلى الجهة اليمانية، فضربوا وجهه وحوَّلوه فأبى أن يذهب، أي: (غرَّز) حاولوا فيه ولكنه رفض، يوجهونه إلى اليمن فيمشي، ويوجهونه إلى البيت فيأبى، لأن الله عزَّ وجلَّ أراد أن يأبى.
لما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ونزل على الصلح حرَّك ناقته فوقفت مكانها، فضربها صلى الله عليه وسلم فرفضت، فأتى الصحابة قالوا: {خلأت ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام -أي: انهارت وفشلت وخارت قواها-قال صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده، ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن أدركها ما أدرك الفيل}.
فلا تحسبن هنداً لها الهجر وحدها>>>>>سجية نفس كل غانية هندُ
لا تحسب الناقة أن هذا هو سببها، بل سببها هو سبب الفيل، والفيل سببه هو سبب الناقة.
وحينها ترجل عليه الصلاة والسلام وأراد المصالحة، وأخذ سهيل بن عمرو يصالحه، لأنه تذكر صلى الله عليه وسلم أن الناقة خافت، لأن هذا البيت له قداسة والله سبحانه وتعالى يحميه.
في الأخير: أمر أبرهة أن يتحرك الجيش، فبدأت الطوابير تزحف؛ ولكن قدرة الباري سبحانه وتعالى أعظم، وإذا بجبال مكة تُثار بطير أتت من جهة البحر -كما قال بعضهم- وقال بعضهم: بل خلقت من شيء من السماء، بكلمة (كن) فكانت، وسمعت أنا بعض العصريين يقول: انطلقت من قواعد كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117] والحقيقة أني رأيت في (تفسير القرطبي) أنه أتى بأمور عجيبة، وقال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: [[كان للطير مخالب كمخالب الكلاب]] وقال بعضهم: كان الطائر الواحد يحمل ثلاثة أحجار، حجر في منقاره، وحجر في رجله اليمنى وحجر في رجله اليسرى، وسارت كالغمامات، حتى أن صاحب (الظلال) يسميها: جولات استطلاعية. ولك أن تسميها أنت؛ لكن الله عزَّ وجلَّ أراد أن يهلكهم بهذا، فثارت عليهم ثم وقفت على رأس البيت كالغمامة، وأخذت تنزل حمولتها؛ لكن الصحيح عند أهل العلم أنها لم تعُد مرة ثانية لتحلِّق، كانت الواحدة منها فقط تنقل مرة ثم تذهب ولا تعود، فأصابت أول الحجارة، فكانت لا تُخْطئ، وقال: لم يخطئ ولو حجرٌ واحدٌ جندياً واحداً؛ لأن الرامي هو الله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] فالرامي حقيقةً هو الواحد الأحد.
رمى بك الله جنبيها فهدمها >>>>>ولو رمى بك غير الله لم يُصِبِ
وبقيت على هذا فترة، قالوا: وكان كلما انتهى فوجٌ منها أتى فوج، وقالوا: وكانت تأتي من جهة البحر الأحمر، حتى أن بعض المفسرين قالوا: ربما ثارت من جانب البحر، أما الحجارة فليست من حجارة الدنيا، بل صنعها الله بكلمة (كُنْ) وقال مجاهد: لفَّتها الريح حتى اشتدت فأصبحت حارة قوية، فكانت الطيور ترمي على الناس، وكان تقتل الجيش حتى قُتل كل الجيش، ولم يبقَ إلا أبرهة واثنان أو ثلاثة معه، أما أبرهة فأراد الله أن يعذبه، فتساقط جسمه أُنْمُلة أُنْمُلة، فكان كل عضو يسقط منه، حتى أصبح كالفرخ الصغير في صنعاء، ثم تفجر صدره وخرج قلبه منه وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:16] وقالوا: الفيل أخذ حسابه وقُتل في المحسر، حتى أن بعضهم قال: بل رجع ثم أرسل الله عليه صاعقة فأحرقته.
إن من المهم أن الله أهـلك هذا الجيش، وهو ستـون ألف مسـلح من أقوى جيوش العالم في ذاك العصر، مع أقوى قائد، أرسل الله عليهم طيراً أبابيل، ولذلك يقول سبحانه وتعالى لأعدائه: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ [الدخان:29] وفي سورة يس يقول: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ [يس:28] قال أهل العلم: لأنهم لا يستحقون أصلاً أن يرسل عليهم بجنود من الملائكة، فهم أصغر وأحقر من ذلك، بل يكفيهم طير، كما أن النمرود لما عصى الله وتعدى حدوده وانتهك محارمه؛ سلط الله عليه بعوضة، فدخلت في أنفه فوَلْوَلَت وأهلكته.
فأعداء الله يهلكهم سبحانه وتعالى بمصارع سهلة سهلة حتى يُضْحِك عليهم التاريخ والدهر.
هذا ملخص القصة، ولكن نعود مع قضايا السورة، والعجيب أن الله عزَّ وجلَّ في كتابه سبحانه وتعالى لم يدخل في تفاصيل القصة؛ لأنه ليس هناك مصلحة تتعلق بها، ولذلك لا يتكلف العبد أن يأتي بأمور ما وردت في الأحاديث الصحيحة، إنما أتى الله بموجز عن القصة يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1] وإنما سماهم أصحاب؛ لأنهم اصطحبوا معهم الفيلة واغتروا بقوتها، وهم أقل عقولاً وتدبيراً وذكاءً من الفيل، وكما يقول العرب:
أَرَبٌّ يبول الثعلبان برأسه >>>>>لقد ذل من بالت عليه الثعالب
ولقد خاب من كانت سيادته بيد الفيل، ولقد خاب من سماه الله عز وجل صاحب الفيل، فجعلهم الله عزَّ وجلَّ نكالاً للآخرين.
أما الفيل -أيها الإخوة- فإن سبب اختياره -وهذه لمحة وقد أشار الجاحظ في كتابه (الحيوان) إلى شيء من هذا- هو:
أن الفيل أكبر الحيوانات؛ ولذلك استطاع أن يمشي معهم.
ثم إنه غبي؛ ولذلك ورطوه في هذه المقتلة، والواجب عليه -لو كان عنده ذرة عقل- ألا يتدخل معهم في هذه الحرب الخاسرة؛ لأنها مكشوفة من أول الطريق؛ لكنه ثقيل الدم، حتى أن ابن الرومي يقول لأحد الثقلاء:
أنتَ يا هذا ثقيلٌ وثقيلٌ وثقيلُ >>>>>أنتَ في المنظر إنسانٌ وفي الميزان فيل
وتقول العرب: لا يحس الفيل بالخوف أبداً؛ ولذلك اختير لأن يكون في أول الجيش، وتقول العرب: الخيل إذا رأى الهجوم فر، والحمار إذا رأى الهجوم فر، والبغل إذا رأى الهجوم فر، إلا الفيل فإنه لا يفر؛ ولذلك قاتل به أنو شروان، ورستم في القادسية، وقاتل به الأعاجم دائماً، فهو لا يفر؛ لأن قلبه ثقيل؛ حتى يقول كعب بن زهير:
لقد أقومُ مقاماً لو أقومُ به>>>>>أرى وأَسْمَعَ ما لو يسمع الفيل ُ
يظل يرعد إلا أن يكون له>>>>>من الرسول بإذن الله تنويل
يقول: يا رسول الله! سامحني، اعف عني، والله إنك خوَّفتني يوم أهدرتَ دمي إلى درجة أن الفيل لو هدَّدتَه لخاف وهو فيل، فكيف بي أنا عبد؟! فاختير لهذا، ويُجْمَع على: أَفْيال، فِيَلَة، وفُيُول، هكذا جمعُه، وما علينا مِن جمعِه؛ لكن الله جمعه وأصحابَه في وادي محسر وأهلكهم.
.
قالوا: سكت الله عزَّ وجلَّ عن تفصيل الحادث لأنه حادث عظيم، والله عزَّ وجلَّ يعمم في القرآن ويهوِّل؛ ولذلك لا يذكر الله عزَّ وجلَّ التفاصيل، مثل قوله: فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى [النجم:54] ولم يخبرنا ماذا غشَّى، وقال في سدرة المنتهى: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى [النجم:16] ولم يخبرنا ماذا يغشى السدرة حتى أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا من هول المقام، أنك تهول الحادث، ولذلك تقول العرب: لقي جزعه، لقي ما لقي، ووجد ما وجد، وحصَّل ما حصَّل.
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [الفيل:2]:-
هذا يُسَمَّى لفّاً ثم يأتي النَّشْر، فهذا اسمه: لف ونَشْر.
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [الفيل:2]: قال أهل العلم: كادوا كيداً وكاد الله كيداً، فغلب كيد الله كيدهم، وعند أهل السنة لك أن تطلق أن الله يكيد بمن كاده؛ لكن ليس من صفات الله أنه يكيد كيداً مجرداً أو مطلقاً؛ فإن الله يـمكر بمن يـمكر به، والله يخادع من يخادعه، ويستهزئ بمن يستهزئ به، والله عزَّ وجلَّ يقول: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142] وقد ذكر سبحانه وتعالى أنه يستهزئ بمن يستهزئ به، وقال سبحانه وتعالى: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79].
أما المكيدة في هذا فهي في أمور:
أولاً: من المكيدة أن أبرهة الأشرم أخذ العيون عن العرب، فلم يدرِ كفار قريش حتى نزل في الحرم، لم يدرِ كفار قريش -وهذه النتيجة- أنه أغلق عنهم العيون والجواسيس وقطع عنهم الخطوط الإمدادية حتى وصل.
الأمر الثاني: شتت شمل العرب مما جعل القبائل خلفه.
الأمر الثالث: من المكيدة أنه لم يهاجم كفار قريش في بيوتهم، وإنما هاجم البيت وحده، إذ أنه لو هاجمهم لربما دافعوا، بل قال: انظروا الكعبة، خلوا بيني وبين الكعبة، فأبطل الله كيده وقال: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [الفيل:2] أي: في ضياع وخطأ، وكل من كاد الله جعل الله كيده في نحره، ولذلك يُحذِّر من محاربة الإسلام؛ لأنه مهما رأيت الباطل ينتفش ومهما رأيته يعلو فإنه سوف ينهار لا محالة، ولذلك لا تغتر الآن بالصيحات الإعلامية القائلة: إن المسلمين أُبيدوا بكذا، وأنهم اضطهدوا، وأنهم سجنوا، فإن العاقبة للمتقين، والله عزَّ وجلَّ يقول: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52] واسـمع الله يقول: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21] ويقول سبحانه وتعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:173] إلى آيات كثيرة يخبر سبحانه وتعالى فيها أن العاقبة والنصر لأوليائه لا محالة، فلذلك لا تستبطئ نصر الله، ولا يهولنَّك ويهمنَّك ما ترى من كثرة إبادات المسلمين، أو علمائهم، أو دعاتهم، وقيام الكفار عليهم، وكثرة جيوش الكفر وتخطيطه ومكره فإن الله ولي الذين آمنوا.
قال: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [الفيل:2] وما بعد هذا الكيد من كيد، وما بعد هذا التضليل من تضليل ولذلك لا يُسمع بجيش في جاهلية ولا إسلام رجع بنتيجة سيئة وبهزيمة كما رجع أبرهة، رجع باثنين معه، ورجع وجسمه يتساقط في الطريق، وخسر ستين ألفاً كانوا معه، وهم من أكثر أعداد الجيوش في ذلك العصر.
أبابيل: قال مجاهد: مجتمعة، كانت تأتي أفواجاً كالغمامة، وقال بعضهم: متفرقة، والله أعلم، ومفرد أبابيل: إِبُّوْل، وإِبِّيْل، ولا يهمنا هذا، ولكن قيل: أبابيل -كما يقول بعض المفسرين- لأن لها هَمْهَمَة، ويقال: إذا أقبلت سمعوا لهذه الطيور زمجرة وصياحاً وإنذارات مبكرة حتى تختفي، وقال بعضهم: لا. بل كانت تأتي على صفوف، فكان الصف الأول ينزل حمولته، ثم يأتي الصف الثاني ويلقي ما معه، ثم الثالث، وكأنها مرتبة من الواحد الأحد فسبحان الذي علَّم! وسبحان الذي خلق! وسبحان الذي كتب الكتاب على الصخور! وسبحان الذي أرسل! وسبحان الذي أعد! انظر إلى قدرة الباري، ولله عزَّ وجلَّ في خلقه شئون، وقد يستحدث الله الأمر في لحظة، فلله جنود لم تروها، وجنود ترونها.
قال: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:3-4]:-
سجيل: وورد أيضاً: سجين وهو طين محموم، فيجوز هذا عند أهل اللغة أن تكون بالنون وباللام مثل قولك: جبريل، وجِبرين عليه السلام، الأرض تمطر سجيلاً وسجيناً، والحجارة من السجيل يقال: إنها حجارة مغلية، أُغْلِي عليها، الله أعلم أين أُغلي عليها! وأين خُلِقَت! خُلِقَت بكلمة كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117] ثم كُتِبَ اسم الجُنْد عليها، وكانت عند أهل العلم سوداء، وقال بعضهم: محمرة، وكتب عليها أسماء الجنود، وكان يحمل الطائر الحجارة ثم يلقيها كما سلف معنا.
قال: تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:4] وفي الآية جمال بلاغي اختتمت باللام؛ لأنه من لوازمها أن تختم باللام، لأن كلمة الفيل في آخرها لام، فالله عزَّ وجلَّ لجمال القرآن أراد أن يختم أواخر الآيات بفواصل جميلة وهي: اللام، فأتى بها سبحانه وتعالى، ومنها قوله: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:5].
قال: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:5]:-
العصف المأكول باختصار هو: الزرع إذا أُكل، وقيل: الزرع إذا قطِّع، وقال بعضهم: العصف المأكول هو: النبت الذي لا ثمر فيه؛ فإنهم لا ثمرة فيهم أبداً؛ لأنهم سحقوا وما كان عندهم مبادئ، ولا يحملون أفكاراً، والله سمى أعداءه أنهم كالوحوش وكالبهائم، قال سبحانه وتعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] وقـال عنـهم سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12] فانظر إلى هذا الرابط من التشبيه أن جعل سبحانه وتعالى هؤلاء الحقراء الأعداء الجبناء كالعصف الذي لا يحمل ثمرة، والذي لا يقوم بمبدأ، ولا يحمل رسالة، وليس عنده تأثير ولا إيمان ولا توحيد، فهو كالزرع الذي لا يحمل ثمرة.
أما لماذا وصفهم الله بالعصف المأكول: فإن منظرهم يوم قتلوا كمنظر العصف الذي وقعت فيه البهائم، أي: عاثت فيه تماماً، ولعبت في لعباً، حتى أنه يُقال: كان يوجد رأس الجندي على مسافة أميال من جثته، ورمي بحجر، وقال بعضهم: كان الحجر يقع على رأسه ويخرج من دبره والعياذ بالله، وقال بعضهم: يقع الحجر في كتفه ويخرج من الجهة الأخرى، أي: أن الجنود مُزِّقوا تمزيقاً عجيباً، حتى أنه وُجد أن الجيش الستين ألفاً في مساحة ضيقة في وادي محسر، وكلهم (مُلَخْبَطُون) أولهم على آخرهم، فيقول سبحانه وتعالى: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:5].
.
أي: إن الذي نصر الجاهليين وهم مشركون، وصدَّ عنهم العدوان، فسوف ينصرك وأنت الذي يحمل رسالته ويسجد له ويسبح بحمده، فتوكل عليه، فما دام أن الله دافع عن البيت، وهو يقول لكفار قريش: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص:57] فالله يدافع عن حرم المشركين وهم مشركون فكيف بالمؤمنين؟!
ولذلك نأخذ من هذا الدرس من العنصر الأول: إن هذا البيت لا تحميه قوة في الأرض؛ لأن الله سبحانه وتعالى تكفل بحمايته، وإن من لوازم الحماية أن يُشكر سبحانه وتعالى حتى يُدافع سبحانه وتعالى عن مجموع الحرم، أما البيت نفسه، فقال أهل العلم: لا يمكن الاعتداء عليه، إلا إذا كتب الله في آخر الزمان -كما ثبت في الصحيح-: {أن جيشاً من الحبشة سوف يُقدم على الكعبة فينثرها حجراً حجراً بقضاء من الله وقدر} لكن قبل هذا لا يستطيع أحد أن يمس الكعبة؛ لأنها بيت الله.
فإن الله سبحانه وتعالى ذكرهم بنعمه؛ أنه صد عنهم المعتدي والغازي وقال سبحانه وتعالى على لسان إبراهيم: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:35-37] فاستجاب الله دعاءه في بلد من أجدب بلاد العالم ومن أكثر بلاد العالم قحالة وجدابة وقحطاً، ورزقهم الله سبحانه وتعالى الثمرات من كل أنحاء الأرض، الآن لك أن تدير نظرك في المتاجر وتنظر في المحلات، يحج الحجاج وعددهم يصل إلى الملايين فلا يشكو أحدهم جوعاً، ولا ظمأ، ويمر الإنسان بأنواع الفاكهة، وأنواع اللحوم، بينما يرى الصخور حول الحرم لا تنبت ولا تزهر ولا تثمر؛ لا نهر ولا ساقية، ولا جدول ولا غدير، ولا بستان ولا حديقة، إلا ما ثمره الناس أنفسهم في الحدائق، ومع ذلك جعلها الله بلداً آمناً مطمئناً وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً [آل عمران:97] لا يشعر بخوف.
ومن تدنيس هذا البيت كذلك: أن تجد المناظر التي تخالف شرع الله عزَّ وجلَّ في مثل المتاجر التي تحيط بالحرم، وهي تبيع المعاصي التي نهى عنها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وأجمع أهل العلم على تحريمها، مثل: أشرطة الغناء، ومحلات الفيديو، ومحلات المجلات الخليعة، ومحلات الألبسة الكاشفة العارية التي تظهر المرأة في صورة مزرية، والغش والدجل، وجلوس كثير من الناس في الحرم يغتابون ويقطِّعون أوقاتهم في القيل والقال وفي الاعتداء على أعراض المسلمين، فالبدع التي تشاهَد أحياناً في الحرم، وهي تخالف منهج الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.
وقف عليه الصلاة والسلام عند الكعبة -وهذا الحديث يُروى عنه- فقال: {ما أعظمكِ وما أشد حرمتكِ! ووالذي نفسي بيده، لَلْمسلم أعظم حرمةً منكِ} ونظر عليه الصلاة والسلام وهو في حمراء الأسد إلى مكة فبكى عليه الصلاة والسلام، وقد أخرجه أهلها، ومن صلى منكم العشاء البارحة في الحرم سمع ما قرأ لنا الإمام: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] فيعيش الإنسان وهو في الصلاة مستشعراً التحدي لهذا النبي المعصوم من الجاهلية، ومعاناته، وكأنه داعية مطارَد يتعرض مرة للحبس، ومرة للقتل، ومرة للإخراج من البلد، وفي الأخير أُخرج عليه الصلاة والسلام، فيلتفت وبناتُه الأربع في مكة، وتباع أملاكُه عليه الصلاة والسلام، ويُضطهد ويُعادَى، ثم يلتفت ويبكي ويقول لـمكة: {والذي نفسي بيده، إنكِ لَمِن أحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجتُ} فانظر إليه، وقد تربى في مكة، وأولى أن يكون في مكة ومع ذلك يُطرد منها عليه الصلاة والسلام.
لكن سبحان الله! مع الصبر والتحمل في ذات الله عزَّ وجلَّ يدخل بعد ذلك بعشرة آلاف مسلح، ويقول له سبحانه وتعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2] فهل تبجَّح بالفتح عليه الصلاة والسلام؟! هل أزهق الأرواح؟! هل قتل الأنفس صلى الله عليه وسلم؟! أتدرون ماذا فعل؟ في الصحيح: أنه {نكَّس رأسه عليه الصلاة والسلام حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل تواضعاً لله، ودمعت عيناه} ودخل عليه الصلاة والسلام طائعاً خاشعاً، ويتقدم كفار قريش الذين أخرجوه، قال: {ما ترون أني فاعلٌ بكم؟ -يقول: أخرجتموني وحاربتموني وضربتم بناتي وأهنتموني وكذبتموني وآذيتموني فماذا ترون؟ ما هو الجزاء؟- قالوا: أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم -سبحان الله ما أحسن العقل!- قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء} فلذلك اكتسب عليه الصلاة والسلام بهذا النصر تاريخاً مجيداً سوف يبقى إلى قيام الساعة.
وأن أجهل الناس هم مَن حارب الله عزَّ وجلَّ وضادَّه، ولذلك يقول سبحانه وتعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف:52] وإِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81].
واجبنا أن ننقل لهم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نتعاون معهم لِما يرفع الإسلام ويقويه، وأن نكون نحن وإياهم أسرة واحدة، وأن نقدم صورة جميلة عن الإسلام.
رأيتُ في كتاب عن سيرة شاعر باكستان محمد إقبال، يقول: إنه وفد إلى هنا يريد الحج، والبعيد عندما يسمع عن أهل الجزيرة فيظن أنهم على طراز طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف، وربما يُفاجأ إذا وجد العكس، أليس من المفاجأة أنك تجد أناساً من سكان الحرم يشربون الدخان بجانب الحرم، ويشربون الشيشة وقد حلقوا لحاهم؟! أما تفاجأ إذا رأيتَ أناساً من أهل الحرم يدخلون مسبلين ثيابهم؟! أما تفاجأ إذا رأيتَ نساءً ممن يدخلن الحرم، تدخل الواحدة منهن كاشفة متعطرة متجملة تفتن الرجال وهي تطوف وتسعى؟! أما تفاجأ أنك ترى البنك الربوي من أربعة عشر طابقاً بجانب الحرم؟! كلها مفاجآت تحزن المسلم، فيقول إقبال: أين التاريخ الذي كنتُ أقرؤه؟! أين أبناء الجزيرة وحَمَلة المبادئ؟!
فـمحمد إقبال أتى إلى مكة ورأى الناس أخذ يحدث نفسه يقول: أين أحفاد الخلفاء الراشدين؟! فالخلفاء الراشدون من هنا، محمد عليه الصلاة والسلام من هنا، والصديق من هنا، والفاروق من هنا، وعلي من هنا، وعثمان من هنا، وخالد من هنا، كل الأخيار من هنا، ففوجئ فيقول:
وأصبح عابدو الأصنام>>>>>حماة البيت والركن اليماني
يقول: يا رب! أنت مننت على عكرمة وعلى خالد وغيرهما، كانوا يعبدون الأصنام، فهديتهم وأصبحوا يحفظون الحرم، فأين أولئك الملأ؟! أين أولئك النفر؟! أين أولئك السادة؟! وهناك قصائد طويلة قد ذُكرت في كثير من الأشرطة فلا أكررها.
فالمقصود: إن واجبنا كبير -أيها الإخوة- وأنه لا يكفي للإنسان أن يحج أو يعتمر فقط ويذهب ويكون سلبياً، وما ترى أضعف ولا أقل ولا أذل من إنسان يحمل عنده مبدأ ثم لا يخدم مبدأه، يحج ويعتمر ويطوف ويسعى ثم لا يأمر ولا ينهى ولا يؤثر، ولا يرشد ولا ينصح ولا يوجه، وتصوَّر لو أن هذه الألوف المؤلفة كانت تنصح وترشد وتهتم لَمَا بقي هناك منكر، وما بقي هناك فاحشة، ولتقلص الفساد: لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة:63] وقد ذكر قبله سبحانه وتعالى فقال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
وإقامة طاعة الله في الأنفس تكون بامتثال أمره سبحانه وتعالى في كل نفس بما كسبت، فهو القائم على كل نفس بما كسبت، وعلى المسلم أن يربي نفسه على الطاعة، وأن يكون له نوافل من التعبُّد، وأن يستكفي بالله عن الناس، ويحتمي بأمر الله، وأنه عزيز سبحانه وتعالى.
والطاعة في الآفاق بإقامة شرع الله، وأن تعرف أنه سوف يُقام شرع الله، وسوف تكون العاقبة للمتقين، ولذلك كما سبق في أحاديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول في الصحيح: {إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها وإن ملك أمتى سيبلغ ما زوي لي منها} فسوف يبلغ الله دينه وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8] فلا بد أن يبلغ الله نوره مشارق الأرض ومغاربها؛ لكن المسألة التي أسأل نفسي وأسألكم وأعرضها عليكم هي: لنكن جنوداً لله، لنكن أنصاراً لله، لأن الله سوف ينصر دينه سواءً أكان النصر بنا أم بغيرنا: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] فلا يكونون كسالى أمثالكم، ولا عاطلين ولا منحرفين.
أيضاً -أيها الإخوة- مر في التاريخ أن الحرم دنِّس بمعاصٍ وببدع وخرافات، ومع ذلك دافع الله عنه لأن البيت بيته، يقول بعض العلماء: لأن الله يريد أن يجعل العاقبة لأهل البيت، وهم ملتزمون بالسنة على طاعته، فذب الله عن بيته بغض النظر عمن كان في البيت، فإنه قد يوجد فيهم المشركون وأهل البدع والخرافات والمنحرفون عن منهج الله، فليس هذا بعبرة؛ وفيهم من يعصونه، فلا تظنوا أن الدفاع عن البيت رضا الله عمن جاور البيت، فلو ظُنَّ أن دفاعه عن البيت هو رضاه عن أهله لكان الله راضياً عن عبد المطلب، وعن أبي جهل، وعن أبي لهب، وعن الوليد بن المغيرة، ودافع الله عنهم، إنما كان الدفاع لأجل البيت، فلا يظن ظانٌُّ ولا يتبجح متبجح بحسن عمله، حتى إني أسمع من أهل المعاصي من يقول: إن الله ما أنعم علينا بهذه الثمرات في هذا البيت إلا لطاعتنا واستقامتنا، وهذا ليس بصحيح ولا يلزم؛ فإن الله سبحانه وتعالى استجاب دعاء إبراهيم في دعائه إياه في قوله: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37] فاستجاب الله دعاءه، وأخبر سبحانه وتعالى أنه سوف يمتع حتى الظالم ثم يضطره إلى عذاب أليم.
أيها الإخوة! لا أريد أن أطيل، وليبقَ هناك وقت للأسئلة، وما في السورة من لمحات يكفي، وما أردتُ أنا أن أشرح شرحاً مفصلاً لطلبة العلم لأن هذه محاضرة، بل أردتُ أن آخذ العبر منها والمقاصد العامة والخطوط العريضة.
.
الجواب: لا أعلم فيه حديثاً صحيحاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا عن أحد من السلف، ولا من الصحابة، ولا من التابعين أنهم كانوا يتوخَّون عقد الزواج في الحرم، والعقد على كل حال صحيح، ولكن ليس له ميزة حتى يتخذه الناس سنة، فتجد كثيراً من الناس إذا رأوا بعض المشايخ ذهبوا يعقدون داخل الحرم، ويروا الذاهب والآيب فيظنون أن فيه أثراً، هذا ليس فيه أثر، والواجب النصيحة في هؤلاء أنه ليس هناك ميزة له، وأنه ما ورد فيه نص، وأن على الناس أن يقتدوا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا، ولو كان فيه خير لدل الأمة إليه عليه الصلاة والسلام، فإن الخير كل الخير في اتباعنا الرسول صلى الله عليه وسلم، ولاحظوا المفاجآت أن من يعقد في الحرم يكون زواجه على خلاف الشريعة، فتجده يسرف في الحفلات، ويدخل فيها ما حرم الله عزَّ وجلَّ مما يخالف الشرع، كبعض المخالفات الشرعية، مثل الإسراف أو التبرج والاختلاط، وأصل العقد في الحرم لا ينفع، فلذلك يعتبر ديناً ساذجاً عند بعض الناس، تجدهم يقفون على الجزئيات ويضيعون كبار المسائل، مثل أهل العراق، يستفتون ابن عمر في دم البعوضة وهم الذين قتلوا الحسين بن علي رضي الله عنه. فلا يرد في ذلك، والأحسن أن ننبه الناس على هذا حتى ينتبهوا على أنفسهم لمثل هذا الأمر.
الجواب: تأمر لأنك مسلم {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} تأمر بلسانك، تقول: يا أمة الله! تحجَّبي، يا فلان! اترك هذا، تأمر وترشد، إذا رأيت شركاً أو بدعة أو خرافة أو..... في البيت فتأمر وتنهى، {فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معلِّقاً تميمة وهو يطوف، فأخذ صلى الله عليه وسلم التميمة فقطعها عليه الصلاة والسلام، وقال: ما هذه؟ قال: تكشِف عني الوهن، قال: لا تزيدك إلا وهناً} فأمر عليه الصلاة والسلام ونهى وهو يطوف بالبيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الطواف أفضل من الذكر؛ لأن الذكر لازم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعدٍّ، وهو أنفع بإذن الله سبحانه وتعالى.
الجواب: أولاً: علينا أن ندعو لكافة المسلمين بالعزة والنصرة في أنحاء الأرض، وأن نشاركهم المشاعر ونشاركهم الأزمات التي يعيشونها، فإنهم يعيشون في مآسٍ، سبحان الله! حتى أنك لا تجد الأخبار إلا على المسلمين وأنت عليك أن تستقرئ هذا، والمقارع على المسلمين، والحرب على المسلمين، حتى اتهام الإعلام ينصب على المسلمين في مسمياتهم؛ كأصوليين، ومتطرفين، ومتزمتين، وكأنهم هم أعداء الملة وأعداء الأرض، فواجبنا أن ندعو الله لهم؛ لأن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً.
ثانياً: علينا أن ننفعهم بما استطعنا، فإن بعضهم يَفِد وهو فقير؛ لا يستطيع النفقة، مثل الذين هم في الحرم، فمن عنده مال يعطي لمثل هؤلاء خاصة الملتزمين بشرع الله عزَّ وجلَّ.
ثالثاً: علينا أن نعطيهم من وسائل الدعوة، كأن ننصح، ونلتقي بهم، ونجلس معهم، ونشرح لهم هذا الدين الذي بُعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعظهم في أنفسهم وعظاً بليغاً، ونهدي لهم الشريط الإسلامي، والكتيب الإسلامي، ونقف معهم.
رابعاً: علينا أن نربط بيننا وبينهم صداقة، وهي الحب الإيماني، مثل أن نأخذ عناوينهم ونراسلهم ونشد من أزرهم ونسأل عن أخبارهم وما يلزمهم، ونخبر أهل العلم هنا.
فهذه من الواجبات التي تحضرني حول هؤلاء الإخوة المسلمين، الذين ربطنا الله سبحانه وتعالى معهم برابطة الإيمان.
الجواب:
باسم الذي سخر لنا الكون كله >>>>>هذا وصلى الله على خير الأنام
وعلى كل حال أعتذر من إلقائها، سواء أكانت نبطية أو عربية، أسأل الله أن يغفر لصاحبها وأن يثيبه على مشاعره الإسلامية الطيبة، وحضوره أعظم، ومن أعظم المناقب أن يحضر الإنسان مجالس الخير؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل للخير أولياء وللشر أولياء.
إن عمر بن الخطاب قطعت يد سارق في عهده، فرأى الناس يجتمعون وراء هذا السارق في كل مكان، فأخذ عمر حفنة من التراب ونثره على وجوه هؤلاء وقال: [[شاهت هذه الوجوه التي لا ترى إلا الفساد]] فتجد بعض الناس يحضر مجالس الخير دائماً، وبعض الناس مع مجالس الشر، فأراد الله عزَّ وجلَّ هذا، فإن الذي يرضيه هو هذا سبحانه وتعالى.
الجواب: أصلاً مسألة المساهمة قد أُكثر من الكلام عليها، وقد أفتى أهل العلم، كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز قبل ليالٍ في هذا المكان بتحريمها من الكتاب، والتعامل مع البنوك الربوية، وهذا من تحصيل حاصل، وما أظن أحداً في هذا المسجد إلا ويعرف الحكم، ونحن لا تنقصنا الفتيا، بل ينقصنا التقوى، والعمل بما نعلم، وأن نكون قائمين لله عزَّ وجلَّ بأنفسنا؛ لأن حجة الله بالغة، وعلى ذكر كلمة حجة الله بالغة يقول أحد الأئمة، اسمه ابن هشام يقول: حجة الله خالدة وليست بالغة، فرد ابن تيمية وقال: بل هو حجته البالغة سبحانه وتعالى، وتحسر ابن تيمية وقال: سبحان الله! حجة الله ليست بالغة وقد أقامها سبحانه وتعالى في الأنفس والآفاق؟! وله الحجة المطلقة سبحانه وتعالى لكن أهل الهوى يفعلون هكذا.
الجواب: أنت أفتيت نفسك، فمثل تجمعات الناس في ليلة السابع والعشرين، لم يأت بها أصل من الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي من الأمور المبتدعة التي خالفت شرع الله سبحانه وتعالى، وتخالف سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر معلوم لديكم، ولا يجوز للإنسان أن يجتمع مع هؤلاء، أو يحتفل معهم، أو يجلس معهم في مجالسهم، بل عليه أن يبقى على سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكلما أتاك أحد بشيء قل: هل فيه أثر؟ هل ثبت في سنن المعصوم عليه الصلاة والسلام؟ فهذا هو المطلوب.
الجواب: ادعُهم إلى السنة، وأخبرهم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتي هي أحسن، ستكسب أمرين:
الأمر الأول: أنك أقمت الحجة عليهم.
الأمر الثاني: أنك تعصمت بدعوتك من أن يؤثروا فيك بدعوتهم، فمن أهل العلم من يقول: من لا يدعو يُدعى، فإنك إذا بقيت سلبياً أثروا فيك؛ لكن إذا كنت لا تتكلم معهم وتحاول ألا تجلس في مجالسهم لأنهم شبهة فلن يؤثروا فيك، قال ميمون بن مهران: لا تدخل على السلطان ولو كنتَ تنصحه؛ فإنه يضيع دينك، ولا تجلس مع صاحب البدعة، ولو قلتَ أرشدُه؛ فإنه يورد فيك ما لا تورد فيه، ولا تختلِ بامرأة ولو قلتَ: إني أعلمها القرآن؛ فإن الشيطان ثالثكما، كما قال عليه الصلاة والسلام.
الجواب: أصلاً مثل هذه الأسئلة إجاباتها سهلة ومعروفة، وبعض الإخوة تُسَلَّم له الورقة فيريد أن يكتب فيها أي شيء، مثل: دلوني على طريق الاستقامة، وماذا أفعل في عطلة الربيع؟ أصلاً ليس عند المسلم فراغ، أما ماذا تفعل عليك أن تدعو إلى الله، وتحصن نفسك بالإيمان، وبعض الناس يتمنى أن يوجد له وقت زائد ليشتريه بالدراهم والدنانير ولا يوجد له وقت، فالحمد لله ليس عندنا فراغ أصلاً، ولسنا في حاجة إلى أن نسأل هذا السؤال؛ لأن الله ذكَّرنا بأنه سوف يحاسبنا على أوقاتنا: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116].
هنا بشريات إلى أنحاء العالم وإلى كثير من الإخوة أصحاب الصحوة في كندا والصحوة في كثير من المناطق، وقد يتعجب أحدٌ منكم ويقول: أصحوة في كندا؟! فربما رأى بعضكم فيلماً لأحد علماء الذرة الذين خرجوا من المناجم من تحت الأرض وهو ملتحٍ، وهو مسلم، خرج من تحت الأرض بعدما انهار الاتحاد السوفيتي حيث كان يصنع في المعامل الذرية ويشتغل في الأجهزة النووية، خرج على سطح الأرض وهو يدعو إلى الإسلام؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يقيم الحجة على أهل الأرض، فلا تظن أن الإسلام فقط في حدود المناطق الإسلامية أو لا يتعدى الجزيرة، لا. بل الإسلام في كل مكان، حتى أن بعض الإخوة الذين وصلوا من كندا يقولون: الشريط الإسلامي يصل إلى المسلمين في كندا بعد أسبوع، وعندهم صحوة عارمة، والمصحف -تَصَوَّروا- أنه في ولاية بيزيا يُستعار المصحف في البيت -من قلة المصاحف عندهم- فإذا انتهى أهل البيت أعاروه جيرانهم في اليوم، ثم من الجيران إلى الجيران؛ لأنهم بحاجة إلى دين، فقد انهارت المبادئ إلا مبدأ محمد صلى الله عليه وسلم، وشهقت الأطروحات وانتهت، وما بقي إلا أطروحة محمد صلى الله عليه وسلم، حله للناس، وما بقي إلا هذا الدين، فـالاتحاد السوفيتي انهار الآن، ولا بد من بديل، وهو الإسلام.
وحزب البعث انكسر ظهره قبل سنة، ولا بد من بديل، وهو الإسلام.
والأنظمة العلمانية تعلن فشلها وانهيارها، ولا بد من الإسلام، ومثلها كثير من المبادئ، فمن يأتي من بلاد بعيدة سلوه، سلوا من يأتي الآن -مثلاً- من اليمن، أو من السودان، أو من الجزائر، يخبركم أن الصحوة قادمة.
ففي اليمن: الشيخ عبد المجيد الزنداني ينصت له الشباب بعد صلاة الجمعة أكثر من نصف مليون، ويرفعون المصاحف وينشدون:
نحن الذين بايعوا محمدا >>>>>على الجهاد ما بقينا أ بدا
وفي السودان: اسألوا أخبارهم من يأتي من علماء السودان، لا تسألوا غيرهم، فهناك أمور عجيبة! حتى أن بعض الإخوة في الإغاثة سافر إلى السودان، وقَدِم إلى شيخ هنا فكلمه بكلام عجيب، قال: والله إنا نسير المائتي ميل، كلها أرض خضراء بالبر والشعير والذرة، وتحقق فيهم قوله سبحانه وتعالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً [الجن:16].
وفي الجزائر؛ هناك فيلم موجود رآه بعض الإخوة من الدعاة؛ سبعمائة امرأة متحجبة يذهبن إلى قيادة الدعاة يردن الإسلام، يردن محمداً صلى الله عليه وسلم.
فالآن الحل البديل والوحيد هو الإسلام، فعليك أن تشارك أنت في هذه المسيرة، ولا تظن أن الله سبحانه وتعالى سوف يخلف وعده، فإن وعده الحق سبحانه وتعالى وقوله الصدق، ولا بد أن تكون العاقبة للمتقين.
قصيدة الشاعر/ ناصر:-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الحقيقة أن الشيخ ورَّطني جزاه الله خيراً قبل المحاضرة، يقول: أعِنْدَك قصيدة حول هذا الموضوع؟ فقلت: أحاول إن شاء الله، فكانت هذه الأبيات السريعة وترددتُ في إلقائها، لكن اقبلوها على عِلاَّتها:
قلتُ:
يا شيخنا قد تولى صاحب الفيلِ>>>>>أباده الله بالطير الأبابيلِ
لكن في عصرنا مليونُ أبرهة >>>>>للهدم قد هيَّئوا شتى المعاويلِ
لهم فعائل سوء ينزوي خجَلاً>>>>>من مثلها لو رآها صاحب الفيلِ
لم يهدموا كعبة الإسلام يحفظها >>>>>مِن كل صاحب شر ربُّ جبريلِ
لكنهم أعلنوا هدماً وخلخلةً >>>>>بلا توانٍ على وحيٍ وتنزيلِ
هم من بني قومنا أَعْجِب بما فعلوا >>>>>ليسوا يهوداً ولا من أهل إنجيلِ
أعزهم ربهم بالدين فانسلخوا >>>>>منه فيا لهم من قوم مهابيلِ
قاموا بحرب على الإسلام واجتهدوا >>>>>في قمع أربابه من دون تعليلِ
لم يرتفع صوت أهل الحق في بلد >>>>>إلا أُبيدوا بتشريدٍ وتقتيلِ
شجاعة فذة في أهل ملتهم >>>>>وإن رأوا الخصم بالوا في السراويلِ
صيد الأرانب من أسمى مطالبهم >>>>>وليلهم كله (يا عَيني، يا لِيلي)
تجاهلوا علماء الحق وافتتنوا>>>>>بأهل فن وألعاب وتمثيلِ
كالوا الشتائم للأخيار واجتهدوا >>>>>في رميهم بأكاذيبٍ وتضليلِ
حثالةٌ تدعي ذُلاً ومنقصةً >>>>>رحماك يا ربِّ من قومٍ تنابيل
ذلت بهم أمة الإسلام وانخدَعَت >>>>>لأنهم ألبسوها ثوب تمثيلِ
يا فتية الحق إن الخير مرتَقَبٌ >>>>>بمثل صحوتكم يا خيرة الجيلِ
وصلى الله على محمد.
بعد هذه الأبيات معي ثلاث قضايا أقولها باختصار:
رأيت في قصص بني إسرائيل، وهذا يورده أهل العلم، أن موسى عليه السلام كلم الله عزَّ وجلَّ فقال: يا رب! مسألة واحدة، قال: ما هي يا موسى؟ قال: أن تكف ألسنة الخلق عني فإنهم يسبونني، قال: يا موسى! ما اتخذتُ ذلك لنفسي، إني أخلقهم وأرزقهم ويسبونني.
وفي صحيح البخاري: {يسبني ابن آدم ويشتمني ابن آدم، فأما سبه إياي فإنه يسب الدهر، وأنا الدهر، أصرِّف الليل والنهار كيف أشاء، وأما شتمه إياي فيقول: إني اتخذت صاحبة وولداً، وأنا الله لا إله إلا أنا لم أتخذ صاحبة ولا ولداً} فهذا في حقه سبحانه وتعالى الذي هو مبرأ عن النقص، والذي هو الكامل المطلق تبارك وتعالى فكيف بالناس؟!
أيضاً لا يتصور الناس أن العلماء معصومون، فإنهم قد يخطئون في بعض المسائل مجتهدين، فيأجرهم الله أجراً واحداً.
مهمة طالب العلم والداعية والخطيب أن يبين للناس ما نُزِّل إليهم، ليس عليه أمور أخرى إنما هو البيان والتربية، أي: كلامٌ مما ينفع الناس ويهديهم سواء السبيل ويشرح لهم ما يشكل عليهم من أمور دينهم، فالإلحاح على تربية الناس هو الأمر المطلوب؛ فإن بعض الناس قد اشتغل -مثلاً- ببعض الأفكار التي ليس لها أثر، أو اشتغل ببعض القضايا التي لا تهم الناس، فنشأ جيل ليس عنده تربية ولا علم، فأصبح في تفكيرهم عَوَج بسبب سوء التربية.
الأمر الأول: التقصير في الخطب على الناس: ألا يثقلوا على الناس في خطابة الجمعة، فإن الخطبة الطويلة مهما كانت جميلة فإنها مملة، وإن الرسول عليه الصلاة والسلام لحكمته رأى أن قِصَر خطبة الرجل وطول صلاته مَئِنَّة من فقهه فلا يطيل على الناس؛ لأن بعض الخطباء يخطب في الناس ساعة، وكأنها محاضرة، فيفقدها أهميتها، ثم يتلعثم في الكلام، ويعيد ويبدئ في الموضوع.
الأمر الثاني: ألا يجرِّح الهيئات ولا الأشخاص ولا المؤسسات ولا الجهات: فإن المنبر هذا لإسداء الحكمة، ولرد القلوب لبارئها، ولإصلاح الأنفس، ولاستجداء الرحمات من الله عزَّ وجلَّ، أما أن تكون الخطب سباً وشتماً فهذا أصلاً ليس من سياسة المنبر في الإسلام ولا من منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كان عليه الصلاة والسلام يقول: ما بال أقوام يصنعون كذا وكذا، فما كان يصرِّح عليه الصلاة والسلام.
الأمر الثالث: أن على الخطيب أن يتكلم في أمور تهم الناس ويعيشونها في واقعهم؛ ويسندها بالأقوال الصحيحة من القرآن الكريم، ومن سنة محمد عليه الصلاة والسلام، لأن بعض الخطباء يدخل في قضايا خرافية جدَلية، أو يرد على فكر قد انتهى، أو يأتي بقضايا لا يعيشها الناس مثلاً، وهذا ليس من الصحيح.
الأمر الرابع: أن على الخطيب أن يتأكد من الأحاديث الصحيحة؛ فلا يورد حديثاً ضعيفاً ولا موضوعاً إلا على سبيل البيان، أن يبين ضعفه أو وضعه، لأن بعض الخطباء كحاطب ليل، يورد من الخزعبلات التي تصد الناس عن معرفة المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من الخطأ بمكان.
هذه بعض النصائح والفوائد، وعسى الله عزَّ وجلَّ أن ينفع، وأن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل.
تحضر دائماً في كل محاضرة مجموعة هائلة من النساء، وهن داعيات خرِّيجات، ومهمة المرأة أن تكون مؤثرة في بنات جنسها، مثلاً: الدعوة في الحرم، فربما تكون المرأة المسلمة الداعية الآن أسمع صوتاً من الرجل وأنفع منه في مجال الدعوة للمرأة في مسائل الحجاب، والسفور، والاختلاط في الحرم، فأنا أطلب من الأخوات المسلمات أن يحملن منبر الدعوة والتأثير، وأن يقمن بما أوجب الله عليهن من هداية بنات جنسهن، وألا يتراجعن عن هذا الطريق الذي رسمه محمد صلى الله عليه وسلم لرجال الإسلام ولِبَنات الإسلام.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، وأشكركم على الحضور، وأشهد الله على محبتكم فيه.
وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هجوم على الكعبة للشيخ : عائض القرني
https://audio.islamweb.net