اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رياض الصالحين - من (استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء) إلى (إصغاء الجليس لحديث جليسه) للشيخ : أحمد حطيبة
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رياض الصالحين - من (استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء) إلى (إصغاء الجليس لحديث جليسه) للشيخ : أحمد حطيبة
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء.
قال الله تعالى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:88]، وقال تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والكلمة الطيبة صدقة) متفق عليه.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق) رواه مسلم.
ذكر الإمام النووي رحمه الله: كتاب الأدب، وذكر تحته أبواباً منها: ما قدمنا قبل ذلك في الحياء وفضله والحث على التخلق به، ومنها: ما جاء في حفظ السر، ومنها: ما جاء في الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد، ومنها: الأمر بالمحافظة على ما اعتاده من الخير، وهذا باب في استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه، واستحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب، وفي إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام وغير ذلك.
وكذلك تحري الخير، فمن يتحرَّ الخير لم يزل يطلبه في مظانه حتى يصل في النهاية إليه، والذي يخاف من الشر ويتوقاه يكلفه ذلك أنه كلما رأى شراً يبعد عنه شيئاً فشيئاً حتى يقيه الله عز وجل الشر.
إذاً: جماع الأمر أن الإنسان يعود نفسه على العلم، وعلى الحلم، فيصبر على ذلك حتى يكون عالماً ويكون حليماً، ويكون حسن الخلق.
ومن الأخلاق الطيبة: طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء، فلابد للإنسان أن يكون كلامه طيباً، فالإنسان الفاحش في الكلام يقول كلاماً غير مفهوم، وإذا جلس في مجلس تراه يهمز هذا ويلمز هذا ويطعن في عرض هذا ويعيب في الناس، فإن الناس تستقبح منه ذلك فلا يحبون مجالسته، حتى وإن أظهروا له أنهم يضحكون من كلامه أو يضحكون معه، لكن الحقيقة أن الله يلقي البغضاء في قلوبهم، فيبغض بعضهم بعضاً؛ لأنهم يعصون الله سبحانه تبارك وتعالى.
لابد للإنسان المؤمن أن يعود نفسه على قول الخير ومجالسة أهل الخير، فيجالس الأبرار وأهل الطاعة فيتعود منهم حسن الخلق، لكنه إذا جالس سيئي الخلق يصير لسانه مثل لسانهم، فإذا قال أحدهم له نكتة رد عليه بنكتة، وإذا طعن أحدهم في عرضه رد عليه بمثلها، حتى يصير في النهاية إنساناً بذيء اللسان، والنبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الفحش والتفحش، لا تكن فحاشاً في كلامك ولا تتكلف ذلك، ولكن ابق على طبيعتك الطيبة، وإذا رأيت إنساناً فيه أخلاق غير طيبة فلا تقلده من أجل أن يخاف منك؛ لأن الله عز وجل هو الذي يلقي الهيبة في قلوب الناس، فأطع الله سبحانه تبارك وتعالى يعنك سبحانه تبارك وتعالى، فهذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يشتمه فقال له: يا هذا! دع للصلح موضعاً، فإنك إن عصيت الله فينا لا نفعل أكثر من أن نطيع الله فيك. يعني: أنت تعصي الله فينا يشتمك لنا، لكن نحن نطيع الله فيك بالصبر عليك، فدع للصلح موضعاً.
والإنسان المؤمن لا يكون إمعة، فإذا جلس في مجلس يتكلم بلسان أهله، أو يعتاد أن يكون بذيئاً، أو يكون فحاشاً أو شتاماً، بل يحافظ على لهجته وعلى حلاوة منطقه ولسانه مع كل الناس.
كان الأحنف بن قيس يضرب به المثل في الحلم، جاءه إنسان يوماً من الأيام وصفعه على وجهه فقال: لعلهم جعلوا لك جعلاً على ذلك، قال: نعم، قال الأحنف للرجل: لست بسيد القوم، ولن تكسب شيئاً، وإنما سيد القوم فلان فاذهب فاصفعه؛ حتى تحصل على الجعل، فذهب إلى فلان هذا فصفعه على وجهه، فقطع المصفوع يد الصافع، وهذا ما كان يريده الأحنف ، فلا تدري إذا تطاولت على إنسان فقد يسخر الله إنساناً يتطاول عليك.
إذاً: عود نفسك على البشاشة مع الناس وعلى الحلم واللين والرفق معهم.
إذاً: ليس من اللين أن تتنازل فتضيع العبادة أو العلم الشرعي، ولكن أوسط الأمر أن تبسُط وجهك للناس، وتكون رقيقاً معهم، ولكن أيضاً اعتذر لهم حسب طاقتك، فرب العزة سبحانه يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، فالإنسان لا يكلف نفسه إلا ما يطيق؛ لذلك عود نفسك على المحافظة على وقتك وعلى وقت غيرك، وكن لطيفاً رقيقاً، وسلم على من عرفت ومن لم تعرف، ولا تكن مثل من لا يحب أن يسلم عليه أحد، فإذا أراد أن يرد السلام ردَّ بطريقة ساذجة، فيقول لك: أنت لا تستحق!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (شر الناس من اتقاه الناس مخافة شره)، شر الناس من كان الناس يخافونه، وهو سعيد أن الناس تخافه! فيفسحون له الطريق، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بأنه شر الخلق، وإذا كنت شر الناس في الدنيا، فمحلك يوم القيامة مع الأشرار في النار والعياذ بالله.
لذلك الإنسان المسلم إذا مر في الطريق سلم على إخوانه سواء سلم باليد أو سلم باللسان، ويلقي التحية عليهم ويكون بشوشاً في وجوه الناس، وإذا سلم عليك أخوك فلا توقفه نصف ساعة حتى لا تعطله وتضيعه عن عمله، أحياناً أخاف أن أسلم على الإخوة باليد مع أنني أحب أن أسلم عليهم باليد، لأنه يتساقط بسببها السيئات، ولكن إذا سلمت باليد على أحد الناس يقول: تعال يا شيخ أريدك، ويوقفني نصف ساعة، وكذلك الثاني وأما الثالث فيقول: سبحان الله! تمشي ولا تضحك لأحد ولا تسلم على أحد؟! فلابد أن تعلم أن الذي يحبك في الله سبحانه تبارك وتعالى يجب أن تكون محبته لك بأن يحافظ على وقتك وأن يعينك على طاعة الله سبحانه وتعالى، فالسؤال قد يتأخر أما عبادة الله فلا تتأخر؛ لأنها مؤقتة بأوقات.
ومن الناس من يأتي الساعة الثانية عشرة في الليل ويدق الجرس فيقول: طلقت امرأتي، فابحث لي عن حل، ولا ينتظر الصباح، فنقول له: صلِّ معنا الفجر في جماعة، فيأتي على باب المسجد يريد أن يسأل سؤالاً فيقال له: الصلاة أولاً، فيقول: لا، أنا في عجلة من أمري، فلا يريد أن يصلي، ولكنه يريد أن يعرف جواب سؤاله!
إذاً: نقول: إن الإنسان لابد أن يحافظ على وقته، وليس معناه أنه لا يراعي هذه الأحاديث لا، بل لابد أن يتبسم في وجوه الناس، وهذا يلزمنا شرعاً، لكن بالقدر الذي لا يضيقون به علينا عبادة ربنا سبحانه وتعالى.
فالإنسان المؤمن يكون إلفاً مألوفاً، لكن لا يعني ذلك التغاضي عن الواجبات العينية والمفروضة عليه، بل عليه أن يعرف القدر الذي أوجبه الله عز وجل عليه، فيؤدي العبادة كما أمره الله سبحانه وتعالى.
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا [آل عمران:159] الفظ هو الشديد السيئ الخلق، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ [آل عمران:159] أي: لا تلين لأحد، لو كنت كذلك، لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، ولكن الحال أنهم مجتمعون حوله صلى الله عليه وسلم، فليس فيه ذلك، فعبر بلو، ولو حرف امتناع وقوع الجواب لامتناع وجود الشرط، ومستحيل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم غليظ القلب، ومستحيل أن ينفضوا من حوله صلوات الله وسلامه عليه.
إذا سألت الله عز وجل الجنة فإن الجنة تخاطب ربها: يارب، إن عبدك يسألك الجنة، يا رب أدخله الجنة، والنار تقول: يا رب أجره من النار، فقد جاء في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم: (أنه من سأل الله الجنة ثلاثاً وتعوذ بالله من النار أيضاً ثلاثاً، تقول الجنة لربها سبحانه: اللهم أدخله الجنة، والنار تدعو ربها أن يعيذه من النار).
وفي حديث آخر: (من قال في يومه سبع مرات ذلك) يعني: أنه يتكرر منه ذلك، كلما ذكر الجنة يقول: اللهم إني أسألك الجنة، سبع مرات، وكلما ذكر النار تعوذ بالله منها سبع مرات، فإذا كان الأمر كذلك كان الله عز وجل لك على حسب ظنك فيه سبحانه وتعالى.
والغرض من ذلك أنك إذا أكثرت من قولك: اللهم أجرني من النار، اللهم إني أسألك الجنة، مستحضراً لذكر الجنة ولذكر النار، فذكرك للنار يجعلك تخاف أن تدخلها فتقوم بالصدقة وبالبشاشة في وجه أخيك وبإعانة الناس على الخير.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن لم يجد فبكلمة طيبة) أي: فمن لم يجد تمرة فبكلمة طيبة، وذلك بأن تقول لأخيك كلمة طيبة، كذلك المسكين الذي يأتي إليك أو الفقير أو المحتاج وليس معك شيء تعطيه فتقول له: أسأل الله أن يسهل لك ويعطيك، وإن أعطانا الله سنعطيك.
فبالكلمة الطيبة تصرف هذا الإنسان طالما أنه فقير أو مسكين، وليس إنساناً محتالاً أو مخادعاً أو سارقاً، فالتعامل مع هذا الفقير أو المسكين إما أن تعطيه شق تمرة فما فوقها وإما أن تعتذر إليه، قال تعالى: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا [الإسراء:28] أي: تقول قولاً سهلاً كريماً لهذا الإنسان السائل.
ذُكر هذا في الحديث الطويل الذي فيه: (كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: يعدل بين الاثنين صدقة)، أي: أن ابن آدم فيه ثلاثمائة وستون سلامى، والسلامى هي العظمة التي بين المفصلين، فالإنسان فيه مفاصل تتحرك، فإذا قام من النوم تحرك مفصل من المفاصل، فحينها يحمد الله عز وجل على ذلك، ولعل الصحيح لا يعرف قيمة هذه المفاصل، لكنه إذا وقع وتأذت ركبته ولم يستطع أن يحركها عرف فضل الله عز وجل عليه، وإذا جرحت إحدى أصابعه وأراد أن يمسك القلم ولم يستطع أن يمسكه عرف فضل الله عز وجل عليه.
فكل نعمة من هذه النعم تحتاج إلى أن تشكرها وتتصدق عنها كل يوم، فإذا أردت أن يعطيك الله صحة كل يوم عليك بالصدقة بثلاثمائة وستين صدقة تتصدق بها على كل مفصل في جسدك.
والنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا فيقول: (كل تسبيحة صدقة)، كأن تسبح الله في كل يوم بعد الصلاة أو غيرها، فكل تسبيحة من هذه التسبيحات صدقة، (وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة).
كذلك من الصدقة تبسمك في وجه أخيك، قال صلى الله عليه وسلم: (والكلمة الطيبة صدقة)، إذاً: على الإنسان أن يقول كلمة طيبة لأخيه المسلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن لم يجد فبكلمة طيبة).
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق) يعني: حتى ولو كان أقل المعروف، فلابد أن تقابل أخاك بوجه ليس متجهماً ولا مكفهراً ولا عابساً، ولكن كن متبسماً له في طريقك وفي بيتك وفي مسجدك، فالتبسم للأخ المسلم صدقة.
تكلم مع الناس بكلام يفهمونه، فلا تكن سريع الكلام؛ لأن الذي يسمعك قد لا يفهم ما تقول، وقد يقول لك: أعده ثانية، فتظهره في مظهر الغبي الذي لا يفهم، فلا تسرع في الكلام، وإذا طلبت حاجة فاطلب على مهلك واجعل الذي يسمعك يفهم منك ما تقول، هذا في كلامك مع الناس، أما إذا كنت في الدرس أو في الخطبة فمن باب أولى ألا تقول للناس كلاماً لا يفهمونه، فقد يظن الناس أنك فاهم وهم ليسوا بفاهمين، فيقولون: هذا كلام كبير نحن لا نعرفه، ولكن أفهم الناس وخاطبهم على قدر عقولهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي أوتي جوامع الكلم كان أفصح خلق الله صلوات الله وسلامه عليه، وأبينهم عليه الصلاة والسلام، يقول أنس : (كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً، حتى تفهم عنه صلوات الله وسلامه عليه)، هذا إذا أراد أن يفهمهم وظن أنهم لم يفهموا أو أراد أن يحفظهم ذلك، وليس معناه أنه كلما تكلم أعاد ثلاث مرات، وإلا لكان ذلك عيباً به صلى الله عليه وسلم، وحاشاه من ذلك.
فالمقصد أنه إذا كان الكلام لا يفهم إلا بتكرار كرره، كأن يلقي ذكراً من الأذكار ليحفظ، أو أمراً من الأمور أو يريد أن يعلمهم نصيحة يحفظونها فإنه يكرر ذلك مرة ومرتين وثلاث مرات صلوات الله وسلامه عليه، وأحياناً إذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثاً، وهذا إذا كانوا قوماً كثيرين، فلابد أن يكرر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حتى لا يحرم البقية من بركة التسليم عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لهم حين يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فكان من شفقته صلى الله عليه وسلم ألا يحرمهم من ذلك، فكان يكرر التسليم عليهم مرة ومرتين وثلاث مرات، فيردون عليه السلام صلوات الله وسلامه عليه، ورضوان الله تبارك وتعالى عليهم.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً فصلاً يفهمه كل من يسمعه)، والكلام الفصل له مقطع يقف عليه المتكلم ويسمعه السامع، ليس هو كلاماً له ذيول طويلة بحيث آخره ينسي أوله، ولكن كان كلامه كلاماً فصلاً.
وأنت حين تسمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أو تقرؤها تجدها واضحة بينة، سواءً كانت أحاديث طويلة أو أحاديث قصيرة، فحديثه صلى الله عليه وسلم كله جمل مفيدة، فـعائشة رضي الله عنها تذكر أن كلامه كان كلاماً فصلاً يفهمه كل من يسمعه، بل قالت في حديث آخر: (لو أراد العاد أن يعده لعده)، فالكلمات التي يخرجها صلى الله عليه وسلم تنبثق من هدوئه، فهو عندما يتكلم صلى الله عليه وسلم يتبين ما يقوله صلوات الله وسلامه عليه.
إذاً: من الأدب في الكلام أن الإنسان يفهم جليسه ما يقول، ولا يتسرع في الكلام بحيث إن الذي يسمع لا يفهم، وقد تطلب منه أشياء وهو ليس بفاهم، فيقول لك: حسناً، ولا يستطيع أن ينفذ شيئاً من الذي تقوله.
ولذلك يحذر ربنا سبحانه تبارك وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقعد مع أقوام يخوضون في آيات الله، فقال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68].
يعني: إذا نسيت وقعدت، ثم تذكرت، فاترك هؤلاء ولا تجلس مع القوم الظالمين، وانتق الجليس الذي تجلس معه بأن يكون إنساناً تقياً ينصحك وتنصحه،ويقبل منك النصيحة، ويدعو لك وتدعو له.
فالمسلم يعود نفسه على أن يستمع خاصة الكلام المفيد، ولا يكثر من الكلام.
يعني: إذا كان المجلس يكثر فيه اللغط والكلام فلابد من الاستنصات؛ حتى يعظ الواعظ أو يخطب أو يعطي درساً، فليس للناس أن يتكلموا وهو يتكلم، وليس من الأدب أن يتكلم الناس في الدرس، وإذا اقتضى الأمر أن يسكت الناس سكتوا.
يقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: استنصت الناس) يعني: كان هناك ناس كثير مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكان عددهم مائة وثلاثين ألف رجل، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعظهم ويخطب فيهم فقال لـجرير: (استنصت الناس) يعني: مرهم بالسكوت، لكي يخطب فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ويعظهم، ثم قال للناس موعظة عظيمة: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، الكفر العملي بأن يقاتل بعضكم بعضاً ويقتل بعضكم بعضاً، أما الكفر الحقيقي فهو بأن يستحل الإنسان دم المسلم فيقتله لكونه مسلماً، فهذا كفر حقيقي، نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رياض الصالحين - من (استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء) إلى (إصغاء الجليس لحديث جليسه) للشيخ : أحمد حطيبة
https://audio.islamweb.net