اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رياض الصالحين - فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل [3] للشيخ : أحمد حطيبة
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رياض الصالحين - فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل [3] للشيخ : أحمد حطيبة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [ باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات.
وعن أبي محمد فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافاً، وقنع) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير)، رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة -وهم أصحاب الصفة- حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين، فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إليهم، فقال: لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة) رواه الترمذي وقال: حديث صحيح
وعن أبي كريمة المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ].
هذه الأحاديث ذكرها الإمام النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) في باب: فضل الجوع وخشونة العيش، وقد قدمنا أحاديث في هذا الباب قبل ذلك.
وذكر هنا حديث فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (طوبى لمن هدي إلى الإسلام)، وطوبى هي: شجرة في الجنة يخرج منها حلل أهل الجنة، وثيابهم.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن هدي إلى الإسلام)، أي: من هداه الله عز وجل لهذا الدين العظيم.
(وكان عيشه كفافاً)،أي: بقدر ما يكفيه، لا زيادة في رزقه ولا نقصان، يعني: بقدر حاجته.
قوله: (وقنع)، وهذا الحديث هو مثل الحديث الذي جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافاً، وقنعه الله بما آتاه)، يعني: أن الفضل من الله سبحانه وتعالى، وهذا الإنسان أفلح بفضل الله سبحانه؛ لأن الله هو الذي هداه للإسلام، وهو الذي رزقه سبحانه، وهو الذي سخر له هذا الرزق، بحيث جعله على قدر حاجته، لا زيادة فيه ولا نقصان؛ حتى لا يُفتن هذا الإنسان، والله هو الذي من عليه بأن رزقه القناعة، والله هو الذي من عليه بالفلاح سبحانه وتعالى.
إن الإنسان المؤمن إذا أعطاه الله سبحانه شكر الله على ما أعطاه، وإذا منعه الله سبحانه صبر على ما منعه، فهو في كل أحواله راض عن الله سبحانه، قانع بما آتاه الله سبحانه وتعالى.
وليس معنى ذلك أن يقعد الإنسان في بيته ولا يطلب الرزق، ويقول: إنني راض بهذا الشيء، بل يمشي في الأرض، كما قال تعالى: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك:15]، فأنت تتعب نفسك حتى تحصَّل قوتك وقوت أهلك خوفاً من الإثم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت).
فالإنسان المؤمن يبحث عن رزقه ويقنع بما أعطاه الله سبحانه، فإذا لم يقنع يستقل هذه النعم، ويظل يراقب غيره الذي أنعم الله عز وجل عليه وأعطاه أكثر مما أعطاه، أما المؤمن فيرضى بما آتاه الله، ويعلم أن الله يدخر له في الجنة خيراً من ذلك بكثير، فهو راضٍ برزق الله عز وجل حتى وإن كان كفافاً؛ لأنه يرجو رحمة ربه، فيكون قد أفلح، وهنا جاء في الحديث: (طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقنع).
وقد يهدي الله الإنسان إلى الإسلام ويكون عيشه كفافاً ولكنه لا يقنع، بل يتسخط، فلا يزال يشكو ربه ليل نهار، ويقول: ربنا يعطي الناس ولا يعطيني، فيسخط الله عز وجل عليه.
وقد يهدي الله عز وجل الإنسان إلى الإسلام، ويعطيه رزقاً واسعاً، ويشكر هذه النعم العظيمة ويؤدي الحقوق فيها فهذا أيضاً له الجنة.
إن الفقير الصابر له أجر عظيم، والغني الشاكر أيضاً له أجر عظيم، ولكن أيهما أفضل؟
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء، فلو كان الغنى وإعطاء الكثير من الدنيا شيئاً أحسن للإنسان وأفضل له، فإن الله كان سيعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعله يجوع صلى الله عليه وسلم ويبيت طاوياً، وليس المعنى أن لا يتمنى الإنسان الشر والفقر، بل يسأل الله عز وجل من رزقه ومن فضله، فما آتاه الله عز وجل حمده وشكره عليه سواء أعطاه كفافاً أو أعطاه زائداً عن حاجته، بل مهما أعطاه شكر ربه على نعمه وعلى عطيته.
إن الفقير الصابر له أجر عظيم، والغني الشاكر أيضاً له أجر عظيم، ولكن أيهما أفضل، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء، فلو كان الغنى وإعطاء الكثير من الدنيا شيئاً أحسن للإنسان وأفضل له، فإن الله كان سيعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعله يجوع صلى الله عليه وسلم ويبيت طاوياً، ولي المعنى أن لا يتمنى الإنسان الشر والفقر، يسأل الله عز وجل من رزقه ومن فضله، فما آتاه الله عز وجل حمده، وشكره على ما أعطاه، سواء أعطاه كفافاً أو أعطاه زائداً عن حاجته، بل مهما أعطاه شكر ربه على نعمه وعلى عطيته.
قوله: (وأهله لا يجدون عشاءً)، يعني: أنه ليس وحده في ذلك، بل كذلك أهله عليه الصلاة والسلام لا يجدون عشاءً.
قوله: (وكان أكثر خبزهم خبز الشعير)، يعني: أنه قد يُهْدى إليهم ذلك الشعير، وقد يخبز في بيتهم، وقد لا يجدون شيئاً فيبيتون طاوين بطونهم، ولعلهم يربطون على بطونهم بالحبال، أو يربطون على بطونهم الحجر حتى يشعروا بأنهم ليسوا جائعين، وكان رسول الله يربط الحجر على بطنه ليتقوى على الجوع.
يعني: أن فقراء المهاجرين الذين يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقعون على الأرض وهم في الصلاة من الجوع، والأعراب لا يدرون لماذا وقع هؤلاء؟ فيقولون: إن هؤلاء مجانين، مع أنهم ليس بهم شيء من الجنون، ولكن من شدة الجوع ومن التعب يخر أحدهم ويغشى عليه، فيطمئنهم صلى الله عليه وسلم ويقول: (لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى)، يعني: لو تعلمون ما أعد الله لكم بسبب الفقر الذي أنتم فيه، والصبر الذي تكابدونه (لفرحتم بذلك وتمنيتم أن تزدادوا فاقة وحاجة).
والرسول صلوات الله وسلامه عليه لو كان عنده شيء لأعطاهم، فهو عليه الصلاة والسلام ما كان يبخل بشيء أبداً، وإنما كان يعطي ما عنده، ولعله يستدين ليعطي الناس، ولكن هنا لم يجد ما يعطيهم صلى الله عليه وسلم، فكان يطمئنهم صلى الله عليه وسلم يخبرهم أن لهم الأجر العظيم عند الله سبحانه وتعالى، ويقول لهم: (ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تفتح عليكم كما فتحت على الذين من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم).
فما كان يخشى عليهم الفقر؛ لأن الإنسان إذا كان فقيراً فسيعبد ربه سبحانه، ويصبر على هذا الشيء بتوفيق الله عز وجل، لكن لو فتحت عليه الدنيا، فإنه سينسى نفسه، وينسى فقره، ولا يعطي الحقوق لأصحابها، ولا يعطي حق الله عز وجل في هذا المال، وقد تغره الدنيا فينسى الواجب عليه حتى يموت على ذلك والعياذ بالله.
يعني: أن الآدمي يحب أن تكون عنده آنية وفيها طعام أو شراب، وهذا يحب أن يملأ الأواني التي عنده؛ لأنه سيحتاج الماء والطعام لنفسه أو لغيره، وهذا خير، ولكن شر الآنية التي يملؤها الإنسان هي البطن؛ لأن الإنسان إذا ملأ بطنه أتخم نفسه ومرض، بل لعله يموت متخماً بهذا الطعام، فيموت وقد أهلك نفسه وألقى بها إلى التهلكة.
والنبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ممتلئاً سميناً بطيناً، فكان يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى بطنه، ويقول: (لو كان هذا في غير هذا كان خيراً له).
يعني: لو أن المال الذي جمعه جعله في غير هذا كان خيراً له، كأنه يقول له: كل واشرب ولكن لا تسرف، فكأنه عندما يأكل يملأ بطنه دائماً، فكان الإنفاق على غير هذا خيراً له عند الله عز وجل.
يقول صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث: (بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه)، أي: يكفيه أن يأكل أكلات، فدل ذلك على التقليل من الأكل، ولكن ليس كل إنسان قادراً على أن يأكل أكلات ولقيمات، وإنما يأكل أكثر من ذلك، ولكن إن كان لا محالة آكلاً أكثر فينظم أكله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه).
أي: ثلث المعدة لطعامه؛ لأن المعدة عندما تمتلئ تنتفخ وتضغط على الرئة، فلا يستطيع أن يتنفس، وتضغط على القلب، وعندما تنام وأنت متخم فستؤذي نفسك بذلك، فأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن إلى أن يجعل ثلثاً لطعامه وثلثاً لشرابه وثلثاً لنفسه.
إن بعض الناس أعطاه ربنا الغنى، ولكنه يأكل ويسرف، وفي النهاية يتأدب بمرضٍ يصيبه وقد كان عنده المال والصحة، فلماذا يأكل ويسرف؟ ولذلك يقول تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31].
في الآخر هو يسرف على نفسه، فتراه كل يوم يأكل اللحم فيصاب بمرض، فيذهب إلى الأطباء فيقولون له: يحرم اللحم عليك، فيقوم يأكل الحلويات ويكثر، فيصاب بالسكر، فيقول له الأطباء، لا تأكل الحلويات، وهكذا.. فيصل إلى حالة يشتهي فيها أن يأكل هذا وهذا، ولكنه يجد أن كل شيء ممنوع عليه، مع أن معه المال، فأية متعة في هذا المال؟!
ولو أنه من البداية عمل بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فلن يمرض، بل سيلاقي نفسه معافى عندما يعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبتعاليم القرآن.
إن الصحابة بشر، والإنسان أحياناً يتمنى ويتكلم أن في الدنيا كذا وكذا، وفي نفسي أن آكل كذا، فالصحابة جلسوا فذكروا الدنيا يوماً من الأيام فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا تسمعون؟ ألا تسمعون؟).
والمعنى، أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداهم بأن يستمعوا إليه، وفي هذا لفت لانتباههم ليتنبهوا لما يقوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان)، قالها مرتين.
والبذاذة هي التقحل، والرجل المتقحل: هو الرجل الذي يبس جلده من خشونة العيش؛ لأنه لا يأكل أكل المسرفين المترفين، وإنما يأكل أحياناً، يعني: أنه ترك الترفه وترك الكثير من ملاذ الدنيا، وهذا من علامات الإيمان.
إذاً: ينبغي لك أيها المسلم ألا تسرف، بل تأخذ ما تقدر عليه بحيث ولا تؤذي نفسك ولا تخالف شرع الله سبحانه وتعالى.
وقيل: إن البذاذة: هي ترك فاخر الثياب في حالة الإمكان، وترك الفاخر من الطعام والشراب، والإنسان لو عود نفسه على التنعم دائماً بأغلى الأشياء، ثم قل به الحال، فإنه سيبدي التسخط على قدر الله سبحانه، ولو أنه ربى نفسه على البذاذة لما وقع في ذلك.
لذلك كان الصيام تربية للإنسان، وهو شهر في العام يصومه الإنسان، ويستشعر فيه الجوع، وبذلك يستشعر جوع الفقراء المحرومين والمحتاجين، وهو إذا جاع في النهار فسيأكل في الليل، ولكن هؤلاء لعلهم يجوعون بالليل والنهار ولا يجدون ما يشبعهم.
فربنا تبارك وتعالى يربي الإنسان المؤمن على الشعور بحال الفقراء المساكين الذين لا يجدون، فلذلك أمرنا بالصيام، لتصح أبداننا، ونتألم للفقير ونعطيه، ونعرف قدر النعم، فنحمد الله تعالى عليها، ونؤدي حق هذه النعم كما أمرنا الله عز وجل به.
إذاً: البذاذة ترك السرف في الأشياء من الهيئة والثياب الفاخر، والطعام الفاخر، ولا مانع من أن يلبس الإنسان الثياب الفاخرة، ولكن لا يكون هذا دأبه دائماً، لكي لا يصاب بالغرور والكبر، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس ما وجد، وإذا لم يجد لبس الثياب التي عنده.
وقد لبس رسول الله ذات مرة ثوباً مرقعاً، وخرج به، فرأته امرأة من الأنصار لابساً إزاراً مرقعاً، فذهبت وخاطت للنبي صلى الله عليه وسلم إزاراً، وأهدته له، فأخذه ولبسه صلى الله عليه وسلم وهو محتاج إليه لأن الإزار القديم كان مرقعاً، (فلما لبسه رآه رجل يلبسه، فقال: يا رسول الله! أعطني هذا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، ودخل بيته ولبس الإزار القديم وأعطاه الإزار الجديد، فقال الصحابة لهذا الرجل: تطلب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشيء وهو محتاج إليه؟ فأعطى الرجل عذراً من الأعذار وقال، أنا آخذه لأتكفن به)، وكأنهم يقولون: إذا كنت تريد ذلك ستأخذ الثوب القديم لتتكفن به، وليس الثوب الجديد.
على كل فقد رأى الرجل من النبي صلى الله عليه وسلم كرم الأخلاق وكرم السجية، وأن الأمر عنده سيان، لبس الثوب القديم، أو لبس الثوب الجديد، ولا أنكر على الرجل شيئاً صلوات الله وسلامه عليه.
فالإنسان المؤمن لا بد أن يعاني ما يعانيه الفقراء ولو بالمشابهة، وذلك بأن يترك الشيء العالي أحياناً في الطعام والشراب؛ ليعرف كيف يعيش الناس الفقراء، وأنهم يأكلون الدون من الطعام الحلال الذي يجدونه، فالمسلم يربي نفسه أحياناً على الدون من الطعام والشراب حتى لا يبطر نعم الله سبحانه وتعالى.
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترك العالي من الثياب ليس بخلاً، لكن المؤمن يترك العالي من الثياب ابتغاء مرضاة الله وتواضعاً لله، والله عز وجل سيلبسه من حلل الإيمان كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أي: أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم يتلقون قافلة لقريش، وهذه السرية اسمها: سرية سيف البحر، وكان عليهم أبو عبيدة أمين هذه الأمة رضي الله تبارك وتعالى عنه أميراً، وهؤلاء كانوا حوالي ثلاثمائة رجل.
قال جابر رضي الله عنه: (وزودنا جراباً من تمر لم يجد لنا غيره)، فهنا جيش تعداده ثلاثمائة رجل خرجوا لقتال، والزاد المعد للجيش جراب فيه تمر، زودهم به النبي صلى الله عليه وسلم، والجراب: هو الزنبيل، أو القفة، فيا ترى كم يكفي هذا الجراب؟!
ثم يقول (فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة)، أي: في هذا الجيش يعطي العساكر تمرة تمرة؛ ليجاهدوا في سبيل الله بتمرة يأكلونها في اليوم، فقال الراوي عن جابر رضي الله عنه لـجابر : (كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل).
سبحان الله! فهذا الجيش المجاهد في سبيل الله سبحانه، يأكل الواحد منهم تمرة في اليوم، ومع ذلك لم يتسخطوا ولم يقولوا: نحن نجاهد في سبيل الله، فلا يكفي لنا طعام كهذا، بل صبروا على ذلك، فيأخذون التمرة يمصونها مصاً ولا يأكلونها؛ لئلا تنتهي.
قال: (وكنا نضرب بعصينا الخبط، ثم نبله بالماء فنأكله). يعملون هذا حتى يطيقوا المشي، فإذا رأوا شجراً في الطريق فيه ورق يضربونه بالعصي، فتنزل الأوراق ناشفةً في الصحراء، ثم يأخذها الرجل منهم، ويبلها بالماء ويأكلها.
قال: (وانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم)، فهم ما وصلوا إلى ساحل البحر إلا بعد فترة من المعاناة والتعب والجوع؛ فرأوا شيئاً مثل الجبل أمامهم.
قال: (فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر، فقال: أبو عبيدة : ميتة؟!)، والعنبر: حوت من حيتان البحر، وهذا الحوت من أعظم الحيتان، كأنه بيت يتكون من عشرة طوابق، وهذا الحوت لا يوجد في البحر، بل في أعماق المحيط، وإذا أراد الناس أخذه، فلا بد من سفن مجهزة بقنابل وبمدافع فيها أجهزة، ليعرفوا مكان هذا الحوت، ثم ينتظروا حتى يفتح فمه فيرموا فيه سهاماً أو نحوها، أو يرموا داخل فمه قنبلة ليموت هذا الحوت، فصيده صعب وليس بالسهل، فلو ضرب المركب بذيله لقلب السفينة العظيمة، ولو صاده أصحاب السفينة مرة واحدة فسيكون سبباً في غنائهم عمرهم كله.
فهؤلاء جاء إليهم هذا الحوت من المحيط، ما ذهبوا ليصطادوه، بل الله سبحانه وتعالى رفعه مكافأة لهم؛ لأنهم صبروا على تمرة تمرة في اليوم وأكلوا ورق الشجر، فالله هو الرزاق الكريم، ولا يضيع أجر من أحسن عملاً، فهم لما صبروا شكر الله عز وجل صبرهم، وأعطاهم الأجر في الدنيا، غير ما ادخره لهم في الآخرة سبحانه.
فـأبو عبيدة رأى هذا الحوت، ولم يبلغه حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن البحر الذي فيه: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، فاجتهد رضي الله عنه، وقال: (ميتة؟) أي: كيف سنأكل ميتة؟ ثم قال رضي الله عنه: (لا، بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، وقد اضطررتم فكلوا).
واجتهاده رضي الله تبارك وتعالى عنه وافق الصواب، وإن كان الحوت بهذه الصورة حلالاً للمضطر ولغيره، ولكنه هو اجتهد فقال: إننا مضطرون فنأكل من هذا الحوت.
قال: (فأقمنا عليه شهراً)، يعني قعد ثلاثمائة من الصحابة الكرام الأفاضل رضي الله عنه يأكلون منه شهراً كاملاً. قال: (ونحن ثلاثمائة، حتى سمنا، ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه الدهن بالقلال)، الوقب: هو ثقب العين،أو محجر العين أو مكانها، فكانوا يغرفون الدهن بالقدور من عين هذا الحوت.
ثم قال: (ونقطع منه الفدر كالثور أو كقدر الثور)، أي: نقطع منه كل قطعة بقدر العجل الضخم، أو كالثور.
ثم قال: (ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينه)، أي: أنه أقعدهم في وقب نقرة عين الحوت، أو ثقب عينه، فيا ترى كم كان حجم العين؟ أما الجسم فسيكون جثة ضخمة جداً.
يقول رضي الله عنه: (وأخذ ضلعاً من أضلاعه فأقامها، ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها)، يعني: جاء بأعظم جمل عنده ليمر من تحت الضلع، فمر من تحته، وهذا شيء عظيم جداً.
قال رضي الله عنه: (وتزودنا من لحمه وشائق) أي: قطعاً أخذوها زاداً للطريق وهم راجعون إلى المدينة.
قال جابر : (فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله).
فهنا صلى الله عليه وسلم قال: أعطونا منه، أي: هو حلال، فأنتم قلتم: كنا مضطرين، لكنه صلى الله عليه وسلم لو قال: هو حلال، فربما يقولون في أنفسهم: عظم حالنا على النبي صلى الله عليه وسلم فرخص لنا في هذا الشيء لأجل الضرورة التي كنا فيها، ولكن كونه صلى الله عليه وسلم يأكل منه فهذا دليل على أنه حلال، سواء للإنسان المضطر أو لغيره وقد جاء في الحديث: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته).
وأما حديثنا فهو حديث جابر رضي الله عنه قال: (إنا كنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية شديدة، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق).
وهذا يوم الخندق في غزوة الأحزاب سنة خمس من الهجرة، وذلك عندما جاء الأحزاب من قريش ومن أتى معهم؛ ليحاربوا المسلمين في المدينة، والمسلمون قد تعلموا من يوم أحد أنه لا بد من الطاعة، وأنه يكفي ما حصل يوم أحد، فلا بد أن نسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا في يوم أحد أصروا على الخروج، وقالوا: نخرج كما خرجنا في بدر، فخرجوا فهزموا لما عصوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت الهزيمة درساً في الأدب والطاعة له عليه الصلاة والسلام.
فهنا في يوم الخندق استشارهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان من مشورة بعض الصحابة أن يحفروا خندقاً حول المدينة، فالنبي صلى الله عليه وسلم خرج بنفسه معهم لحفر هذا الخندق، فعرض حجر ضخم صلب، أو قطعة غليظة صلبة من الأرض، والفأس لا يعمل فيها شيئاً، فما قدروا على الحفر، فسيبقى هذا المكان الذي يمكن دخول خيول المشركين وعبورها منه إلى داخل المدينة.
فهنا لجئوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر)، قام وهو جائع صلى الله عليه وسلم، والمسلمون جياع، ونزل وما تعلل ولا قال: أنا جائع، بل نزل.
قال جابر: (ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيباً أهيل أو أهيم)، يعني: ضرب الحجر ضربةً، فتكسر، وبعد أن كان صلباً صار رمالاً، أو كثيباً أهيل.
قال: (فقلت: يا رسول الله! ائذن لي إلى البيت)، أي: أن راوي الحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما صَعُب عليه حال النبي صلى الله عليه وسلم، عندما قام يحفر ويكسِّر هذه الصخرة الضخمة، وهو وعاصب بطنه من شدة الجوع، فاستأذن ليبحث في بيته عن شيء يطعم به النبي صلى الله عليه وسلم.
(قال: فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما في ذلك صبر، فعندك شيء؟)، يعني: لا أقدر أن أصبر وأنا أرى النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحالة، فعل عندك أي شيء للنبي صلى الله عليه وسلم؟
(قالت: عندي شعير وعناق)، عناق أي: معزة، وكانت المعزة التي يشربون لبنها ولا يوجد غيرها، وكان عندها شعير، فقال لها: اصنعي طعاماً للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال (فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم، والعجين قد انكسر)، أي: أن العجين قد أصبح جاهزاً لأن يدخل في الفرن، قال: (والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج).
والبرمة: هي القدر الذي فيه اللحم.
والأثافي: جمع أثفية، وهي حجارة توضع تحت القدر عندما يوقد عليه النار، وكانوا متعودين إذا أرادوا أن يطبخوا أن يأتوا بثلاث أحجار، يقال لها: أثافي كانوا يضعونها تحت القدر، فإذا لم يجدوا إلا حجرين وضعوهما إلى جنب الجبل، حتى يصير الجبل مكان الحجر الثالثة، وهذه هي التي يسمونها ثالثة الأثافي، كما هي معروفة في اللغة، وقولهم: رماه بثالثة الأثافي، أي: القطعة من الجبل كأنه يقول: رماني بداهية كالجبل.
قال جابر: (قلت: طعيم لي)، يعني: أعددت أكلة يسيرة فتعال وكل، وكان يخاف أن يسمع الناس، فيظنوه طعاماً كثيراً، ولم يكونوا بخلاءً رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، ولكن الطعام قليل في نظره، فلو جاء عدد كبير فقد لا يبقى للنبي صلى الله عليه وسلم شيء.
أي: أخبره أنه ذبح هذه العناق أو المعزة الصغيرة، فقال: (كثير طيب! قل لها: لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي)، يعني: لا تنزع البرمة أو الطعام الموجود الذي هو في نظرك إنما يكفي النبي صلى الله عليه وسلم مع رجل أو رجلين، حتى آتي فتحصل البركة، وذلك بوجود النبي صلى الله عليه وسلم.
(فقال: قوموا، فقام المهاجرون والأنصار)، كل هؤلاء سيذهبون ليأكلوا مع رسول الله.
قال: (فدخلت عليها فقلت: ويحك، جاء النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ومن معهم؛ قالت: هل سألك؟) وهذه المرأة العاقلة رضي الله عنها؛ قالت: لماذا أنت خائف، هل الرسول قد عرف قدر الطعام الذي عندنا، قال: (قلت: نعم، فقالت: أمر النبي صلى الله عليه وسلم، هو أعلم بهذا الشيء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادخلوا ولا تضاغطوا)، أي: أدخلوا ولا تزدحموا.
(فجعل صلى الله عليه وسلم يكسر الخبز)، وفي رواية أخرى للحديث نفسه ذكر فيها: (أن زوجته أخرجت له جراباً فيه صاع من شعير، قال: ولنا بهيمة داجن فذبحتها وطحنت من الشعير)، والصاع الشعير بقدر اثنين كيلو ونصف من الشعير، وهذا هو الذي سيكفي جيش النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الرواية الثانية فيها أنه قال (فذبحتها وطحنت الشعير)، أي: وطحنت المرأة الشعير، قال: (ففرغت إلى فراغي) أي: أنه لم يترك المرأة وحدها تقوم بالأمر كله، بل قام بذبح الشاة وجهزها، وهي جهزت العجين والخبز.
قال: (ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه)، يعني: لا تدعوه إلا وحده؛ فإنهم إذا جاء ومن معه فمن أين سيلاقون طعاماً يأكلونه؟
(قال: فجئته فساررته فقلت: يا رسول الله! ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعاً من شعير، فتعال أنت ونفر معك، فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل الخندق! إن جابراً قد صنع سؤراً، فحيهلا بكم)، أي: وقد صنع لكم سؤر شراب أو شيئاً تأكلونه فحيهلا بكم.
قال: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء قال: فجئت، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم يقدم الناس، حتى جئت امرأتي فقالت: بك وبك)، أي: ماذا حصل لك، هؤلاء من سيكفيهم؟ فلما سألتهم بما في الرواية الأولى: هل أنت أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بقدر الطعام؟ فلما قال: نعم، قالت: طالما أنك أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم فهو أدرى بهذا الشيء.
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، قال: (ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يكسر الخبر ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور)، هنا نزلت بركات من الله عز وجل للنبي صلوات الله وسلامه عليه، فإذا به يخدمهم صلى الله عليه وسلم، وهو بنفسه يضع الطعام.
قوله: (ويخمر البرم والتنور إذا أخذ منه)، يخمر: أي يغطي البرمة إذا أخذ منها؛ بحيث تنزل البركة ولا أحد يرى، ولأنهم لو أبصروا سيتساءلون: هل بقي شيء؟ لذلك غطاها رسول الله حتى تنزل البركة من عند الله عز وجل.
ثم قال: (ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا وبقي منه)، أي: أنه بقي منه بعد أن أكل النبي صلى الله عليه وسلم وجيش أهل المدينة وكفاهم هذا الطعام، وهو صاع من شعير وعناق.
فقال: (كلي هذا وأهدي)، أي: كلي ما يشبعك أنت وزوجك، ثم أهدي للناس، قال: (فإن الناس أصابتهم مجاعة).
لا شك أن هذا الطعام لا يكفي هذا العدد؛ ولكن البركة من الله سبحانه وتعالى الذي أنزل من فضله ما أطعم به هذا الجيش وبقي لأهل البيت، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً بالإهداء للناس.
أي: جعل فيه من ريقه الطاهر الكريم ولذلك جاءت البركة.
قال: (ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك) أي: دعا بالبركة، وجعل فيها من ريقه الكريم، وريق النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كان الصحابة يقتتلون عليه؛ وكان إذا أراد أن يبصق لا ينزل ريقه على الأرض، بل يقرب أحدهم يده؛ ليأخذه ويدلك به وجهه ويده.
هذا هو مقام النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وهذا هو حب النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه عليه الصلاة والسلام.
قال جابر : (ثم قال: ادعي خابزة فلتخبز معك)، وهنا يأمرها أن تدعو من تعينها على خبز ما في هذا القدر من الشعير، فكانت البركة، وكان الطعام كثيراً كفى هذا الجيش العظيم.
قال: (واقدحي من برمتكم، ولا تنزلوها، وهم ألف، فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي)، أكل ألف رجل من هذه البرمة حتى شبعوا وانحرفوا عن الطعام، والبرمة كما هي تفور على النار ممتلئة بالطعام، قال: (وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو).
هذا هو النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهذه بركة ريقه الطاهر ودعوته المباركة عليه الصلاة والسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم بصق مرة في بئر ماء وهم في الحديبية فإذا الماء يفور ببركة ريقه الطاهر.
وحاول مسيلمة الكذاب أن يقلد النبي صلى الله عليه وسلم، فبصق في بئر ماء وكان ماؤها عذباً فإذا بالبئر تصير مرةً ملحةً، وهذه إهانة من الله عز وجل لهذا المجرم الكافر.
أما ريق النبي صلى الله عليه وسلم فهو ريق طاهر، بارك الله عز وجل به هذا الطعام وهذا الشراب وكثره، وهذا الشعير فكثره، فأكل ألف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الطعام والطعام كما هو.
فـأنس بن مالك رضي الله عنه هو ابن أم سليم، وأبو طلحة هو زوج أمه، رضي الله تبارك وتعالى عنهم، فـأم سليم رضي الله عنها جهزت هذا الخبز من الشعير، وأعطته لـأنس رضي الله عنه ولفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت ثوبه وردته ببعضه لتخفيه عن الأعين.
قال أنس : (ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلك أبو طلحة ؟ فقلت: نعم، فقال: ألطعام؟ فقلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا، فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم! قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما يطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم! فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلمي ما عندك يا أم سليم، فأتت بذلك الخبز -أقراص من شعير- فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت)، ولو أبقاه أقراصاً فسيوزع ولا يكفي الجميع، ولذا أمر الرسول أن يفت الخبز بحيث يأكلون من الخبز جميعاً.
قال: (وعصرت عليه أم سليم عكة فآدمته)، كان عندها قربة فيها سمن قليل أو عسل قليل فوضعته فوق الخبز الذي فُت، (ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول)، فحصلت البركة من دعائه صلوات الله وسلامه عليه، (ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون رجلاً أو ثمانون)، متفق عليه.
فسبعون رجلاً أو ثمانون أكلوا من أقراص كانت للنبي صلى الله عليه وسلم وحده.
فهذه الجملة من الأحاديث فيها بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وبركة ريقه الطاهر صلوات الله وسلامه عليه، وحضوره مع أصحابه، وفيها ما كانوا عليه من فقر إلى درجة أنهم ليحتاجون إلى الشيء القليل.
فالغرض من ذلك أن الإنسان يصبر كما صبر النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي به كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21].
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا حسن الاقتداء بالنبي صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه الكرام وأن يحشرنا معهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رياض الصالحين - فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل [3] للشيخ : أحمد حطيبة
https://audio.islamweb.net