اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الإشارات إلى الأسهم والسندات للشيخ : محمد حسن عبد الغفار
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:
الأسهم في اللغة: مفردها سهم، وهو النصيب في الشيء.
وفي الاصطلاح: هو صك يمثل نصيباً عينياً أو نقدياً من رأس مال الشركة، قابل للتداول، يعطي صاحبه حقوقاً خاصة.
وهذا السهم يكتب باسمه وبالقيمة أو لحامله، فصاحب السهم يأخذ السهم بعدما يصدر من الشركة، ويكون له حق بيعه وشرائه وغير ذلك من المعاملات، وله أيضاً حق التبديل، فلوارثه أن يحل محله إما بالاسم، وإما أن يكون مبهماً حتى يسهل التبديل.
وهذا السهم هو وضع مال معين إما بألف أو ألفين أو مائة ألف حسب تقدير الشركة، فقد تصدر السهم مثلاً في بداية المنشأ بمائة درهم، فيشتري الرجل ما يشاء من الأسهم.
إذاً: فالسهم نصيب في الشركة معلوم يأخذ به صكاً ويسمى سهما.
والقيمة الاسمية للسهم هي القيمة المبينة في الصك، فلو أن السهم مثلاً بألف وكل إنسان في الشركة له سهم، فله جزء بقيمة محدودة في هذه الشركة، وهذه الشركة تسمى بشركة المساهمة.
وقد تكون شركة المساهمة شركة صناعية، أو تجارية، أو صناعية تجارية.
فإذا نظرت في كتب الفقه إلى الضوابط الفقهية والتكييفات الشرعية للشركات سوف تجد أن شركة المساهمة لا تنفك عن شركتين: شركة العنان، وشركة المضاربة.
الصورة الأولى: شركة العنان، وهي: أن يضع أشخاص أموالاً كل واحد منهم له مال معلوم، والربح يرجع عليهم كل إنسان على قدر سهمه، ومجالس الإدارات غالباً هم الذين يكونون شركة المساهمة، ومنهم أناس آخرون دفعوا هذه الأسهم وعملوا مع مجلس الإدارة.
إذاً فهذه صورة من صور شركات المساهمة: أن يكون مجلس الإدارة نفسه له حصة من الأسهم، والذين دفعوا الحصص الأخرى من الأسهم يعملون مع مجلس الإدارة، فهذه صورة شركة العنان.
الصورة الثانية: أن يشترك أشخاص بأموالهم، ويكون لكل منهم أسهم محددة، وآخرون يعملون في هذا المال سواء كان ذلك تجارة أو صناعة أو غيرها.
أي: أن هؤلاء الأشخاص معهم مال ولا يستطيعون العمل، وآخرون ليس عندهم مال فيعملون بأموال أولئك، وهذه الشركة هي شركة المضاربة.
الصورة الثالثة: تخليط بين شركة المضاربة وشركة العنان، وهي: أن مجلس الإدارة يعملون ولهم أيضاً أسهم، وآخرون دفعوا أسهماً ولا يعملون، فأصبح الذين دفعوا الأموال دون أن يعملوا مضاربين في شركة مضاربة، ومجلس الإدارة الذين لهم الأسهم وشاركوا في العمل في شركة عنان، فأصبحت شركة عنان ومضاربة، وفي هذه الصورة خلاف فقهي؛ لأن مجلس الإدارة يكون لهم حالتان، ولتوضيح الحالتين نضرب مثالاً:
رجل عنده مال واستأجر رجلاً آخر يعمل في هذا المال، فقال هذا الرجل: وأنا عندي مال، فأنت دفعت عشرة آلاف وأنا سأدفع ثلاثة آلاف، وسأعمل لك في المال، فأصبح العامل هنا مضارباً ومشاركاً، فإذا كان مضارباً ومشاركاً فله حق الإدارة أي: راتب شهري، أو له نسبة فهاتان حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون له راتب شهري مع نسبة سهمه؛ لأنه مشارك ومضارب، فهذه صحيحة وليس فيها شيء.
الحالة الثانية: أن يكون له راتب شهري وعند الربح يخصص له مثلاً (2% ) أو (3%) غير سهمه، وهذا حرام قطعاً قولاً واحداً؛ لأنها إجارة مجهولة.
والدليل على صحة هذه الشركات هو عموم الأدلة التي أثبتت صحة الشركة، منها أولاً: قول الله تعالى: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ [الكهف:19]، فكل واحد منهم دفع مالاً وقالوا: اذهب وائتنا بطعام، فاشتركوا في المال ليشتري لهم طعاماً، وإن كان في هذا الدليل نظر، لكن يستدل به على جواز الشركة.
ثانياً: الحديث الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله جل وعلا يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر).
ثالثاً: فعل الصحابة رضوان الله عليهم.
رابعاً: أن الأصل في المعاملات الحل ما لم يأت دليل على الحرمة.
خامساً: توافر شرط التراضي في هذه المعاملة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن البيع عن تراضي)، وقال الله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]. إذاً: فالأصل إباحة هذه الشركات.
إن شركات المساهمة المعاصرة على أقسام:
الأول: شركات المساهمة التي تعمل في حلال محض كتجارة الطيران، والثلاجات، والعملة، بترخيص من ولي الأمر أو من الحكومات، ويكون عملها يداً بيد بالشروط المعروفة في تجارة العملة، فالمهم أن تعمل هذه الشركة في حلال محض.
الثاني: أن تعمل في حرام محض كبيع الخمور، أو البنوك، أو الدجاج المصعوق؛ لأنه ميتة، والتجارة في الميتة حرام، فهذا النوع حرام محض.
الثالث: أن تخلط هذه الشركات بين الحلال والحرام، فالأصل في عملها الحل، ويدخل في جزئية من الجزئيات الحرمة، وهي أصعب ما تكون، وهي الموجة الآن في عصرنا، مثل البنوك والقرض مع أخذ الفائدة، أو التمويل الربوي. فهذه أنواع ثلاثة لا يمكن أن تنفك واحدة عن هذه الأنواع.
وأما النوع الثاني: وهي الشركات التي تعمل في الحرام كبيع الميتة والخمور والخنزير، فهي حرام محض قولاً واحداً.
وأما النوع الثالث: وهي محل الخلاف، وهي الشركات التي اختلط فيها الحلال بالحرام كشركات تعمل في تجارة الأخشاب مثلاً وتؤسس بنكاً من البنوك الربوية، وذلك ليسهل لهم الضمان البنكي والسندات والتسهيلات.
وقد اختلف العلماء في حكم هذه الشركات على ثلاثة أقوال:
القول الأول: المنع مطلقاً.
القول الثاني: الجواز مطلقاً.
القول الثالث: التفصيل.
فأما أصحاب القول الأول القائلون بالمنع مطلقاً، فاستدلوا بالآتي: أولاً: أن هذه الشركات وإن كان أصلها حلالاً وتعمل في الحلال إلا أنها فتحت بنكاً من البنوك الربوية، فتعاملت بالربا بغض النظر عن المعيار أو النسبة؛ لأن التعامل بالربا حرام محض، وفيه حرب من الله عز وجل، وقد أتت الأدلة الواضحة الظاهرة على حرمة ذلك، قال الله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276].
ثانيا: من الأثر: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه).
فإن قيل: إن مقدار الربح الذي فيه ربا سوف يتصدق به تطهيراً لهذا المال. فالجواب على ذلك: أنكم بهذا أعنتم الذي يتعامل معكم على أكل الربا، ودخلتم تحت عموم من لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم في الربا، فإن الأدلة كثيرة على لعن آكل الربا، وموكله، والذي يتعامل بالحرام.
ثالثاً من النظر: إن هناك قاعدة فقهية ذكرها الزركشي وغيره من علماء الأصول وهي: أن الحرام إذا اختلط بالحلال غُلب الحرام حيطة وورعاً للدين، قال صلى الله عليه وسلم: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، وقال أيضاً: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وتغليب الحاظر على المبيح قاعدة عند أهل الحديث.
ثم إن هذه الشركات وإن كانت فيها مصلحة وهي انتعاش الاقتصاد إلا أن مفسدتها أعظم وهي أكل الربا، وهذه المفسدة محققة الوقوع ومقطوع بها، وأما المصلحة فهي مظنونة وليست محققة الوقوع، وإذا تعارض المقطوع به مع المظنون قدم المقطوع، ولذلك يحرم الاشتراك في هذه الشركات.
وأما أصحاب القول الثاني القائلون بالجواز مطلقاً فاستدلوا بما يأتي: أولاً قاعدة: يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل، فأصل الشركة حلال، وأصل التعامل حلال، فهم أصلاً يتاجرون في الأخشاب والسيارات، وهذه جاءت بجانبها، فيغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل، كمن يشتري الجاكت أو الرداء وفيه حشو ولا يعلم مقدار هذا الحشو، فهذه جهالة لكنها تغتفر لأنها تابعة للأصل وهو الجاكت أو الرداء.
مثال آخر: الأصل أن مال العبد للسيد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من باع عبداً له مال فماله لسيده إلا أن يشترط المبتاع) فالمال للسيد، وهذا هو الأصل، ولكن إذا اشترط المبتاع أن المال له فقبل السيد هذا الشرط جاز، فيغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل.
ثانياً: اليسير معفو عنه كما دلت على ذلك القواعد الفقهية، فيسير النجاسة معفو عنها، وهذا يسير بالنسبة لمال الشركة.
ثالثاً: أن المصلحة هنا أعظم من المفسدة، وإذا تعارضت مصلحة مع مفسدة قدم أعظمهما، فإطعام الطعام، وانتعاش الاقتصاد، والقضاء على الفقر مصلحة مغلبة على مفسدة الربا، وسوف تعالج مفسدة الربا الصغيرة بإخراج هذا الربح صدقة تطهيراً لهذا المال.
وأما أصحاب القول الثالث القائلون بالتفصيل فذهبوا إلى المنع من الشركات التي اختلط فيها الحرام مع الحلال، إلا أن تكون هذه الشركات شركات كبيرة ذات أموال طائلة وتسد حاجات الأمة، ففي الدول النامية مثلاً شركات المياه أو النقل أو الكهرباء حيث جاءت هذه الشركات المساهمة من الخارج لتساهم في تعمير البلد فالدولة لا تستطيع القيام بذلك، فهذه حاجة الأمة لها ماسة، ولا مال عند الأمة لتسد حاجة الناس إلا بهذه الشركات المساهمة التي فيها شيء من الحرام، فتقدم هنا مصلحة الجماعة على المفسدة القليلة.
ولعل هذا القول من أوفق الأقوال، وإن كان الدكتور علي السالوس -وهو من الذين يحررون هذه المسائل- يرى الحرمة الباتة القاطعة، لكن هذا هو أوفق الأقوال إذا كانت الأمة تنتفع بها ولا تستطيع أن تقوم بحاجات الناس إلا بهذه الشركات، فيغتفر الجزء اليسير من الربا، لكن لابد حتماً أن يعرف مقدار هذا الجزء ليخرج من الأرباح، ولابد أن يكون هذا الجزء قليلاً كأن يكون واحد في المائة، أو اثنين أو ثلاثة، أو خمسة في المائة، أما أن يصل هذا الجزء إلى الربع أو الثلث أو النصف فهذا لا يصح في حال من الأحوال.
وأما إذا كانت هذه الشركات تجارية تقوم ببيع وشراء البضائع فإن الزكاة فيها تكون كزكاة عروض التجارة، فتخرج الزكاة على أصل السهم، وعلى الربح إذا حال عليه الحول وبلغ النصاب.
وقرر المجمع الفقهي قراراً آخر وهو: أن الزكاة ترجع إلى النية لا إلى الصناعة ولا إلى التجارة، فإذا كانت نية المساهم الاستفادة من الريع فلا زكاة إلا على الربح، مثل أن يشتري المساهم السهم ليستفيد من الريع فقط لا ليتداول السهم بيعاً وشراءً، فهذا ليس عليه زكاة إلا في الربح، وذلك بعد أن يقبضه ويمر عليه حول كامل، فيضرب في واحد على أربعين ويخرج الزكاة.
وإن كانت النية أنه عندما يرتفع سعر السهم فإنه يبيعه فتكون الزكاة على أصل السهم مع أرباح الشركة بعد أن يحول عليها الحول.
وأما الأسهم فهي على التفصيل الذي فصلناه.
وأما لو كان عنده رصيد وسيغطيه ويعطيه للشركات فهذه تعتبر وكالة للدفع، وما أخذه البنك من المال فهو أجرة على الوكالة، وهذه تصح في الشرع.
فهو أصلاً باع مال بمال دون التقابض ودون التساوي، فاشترى بمائة درهم وباعها بألف، فهو كالذي بدل المائة بالألف مع التقابض، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الذهب بالذهب يداً بيد، سواء بسواء، مثلاً بمثل).
أما ما يسمى بـ (البونص) فتكييفه الشرعي أنه جُعْل فهذا (البونص) اسمه جُعْل، يجعله المدير تحفيزاً للعامل حتى ينتج، والجُعْل يجوز إذا كان ليس من الراتب، ولكن بعض العلماء لا يجيزون الجُعْل مع الجهالة، والراجح الصحيح: أن الجُعْل ليس بإجارة، ويغتفر في الجعل؛ لأنه إرفاق وإحسان وليس بعقد لازم من الإجارة.
فإذا قال المدير: إذا دخلنا في مشروع ونجحنا فيه فسيكون هناك مكافآت مجزية بالمال، فهذا جُعْل إن شاء الله.
وأما إن لم يعلم أنه سمسار فلا يجوز أن يأخذ أجرة إلا أن يشترط على الرجل الذي يوسطه في الشراء أو البيع، أي: أن الرجل لو دل آخر على سيارة مثلاً فاشتراها الآخر فلا يحق لهذا أن يأخذ أجرة من المشتري؛ لأنه لا يُعلم في السوق أنه سمسار، ولم يشترط عليه الأجرة (المسلمون عند شروطهم).
ويحق له أن يأخذ من الطرفين إذا كان الطرفين موسطين، واشترط مبلغاً معلوماً وليس نسبة، فإن كان هناك تراضي على مبلغ معين فلا بأس، وأما أن يكون له نسبة فلا يجوز للجهالة، والنسبة لا تكون إلا في المضاربة فقط.
وكذلك المساقاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث - رافع بن خديج - لم يبحها إذا كانت على جزء من الأرض كاثنين في المائة أو ثلاثة في المائة؛ لأن فيها جهالة وليست محددة ولا مقدرة، والسمسرة كذلك، إلا أن يقول له: إذا بعتها لك بخمسين فلي خمسة آلاف مثلاً، وإذا بعتها بستين فلي خمسة، فالسمسرة لابد أن تكون معلومة، والنسبة فيها جهالة فلا يصح بها.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الإشارات إلى الأسهم والسندات للشيخ : محمد حسن عبد الغفار
https://audio.islamweb.net