اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [405] للشيخ : عبد المحسن العباد
باب في طلب القضاء.
حدثنا نصر بن علي أخبرنا فضيل بن سليمان حدثنا عمرو بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين) ].
قوله: [ أول كتاب الأقضية ] والأقضية جمع قضاء، والمراد به الإخبار بالحق على وجه الإلزام به. أي: أن فيه إخباراً وإلزاماً، وذكر الإلزام فيه تمييز بينه وبين الفتوى؛ لأن الفتوى إخبار بالحق من غير إلزام به، والقضاء إخبار بالحق مع الإلزام به.
إذاً: كل من الفتوى والقضاء فيه بيان للحق وإخبار بالحق، ثم يتميز القضاء عن الفتوى بأن مع بيان الحق إلزاماً به، والفتوى ليس مع بيان الحق إلزام به.
قوله: [ باب في طلب القضاء ] يعني: كون الإنسان يسعى ليحصل القضاء ويطلب القضاء فهذا غير محمود؛ لأن الإنسان قد لا يعان عليه إذا حرص عليه ورغب فيه، ولكن إذا كلف به وطلب منه فهو مظنة لأن يعان عليه وأن يوفق ويسدد، وهذا مثل الولايات كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، في الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة من الأشعريين وبينهم أبو موسى الأشعري ، وكان لا يعرف مهمة هؤلاء وما أرادوه من الكلام عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم طلبوا أن يولوا العمالة على الصدقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه).
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين) وهذا فيه بيان خطورة القضاء وشدته، وأنه ليس بالأمر الهين، وأن الإنسان قد يفتتن فيه، وقد يحصل له فيه ما لا تحمد عاقبته، لاسيما إذا كان برغبة منه وبطلب منه، ففي ذلك تحذير من ولاية القضاء، ومعلوم أن هذا حيث لا يتعين على الإنسان، وأما إذا تعين عليه فإنه لابد للناس من قضاة يقضون بينهم ويحكمون بينهم، ولو تركوا بدون قضاة لحصل من الشر ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، أما من يكلف بالقضاء فإن ذلك حَري أن يعان، ولكن إذا وجد غيره ممن يقوم مقامه وحصل على السلامة منه فلا شك أن ذلك خير كثير؛ لأنه جاء فيه هذا الذي يدل على شدته وعلى خطورته، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين) والمقصود منه: أن فيه خطراً على دين الإنسان، والذبح المقصود به الهلاك، فهو ليس كالذبح بالسكين الذي به تلف الجسم وذهابه، ولكن فيه خطورة على دين الإنسان؛ لأنه قد يحصل منه الجور ويحصل منه الحيف ويحصل منه الميل عن الحق، ويترتب على ذلك ضرر كبير للإنسان، وهذا هو المقصود من قوله: (قد ذبح بغير سكين) .
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا فضيل بن سليمان ].
فضيل بن سليمان صدوق له خطأ كثير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عمرو بن أبي عمرو ].
عمرو بن أبي عمرو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد المقبري ].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى: (من جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين) وهو مثل الذي قبله.
قوله: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا بشر بن عمر ].
نصر بن علي مر ذكره، وبشر بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن جعفر ].
عبد الله بن جعفر ليس به بأس، وهي بمعنى صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عثمان بن محمد الأخنسي ].
عثمان بن محمد الأخنسي صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن المقبري والأعرج ].
المقبري مر ذكره، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
قد مر ذكره.
الجواب: لا، ما يعتبر طالباً للقضاء ولا آثماً؛ لأنه كما هو معلوم لابد للناس من قضاة، وإذا تخلى الناس عن القضاء حصلت الفوضى وحصلت الأضرار الكبيرة، وإنما يكون مذموماً في حق الإنسان الذي يكون في عافية منه ثم هو يطلبه، أما الذي يتعين عليه ويقوم به فإنه يرجى له الخير.
الجواب: لا يكون متهماً في قصده، ولكن يخشى عليه؛ لأن الإنسان إذا طلب شيئاً قد لا يعان عليه.
أما أن قصده سيئ فلا؛ لأن الإنسان قد يكون قصده حسناً، ولكن طلب الشيء لا يجعل ذلك مشجعاً ومرغباً في توليته وإنما يولى غيره ممن لم يطلب ذلك، مثلما حصل لـأبي موسى حين جاء هو واثنان من الأشعريين، ولما طلبا التولية من الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه)، ثم إنه صلى الله عليه وسلم ولى أبا موسى الأشعري ؛ لأن أبا موسى الأشعري لم يعرف عن الشيء الذي جاءا من أجله، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنني ما علمت هذا الذي قالاه وهذا الذي جاءا من أجله، فالرسول صلى الله عليه وسلم ولاه ولم يولهما.
حدثنا محمد بن حسان السمتي حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار) ].
أورد أبو داود باباً في القاضي يخطئ.
القاضي إذا قضى بين الناس بجهل فهو غير معذور؛ لأن كونه يقضي بين الناس وهو جاهل لا يسوغ له ذلك، حتى ولو أصاب الحق فهو آثم؛ لأن إصابته الحق كما يقولون: رمية من غير رامٍ، ولأنه ليس عالماً وإنما هو جاهل، فكونه صادف الحق ووافق الحق لا يفيده ذلك شيئاً؛ لأنه إنما قضى بجهل.
وإنما الذي يغفر له الخطأ هو الذي يكون عنده قدرة وعنده علم ويجتهد ثم يخطئ، فإنه عند ذلك إذا اجتهد وأخطأ يكون مأجوراً أجراً واحداً وقد رفع عنه الإثم، والذي اجتهد وأصاب يحصل على أجرين، أجراً للاجتهاد وأجراً للإصابة كما سيأتي في حديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه.
أورد أبو داود رحمه الله حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به) يعني: إنسان عنده علم وقضى بعلم فهو في الجنة؛ لأنه عرف الحق وقضى به.
قوله: [ (ورجل عرف الحق فجار في الحكم)]، يعني: أنه عرف الحق وقضى بغيره وجار في حكمه فهذا في النار؛ لأنه عرف الحق ولم يعمل به.
والثالث الذي قضى بجهل فهو في النار أيضاً؛ لأنه لم يقض بعلم.
إذاً: فالذين هم في النار اثنان: إنسان علم ولكنه حاف وجار وعصى، والثاني: حكم بغير علم فكل منهما آثم، وكل منهما مخطئ، لكن الأول أشد وأسوأ؛ لأن من يعصي الله على بصيرة أسوأ وأشد ممن يعصيه عن جهل، ولهذا يقول الشاعر:
إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وعلى هذا فالقضاة ثلاثة كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاض عرف الحق وقضى به فهو في الجنة، وقاض عرف الحق ولكنه جار في حكمه فهو في النار، ورجل قضى بجهل فهو في النار.
محمد بن حسان السمتي صدوق لين الحديث، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا خلف بن خليفة ].
خلف بن خليفة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي هاشم ].
هو أبو هاشم الرماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن بريدة ].
هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود : هذا أصح شيء فيه، يعني حديث ابن بريدة (القضاة ثلاثة ) ].
أورد أبو داود حديث عمرو بن العاص ، وكذلك ورد من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر).
قوله: [ (إذا حكم الحاكم فاجتهد) ] يعني: أراد الحكم فاجتهد، وهو مثل قول الله عز وجل: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] يعني: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضئوا، فكذلك إذا أراد الحاكم الحكم، (فاجتهد) يعني: بذل وسعه في الوصول إلى الحق فأصاب فله أجران: أجر على اجتهاده، وأجر على إصابته.
وإذا حكم فاجتهد وأخطأ فله أجر واحد على اجتهاده، وخطؤه مغفور مرفوع عنه الإثم.
وهذا الحديث واضح الدلالة على أنه ليس كل مجتهد مصيباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم المجتهدين إلى قسمين: مصيب، ومخطئ، ولو كان كل مجتهد مصيباً لما كان لهذا التقسيم من فائدة.
إذاً: فالحديث واضح الدلالة على أن المجتهدين منهم من يصيب الحق ومنهم من يخطئه، ومن اجتهد وأصابه حصل على أجرين، ومن اجتهد ولم يصبه حصل على أجر واحد وخطؤه مغفور، وليس كل مجتهد مصيباً، لكن إذا أريد به إصابة الأجر فنعم كل مجتهد مصيب الأجر، وليس كل مجتهد مصيب الحق.
هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - ].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني يزيد بن عبد الله بن الهاد ].
يزيد بن عبد الله بن الهاد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن إبراهيم ].
هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن بسر بن سعيد ].
بسر بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص ].
أبو قيس مولى عمرو بن العاص ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن العاص ].
عمرو بن العاص رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ فحدثت به أبا بكر بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة ].
يعني: أن هذه طريق أخرى جاءت عن أبي هريرة كما جاءت عن عمرو بن العاص .
[ فحدثت به أبا بكر بن حزم ].
أبو بكر بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبو سلمة ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة مر ذكره.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طلب قضاء المسلمين حتى يناله، ثم غلب عدلُه جورَه فله الجنة، ومن غلب جوره عدله فله النار)، معلوم أن العدل مطلوب والجور مذموم، وأن ما حصل منه إصابة الحق فيه فهو مأجور عليه، وما حصل منه فيه الجور وعدم الإتيان بالحق فهو مأزور عليه، والعكس الذي غلب جوره عدله فإنه مأزور في كل ما جار به، وإن حصل منه عدل فهو مأجور عليه.
ومن العلماء من قال: إن غلب جوره عدله يعني: أنه صار عادلاً وأنه لم يكن جائراً، وعلى هذا يكون محموداً وعكسه يكون مذموماً.
والحديث غير صحيح؛ لأنه ورد في إسناده من هو متكلم فيه.
هو عباس بن عبد العظيم العنبري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عمر بن يونس ].
عمر بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ملازم بن عمرو ].
ملازم بن عمرو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[ حدثني موسى بن نجدة ].
موسى بن نجدة مجهول، أخرج له أبو داود .
[ عن جده يزيد بن عبد الرحمن وهو أبو كثير ].
يزيد بن عبد الرحمن أبو كثير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني أبو هريرة ].
أبو هريرة رضي الله عنه وقد مر ذكره.
إذاً: الحديث فيه رجل مجهول فهو غير صحيح.
أورد أبو داود أثراً عن ابن عباس أن الآيات التي في المائدة نزلت في اليهود، ولكن الحكم لا يختص بهم، بل يكون لهم ولغيرهم، ولكن ذلك لا يعني أن كل من حكم بغير ما أنزل الله يكون كافراً ككفر اليهود والنصارى، وإنما في ذلك تفصيل؛ فإن كان ذلك الذي حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن الشريعة قاصرة، وأنها غير كافية، أو أن أحكامها جائرة قاسية لا تناسب العصر، أو قال: إن الحكم بما أنزل الله لا بأس به، لكن الحكم بغير ما أنزل الله أحسن من الحكم بما أنزل الله، فإن كل ذلك كفر وردة عن الإسلام، وأما إذا كان الحكم بغير ما أنزل الله مع كون الإنسان يعتبر نفسه مذنباً، فإن هذا كفر دون كفر كما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
قوله: [ هؤلاء الآيات الثلاث نزلت في اليهود خاصة في قريظة والنضير ].
قريظة والنضير من قبائل اليهود، لكن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.
إبراهيم بن حمزة بن أبي يحيى الرملي صدوق، أخرج له أبو داود .
[ حدثني زيد بن أبي الزرقاء ].
زيد بن أبي الزرقاء ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا ابن أبي الزناد ].
هو عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
هو عبد الله بن ذكوان ، وأبو الزناد لقب، وعبد الرحمن هذا الذي يروي عنه هو الذي يكنى به؛ لأن كنيته أبو عبد الرحمن ، ولقبه أبو الزناد فهو لقب على صيغة كنية وليس بكنية.
وعبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ].
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو ابن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: المعنى واحد؛ لأن القاضي هو حاكم يحكم بما أنزل الله.
الجواب: نعم يفضل بالأجر كما هو معلوم؛ لأن من أصاب الحق يحصل على أجرين، أما من أخطأ ولم يصب الحق فإنه لا يحصل إلا على أجر واحد.
الجواب: إذا كان ليس عنده قدرة، ولا معرفة بأمور القضاء فليس له أن يقضي بين الناس.
وإذا كانت الشريعة قائمة ثم أتى آت وبدلها، ووضع قوانين وألزم الناس بالتحاكم بها، فإن هذا يكون كفراً، أما إذا كانت القوانين موجودة والحاكم أو السلطان الذي جاء ورث تركة فاسدة، وعنده نية التخلص من هذه التركة الفاسدة، ويعمل على التخلص منها وتغييرها إلى أحكام الشريعة فهذا على خير، ولكن يكفر الذي يستحل ذلك أو يعتبر أنه لا فرق بين الشريعة وبين غيرها، أو يتهم الشريعة بما تتهم به من قصور أو قسوة أحكام وما إلى ذلك، فهذا يكون مرتداً.
حدثنا محمد بن العلاء ومحمد بن المثنى قالا: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن رجاء الأنصاري عن عبد الرحمن بن بشر الأنصاري الأزرق قال: (دخل رجلان من أبواب كندة وأبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه جالس في حلقة فقالا: ألا رجل ينفذ بيننا؟ فقال رجل من الحلقة: أنا، فأخذ أبو مسعود كفاً من حصى فرماه به وقال: مه؛ إنه كان يكره التسرع إلى الحكم) ].
أورد أبو داود باباً في طلب القضاء والتسرع إليه.
يعني: أن المبادرة إلى الحكم بين الناس أو الحرص على التقدم فيه وأنه هو الذي يتولاه ويسبق إليه، فهذا غير سائغ، والإنسان لا يستعجل حتى في الفتوى التي هي دون القضاء، وقد كان السلف كل واحد منهم يحيل على الثاني، ويتمنى أن غيره يتولى المهمة دونه، فالتسرع في الأحكام والتسرع في الفتوى والمبادرة إلى ذلك وكونه يسبق غيره في هذا، هذا مذموم وليس بمحمود.
وأورد أبو داود حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنه: (أنه كان في مجلس، وأنه جاء رجلان وقالا: من يحكم بيننا؟ فبادر رجل وقال: أنا، فأنكر عليه أبو مسعود وقال: مه، إنه كان يكره التسرع إلى الحكم).
والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه، ولكن معناه صحيح، من ناحية كراهة كون الإنسان يبادر ويحرص أو يريد أن يتقدم على غيره، فمثل هذه الأمور إذا وجد من يكفي ومن يتحمل يكون الإنسان في عافية.
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ومحمد بن المثنى ].
هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بـالزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا أبو معاوية ].
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن رجاء الأنصاري ].
رجاء الأنصاري مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ عن عبد الرحمن بن بشر الأنصاري الأزرق ].
عبد الرحمن بن بشر الأنصاري الأزرق مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ وأبو مسعود الأنصاري ].
هو عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث الذي فيه إنكار أبو مسعود على من سارع ليحكم بين المتخاصمين هو حديث ضعيف، أما حديث أبي برزة ففيه: إذا اختار اثنان متخاصمان من شخص أن يحكم بينهما وهو أهل للحكم وحكم بينهما فإن ذلك سائغ، وحديث أبي برزة صحيح.
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه).
يعني: من حرص على طلبه واستعان ببعض الناس للوصول إليه، حيث جعلهم يساعدونه ويعاونونه للوصول إليه فإنه يوكل إليه.
قوله: [ (ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله ملكاً يسدده) ].
وذلك لأنه أسند إليه بغير رغبة منه وبغير طلب منه، فهذا حري بأن يسدد، والحديث غير صحيح؛ لأن فيه من هو متكلم فيه، ولكن لا شك أن الحرص على الشيء مذموم، وأن السلامة منه حيث لا يتعين مطلوبة.
هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا إسرائيل ].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الأعلى ].
هو عبد الأعلى بن عامر، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن بلال ].
هو بلال بن أبي موسى الفزاري، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[ عن أنس بن مالك ].
أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث فيه انقطاع، لكن الكلام على أنه إذا جاء من طريق أخرى متصلاً فإنه ينجبر ولا يؤثر، ولكن كونه يوجد في الإسناد المتصل وكذلك المنقطع من هو متكلم فيه فهذا يؤثر فيه.
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وإسرائيل وعبد الأعلى وبلال بن أبي موسى وأنس مر ذكرهم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال أبو عوانة : عن عبد الأعلى عن بلال بن مرداس الفزاري عن خيثمة البصري عن أنس ].
خيثمة بن عبد الرحمن البصري لين الحديث، أخرج له الترمذي والنسائي .
ولم يذكر الحافظ أن أبا داود أخرج لـخيثمة ؛ لأنه جاء في المعلقات ولم يأت في المتصلات.
[ أبو عوانة ].
هو وضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري : (لن نستعمل أو لا نستعمل على عملنا من أراده) يعني: أن من طلبه لا يحرص عليه ولا يرغب فيه، وإنما يرغب في الذي لا يطلبه؛ لأن الذي لا يطلبه حري أن يسدد، والذي يطلبه حري بأن يوكل إليه.
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى بن سعيد ].
هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا قرة بن خالد ].
قرة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حميد بن هلال ].
حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبو بردة ].
هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: قال أبو موسى ].
هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الراشي والمرتشي) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في كراهية الرشوة ]، يعني: في تحريم الرشوة، والرشوة هي التي تدفع للموظف مثلاً أو للقاضي أو لأي مسئول من أجل الوصول لشيء سواءً كان هذا الشيء حقاً أو باطلاً، فهذه يقال لها: رشوة؛ لأنه يتوصل بها إلى ما يريده الإنسان، قالوا: وهي من الرشا الذي يستخرج به الماء من البئر، فإنه يتوصل به إلى تحصيل الماء وإخراجه من البئر.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) الراشي: هو الذي يدفع الرشوة، والمرتشي: هو الذي يأخذ الرشوة.
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن أبي ذئب ].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحارث بن عبد الرحمن ].
الحارث بن عبد الرحمن صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو ].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قد مر ذكره.
وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد حدثني قيس حدثني عدي بن عميرة الكندي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا أيها الناس! من عُمَّل منكم لنا على عمل فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة، فقام رجل من الأنصار أسود كأني أنظر إليه فقال: يا رسول الله! اقبل عني عملك، قال: وما ذاك؟ قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: وأنا أقول ذلك: من استعملناه على عمل فليأت بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذه، وما نهي عنه انتهى) ].
أورد أبو داود باباً في هدايا العمال، وهدايا العمال هي: ما يهدى لهم ويعطون من أجل عمالتهم، والعامل ليس له أن يأخذ ذلك الذي أعطي إياه، وإن أخذه فإنه يكون تابعاً للشيء الذي وكل إليه، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح في قصة ابن اللتبية الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لجباية الصدقة، ولما جاء قال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال صلى الله عليه وسلم: ألا جلس في بيت أمه فلينظر هل تأتيه هديته؟)، لأنه ما أعطي إلا من أجل العمالة ومن أجل الولاية، فلا يجوز له أن يأخذ شيئاً، وإن أخذ فإنه يتبع الشيء الذي كلف به واستعمل عليه.
وقد ورد في حديث بهذا اللفظ: (هدايا العمال غلول) وهذا حديث صحيح، فهدايا العمال غلول، وهذا الحديث يدل على ما دل عليه الحديث الذي ترجم له المصنف هنا، حيث بين أن هدايا العمال من جملة الغلول، وأن الإنسان إذا استعمل على عمل فإنه يأتي بالشيء الذي كلف به ولا يأخذ شيئاً مقابله، وإنما يأخذ ما يعطى إياه من جهة الوالي، وينتهي عما نهي عنه من جهة الوالي.
وأورد أبو داود حديث عدي بن عميرة الكندي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: [ (يا أيها الناس! من عُمَّل منكم لنا على عمل فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه) ].
يعني: من استعمل على عمل فكتم مخيطاً وهو الإبرة فما فوقه وهذا شيء قليل تافه، ومع ذلك لا يجوز أن يكتمه، بل كل شيء يؤديه ولو كان شيئاً يسيراً، والتهاون في القليل يؤدي إلى التهاون في الكثير، والاستعفاف عن الشيء القليل من باب أولى أن يستعف عن الكثير.
قوله: [ (فهو غل يأتي به يوم القيامة) ].
يعني: يأتي يوم القيامة وهو يحمله، قال عز وجل: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161] يعني: فيكون فضيحة له عندما يأتي وهو يحمله، مثل ما جاء في الحديث: (لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر).
وكذلك أيضاً الحديث الآخر: (من اقتطع شبراً من الأرض طوقه من سبع أرضين) يعني مقدار هذا الشبر الذي اقتطعه كل ذلك يكون عليه ويأتي به يوم القيامة، حيث يجعل طوقاً عليه يحمله يوم القيامة، ليكون فضيحة له على رءوس الأشهاد.
قوله: [ (فقام رجل من الأنصار أسود كأني أنظر إليه فقال: يا رسول الله! اقبل عني عملك، قال: وما ذاك؟ قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال: وأنا أقول ذلك: من استعملناه على عمل فليأت بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذه، وما نهي عنه انتهى) ].
وهذا الأنصاري رضي الله عنه خاف من هذه التبعة ومن هذه المسئولية، فأراد أن يسلم وأن يبتعد عن أن يعرض نفسه للخطر، وأن يقع في أمر محظور، وقال: (اقبل عني عملك) يعني: أنا ما أريد أن أعمل، قال: (وما ذاك) يعني: ما الذي جعلك تقول هذا الكلام؟ قال: (سمعتك تقول كذا وكذا ) قال: نعم وأنا أقوله وأؤكده.
هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسماعيل بن أبي خالد ].
إسماعيل بن أبي خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني قيس ].
هو قيس بن أبي حازم، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قيل عنه: إنه اتفق له أن روى عن العشرة المبشرين بالجنة، وقيل: إنه يستثنى منهم واحد، ولكنه روى عن هؤلاء الخيار الفضلاء الذين هم خير هذه الأمة، وهم العشرة المبشرون بالجنة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ، هؤلاء العشرة المبشرون بالجنة.
[ حدثني عدي بن عميرة الكندي ].
عدي بن عميرة الكندي رضي الله عنه، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
الجواب: لا، هذه ليست بهدية، كونه يعمل شيئاً يدل على جودته في عمله وإتقانه لعمله هذه لا تضر.
الجواب: إذا كان التهادي موجوداً من قبل فلا بأس، وإن كان التهادي بعد الولاية فلا.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [405] للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net