اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الأصل في النكاح التعدد للشيخ : محمد حسن عبد الغفار
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
بسم الله الرحمن الرحيم، فمن روائع البيان أن يُبدأ بتسمية الله جل وعلا، وهذه من السنن التي ما من مصنف كما قال البخاري يفتتح كتابه إلا ويبدأ باسم الله اقتداءً بكتاب الله جل وعلا: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، واقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد بعث الرسل إلى ملوك الدنيا يقول: باسم الله من محمد رسول الله إلى قيصر الروم أو كسرى فارس.
النكاح: لغة: الضم والجمع، وقد اختلف الفقهاء هل هو حقيقة في عقد النكاح أم حقيقة في الجماع؟ وكان اختلافهم على ثلاثة أقوال، والصحيح الراجح الذي تدل عليه الآثار أنه حقيقة في العقد، ومجاز في الوطء، ويدل على ذلك قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49]، ففيها دلالة صريحة على أن المقصود بقوله: نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ أي: كسبتم أو عقدتم هذا العقد عليهن.
وقد فرق بينهما بعض الفضلاء والعلماء فقال: إذا قيل: نكحت بنت فلان أو أخت فلان، قصد بذلك العقد، وإذا قيل: نكح امرأته قصد بذلك الوطء والجماع.
وشرعاً: هو عقد يفيد حل استمتاع الرجل بالمرأة أو حل استمتاع الزوجين كل منهما بالآخر على وجه مقصود.
وقوله: على وجه مقصود بمعنى أن هناك أموراً محظورة لا يستطيع المرء أن يستمتع بها مثل الجماع في الدبر، فهو ممنوع ومحرم على الزوج أن يفعل ذلك مع زوجته.
أما الكتاب فقد قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ [النور:32]، وقال جل وعلا: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3].
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي - يعني هذه سنتي - فليس مني) فهذه دلالة واضحة على أن من سنة الأنبياء النكاح.
وورد في بعض الآثار -وإن كان في أسانيدها كلام إلا أنه يستأنس بها- إن من سنن المرسلين أربع: منها النكاح، والشواهد تعضد هذه الآثار، وتدل عليها السنة الصريحة بأن النكاح مشروع بالسنة.
وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع في شريعتنا الإسلامية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل والرهبانية فقال: (لا رهبانية في الإسلام) وهذا يخالف ما يتعبد النصارى به من عدم الجماع والنكاح، فالنكاح مشروع بالكتاب وبالسنة وإجماع المسلمين.
القسم الأول: مناكح أصحاب الرايات: أي: العاهرات، وكن يضعن الرايات على بيوتهن حتى يعرفن أنهن معدات لذلك.
القسم الثاني: مناكح الرهط والقبائل: فكل قبيلة فحولها يأخذون امرأة تعجبهم، ثم يجامع كل واحد من هذه القبيلة هذه المرأة حتى تلد فإذا ولدت ولداً نظروا إلى أشبه رجل به فألحقوه بهذا الرجل من القبيلة.
القسم الثالث: نكاح الاستنجاب للشرف: فإذا أرادت امرأة أن تلد ولداً شريفاً، ذهبت إلى القبائل تبحث عن أفحل رجل في القبيلة، فتبذل نفسها له، فيطأها الرجل تلو الرجل حتى تلد ولداً، فتدعو من جامعها فتلقيه على من أحبت من هؤلاء الفحول.
القسم الرابع: النكاح الصحيح: وهو نكاح التعفف، وهو الذي ولد منه النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: (ولدت من نكاح لا من سفاح) فهو نبي من ذرية نبي ابن نبي من خير الأمم أجمعين.
القول الأول: قول الجمهور من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة على اختلاف بينهم وليس هذا مقام التفصيل فقالوا: هو مستحب، واستدلوا على ذلك من الكتاب بقول الله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، ووجه الدلالة في الآية قوله: (ما طاب لكم)، فقد علق النكاح بالاستطابة، واستطابة النفوس لا يتعلق بها الوجوب، والنبي صلى الله عليه وسلم ما استطاب الضب فما أكله، فقال خالد : أحرام هو؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (لا ولكني أعافه، ما كان يؤكل بدار قومي) فالاستطابة لا يتعلق بها وجوب، كما استدلوا بالآثار التي تقدمت، منها قوله: (من سنن المرسلين النكاح) فقالوا: هي سنة من سنن المرسلين بالتصريح، فهي سنة.
القول الثاني: قول داود الظاهري أنه يجب على كل امرئ أن يتزوج، واستدل على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) فقوله: (فليتزوج) أمر، وظاهر الأمر الوجوب، وإذا قلنا بعدم الوجوب فلابد من صارف ولا صارف له، وأسعد الناس بالدليل الظاهرية، فأمر النكاح على الوجوب لمن تيسر له، لقوله: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج).
والدليل الذي استدل به المالكية والشافعية والأحناف والحنابلة وهو قول الله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] يدل على الوجوب أيضاً، فقوله: (فانكحوا) أمر، وظاهر الأمر يفيد الوجوب، ويرجع الاستحباب إلى التعدد كما سنبين في طيات هذا المبحث.
وبذلك يعلم أن حكم النكاح الوجوب لمن تيسرت له الآلة، ويأثم إن ترك النكاح خلافاً للشافعية الذين يقولون: النكاح أصله ليس من العبادة، فهو كالبيوع والشراء والهبة، والصحيح الراجح: أن النكاح عبادة، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (وفي بضع أحدكم صدقة)، وقوله: (إنما الأعمال بالنيات)، فكل عمل يقدم عليه المرء فإنه يكون عبادة إذ أحسن النية، لكن الشافعي وضع على الفقهاء إشكالاً عظيماً فقال: إن كان عبادة فهو يصح من الكافر، ولا عبادة تصح من الكافر؟!
ويرد عليه أن هناك فرقاً بين الأجر والصحة والبطلان، إذ الأجر لله جل وعلا، فلا يتحكم فيه أحد، لكن الصحة والبطلان لها أمور شرعية ظاهرة، فلذا نقول: يصح من الكافر النكاح، فيصح أن النصارى واليهود والبوذيين يعقدون النكاح بعضهم على بعض.
ولا يؤجر أحدهم عليه؛ لأن عمارة الدنيا لا تتحقق إلا بذاك، كما أننا لو قلنا: لا يصح! فإن الدنيا ستفنى، فاستثني ذلك للكافر لأجل عمارة الدنيا، والصحيح الراجح أنها عبادة، وأن حكم النكاح الوجوب.
أما الأخرى فتقول لك: لم لم تأتِ بالطعام؟ لم لم تأتِ بالسيارة؟ لم لم تأتِ بالدرهم والدينار؟ لم تركت العمل؟ لم لم ترتقِ في مكانك وأنت تعمل؟ أختي عندها بيت في المكان الفلاني وقد بنت بيتاً آخر في المكان الفلاني! فتعدد لك أمور الدنيا حتى ينشغل عقلك وقلبك بها.
أما ذات الدين فلابد أنك ستجدها معك في نفس الطريق التي تمشي به، وتسيرا إلى الله جل وعلا، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين).
جاء أن سعيد بن المسيب دخل على ابنته وهي تقرأ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، فقالت: يا أبتاه! قد عرفنا حسنة الآخرة وهي الجنة فما حسنة الدنيا؟ فقال وهو أعلم التابعين على الإطلاق: المرأة الصالحة للرجل الصالح. فحسنة الدنيا بتنصيص سعيد بن المسيب : المرأة الصالحة للرجل الصالح، إذ إنها تنشر في بيتك كل اليمن والبركة، وغيرها تأتيك بكل الوبال.
وكما أن الرجل ينبغي أن يختار ذات الدين فكذلك المرأة لا تتخير إلا صاحب الدين؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد) وصاحب الدين كفء لأي امرأة، وقال بعض العلماء: طالب العلم كفء لأي امرأة، ونعجب من بعض الملتزمين الذين إذا تقدم لهم شاب فلا يسألون إلا عن راتبه! وأين يسكن؟ وكيف ستعيش معه؟ ولذا نتسائل: كيف تتكلمون في الفرعيات وأنتم من الملتزمين؟! المفروض أن تستشعروا ما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).
وقد عرفنا من النساء من جاءها خاطب وله المال الوفير والمكانة والوجاهة والبيوت الواسعة فتركته وقالت: بينها وبين الله عقد أن لا تتزوج إلا طالب العلم ولو بشظف العيش من أجل الله جل وعلا، وقالت: أنا إنما فعلت ذلك من أجل الله، وكان الرجل قد رآها فذهل، فأراد أن يبذل لها كل ما تريد، وأغرى أباها بأنه سيعطيها من الذهب كذا ومن المهر كذا وطلب مقابلتها ليقنعها فعلمته الأدب، وقالت له: كم تحفظ من القرآن؟ ماذا عندك من السيرة؟ فبينت له دنو مكانته ثم تركته وتزوجت بطالب علم يعيش في شظف العيش، وقالت: هذه لله، وقامت ليلاً فقالت: ربي تزوجته لك. فهذه لا ترى أجرها إلا عند ربها، فمثل هذه النساء جديرات بأن يتمسك بهن وهن من عنى النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
وقد ورد في سنن سعيد بن منصور عن ابن عمر مرفوعاً بسند ضعيف يستأنس به: (امرأة أو أمة سوداء ذات دين خير من حسناء لا دين لها) فالمرأة السوداء الحبشية ذات الدين أفضل بكثير من المرأة الحسناء التي لا دين لها، فكان أول اعتبار في اختيار الزوجة أن تظفر بذات الدين وإلا تربت يداك.
فيقال: بالنظر إلى مثيلتها في عائلتها، فينبغي للمرء أن يتخير المرأة التي تلد كثيراً؛ لأن هذا هو مغزى الشرع، كما أنه هو المقصود الأسمى للنكاح، وبه يكثر سواد المسلمين، وهو عمل بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن (تزوجوا الولود الودود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) والودود التي إذا نظرت إليها سرّتك بجمالها، وجمال المرأة على ضربين: جمال خلقي وجمال مكتسب، فالجمال الخلقي: هبة يهبها الله لمن يشاء، أما الجمال المكتسب فإنه من الأمور المعروفة عند النساء، فمن النساء من تتجمل لزوجها حتى إنه إذا دخل البيت اشتاق لرؤيتها، بينما البعض الآخر تجعل زوجها إذا دخل البيت يقول: أنظر للحائط أم أنظر إلى زوجتي فكلاهما سواء! فإذا كان الجمال الخلقي هبة من عند الله فلا ينبغي للمرأة أن تترك الجمال الذي تكتسبه، بل لابد أن تفعله من أجل زوجها لتصرف زوجها عن غيرها.
وفي الحديث : (خير النساء من إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في ماله وعرضه ونفسها) فتحفظه حتى في أسراره، وتعرف أصالة المرأة عندما يضيق بك المقام، فإن كانت تفشي كل مساوئك وتخفي محاسنك أمام الناس، فهذه ليست بأصيلة، وليست بخيرة، ولا تمسك عليها لأنه ليس فيها خير.
ولنا في ذلك سلف من إبراهيم عليه السلام، فإن امرأة إسماعيل لا مطعن في دينها، لكنها كانت تتضجر من عيش إسماعيل والشظف الذي كان يعيشه، فإنها لما سألها إبراهيم عليه السلام عن عيشها تضجرت واشتكت سوء العيش مع إسماعيل فقال لها إبراهيم: أبلغيه -أي: إسماعيل عليه السلام- أن يغير عتبه بيته، فإن كانت كذلك فلا كرامة لها ولا يحرص على التمسك بها.
وقد وردت في ذلك أحاديث ضعيفة تشير إلى ذلك منها : (إياكم وخضراء الدمن: المرأة الحسناء التي منبتها منبت سوء)، حتى وإن كانت صالحة فلا يصح أن تقترب منها لأن العرق دساس، وإن كانت الأحاديث ضعيفة لكن لها شواهد تقويها، فلابد أن تبحث عن أصل أصيل صاحبة دين.
والصحيح الراجح أن المرء لا يحبس عنده من النساء إلا أربع لقوله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3].
وفي السنة أن غيلان جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أسلمت وتحتي عشر من النسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أمسك عليك أربعاً وفارق الباقي)، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يمسك أربعاً ويفارق باقي النساء، وأيضاً معاوية بن نوفل أسلم وكان تحته خمس من النساء فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارق واحدة منهن ويبقي على أربع.
وقد يسأل سائل: إذا كان للمرء أن يجمع بين الأربع فهل حكمه في ذلك الإباحة أم هي للضرورة أم هو مستحب؟ وهل الأصل في النكاح التعدد أم الأصل في النكاح الاقتصار على واحدة؟
والإجابة على هذا السؤال يقال:
الأصل في النكاح التعدد، بل هو مستحب محثوث عليه، فإن أرقى الناس وأفضل الناس وأكمل الناس مَنْ عدد، وما زالت العرب تفتخر بفحولة رجالها بكثرة النساء وكثرة الوطء لهن، وأنا أتحدى أي شخص يأتيني بسند ولو موضوع أن صحابياً مات وتحته امرأة واحدة، بل ما من صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وكانت تحته على الأقل أربع نساء من النكاح وكثير من الإماء.
وإليكم الأدلة على أن الأصل في النكاح التعدد حتى لا يكون هذا ادعاء كاذباً أو عار عن الأدلة!
الدليل الأول: قول الله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]، فقوله: (فانكحوا) أمر، وأصل الأمر الوجوب، وأقل أحواله أن يكون للاستحباب، إذ إن أقل أحوال الوجوب أن يصرف إلى الاستحباب.
الدليل الثاني: أن الله صدر الأمر بالتعدد ثم ثنى بالإفراد والاقتصار على واحدة، والتصدير يكون لما له الأهمية، فدل ذلك على أن الأصل في النكاح التعدد، قال تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، فقدم الأصل وأخر الفرع، ومقاصد الشريعة دائماً تفعل ذلك، فتقدم الأصول ثم تأتي بعد ذلك بالفروع.
الدليل الثالث: قول الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، فجعل الاقتصار على واحدة مشروط بشرط، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط كالعلة للحكم، فإن الحكم يدور مع العلة حيث دارت، ومفهوم المخالفة فإن لم تخافوا أي: إن استطعتم أن لا تظلموا فارجعوا إلى الأصل وهو النكاح بالمثنى والثلاث والرباع.
الدليل الرابع: أن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والله لا يختار لنبيه إلا الأكمل والأفضل، فالله جل وعلا اختار لنبيه أن يعدد إلى التسع فمات وعنده تسع على ذمته، وتزوج أكثر من ذلك، وتسرى بـمارية ، فهذا هو الأكمل الذي اختاره الله جل وعلا له، وهذا هو فعل الصحابة، فما من صحابي إلا وقد عدد، فكان هذا هو الأكمل والأفضل؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل الخامس: أن الإنسان إذا أمر بشيء فعليه أن يأتي منه ما استطاع، فالاستطاعة قد تكون أولية أو ثانوية إلى درجات عالية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح، وأمرنا الله بالتعدد فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]، فأعلى شيء بالامتثال للأمر هو: الأربع، وأقل منه: الثلاث، وأقل منه: الاثنتين، وأقل الأقل: أن يقتصر على واحدة، فكمال الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم هو التعدد.
هذه أدلة متوافرة متضافرة تبين لنا أن الأصل في النكاح التعدد، ومن عنده دليل يخالف ذلك فليأتنا به، فالأصل في النكاح التعدد، ومستحب لكل ميسور قادر على النكاح أن يتقي الله في نفسه فيعدد، وأن يعف الأخوات المسلمات؛ لأن هذه هي حكمة التشريع، فالنساء الآن كثيرات والرجال في قلة، بل سيصل الأمر قبل يوم القيامة أن الرجل الواحد يكون قيم على أربعين امرأة، والإحصائيات الآن أن كل ثلاث أو أربع نساء لهن قيم واحد!
فلا بد لكل من يسر الله له الآلة ووفقه ألا يترك هذه العبادة الجليلة، وليتق الله جل وعلا إن علم من نفسه أنه لا يظلم، وليسارع في هذه العبادة، ولتتق الله المرأة في زوجها، ولا تعوقه وتكون حجر عثرة أمامه إذا أراد أن يعف مسلمة، ولتؤثر بنفسها لأختها، ولا تستأثر بزوجها أنانية وطاعة لهوى نفسها، لا طاعة لربها.
فالأصل في النكاح التعدد، وكل امرأة لا بد أن تصبر على ذلك، وتتق الله ولا تظهر غيرتها وتتبع هواها فتعرقل الرجل الذي استطاع أن يعدل بين اثنتين وتمنعه أن يتزوج الثانية أو الثالثة أو الرابعة.
قالوا: عندنا أدلة من الكتاب والسنة باستحالة ذلك، أما من الكتاب فقد قال تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء:129]، فعلّام الغيوب بين لنا أن المرء لن يستطيع بحال من الأحوال أن يعدل، حتى ولو جاهد نفسه للعدل، فلن يستطيع العدل، فإذا لم يستطع العدل ظل الشرط موجوداً والله يقول: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3].
والرد على هذه الشبهة القوية أن يقال: نعم! قال الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا [النساء:3]، ونحن نقول بهذه الآية فمن خاف عدم العدل وجب عليه أن لا يعدد؛ لأنه سيقع في الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، والله حرم الظلم على العباد كما حرمه على نفسه، أما إن كان الرجل يعلم من نفسه أنه سيعدل بين النساء فله أن يعدد.
والعدل المقصود به في هذه الآية فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا [النساء:3] هو عدل المبيت والنفقة والمسكن، والواجب هو العدل في النفقة والقسم والمسكن، كأن تسكن هذه في سكن وتسكن الأخرى في سكن، وكأن تبيت مع هذه ليلة وتبيت مع الأخرى ليلة مثلاً، فلابد أن يعدل فيكون لهذه ليلة أو هذه ليلة وهذه أسبوع والأخرى أسبوع حسبما يتفق الزوجان في مسألة القسم، ويعدل في النفقة، وفي حسن المعاشرة والتعامل، وفي السكن، كل هذا من باب العدل الذي أمر المرء أن يأتي به في هذه الآية، فالمقصود أن من استطاع أن يفعل ذلك فله أن يعدد فإن لم يستطع فليقف عند بابه ولا يتجرأ حتى لا يقع في المظلمة.
أما الآية الأخرى وهي قوله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء:129] فإن المقصود بها: العدل الباطني وهو ميل القلوب، وميل القلوب، لا يملكها إلا صاحب القلوب.
ويجلي ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يحب عائشة حباً جماً، وكان يقسم بين نسائه حتى أنه لما قالت له عائشة : تحبني؟ قال: نعم! أحبك. قالت: ما دليلك على ذلك؟ فضرب بيده فوجد درهما فأعطاها درهماً قال: هذا الدليل على حبي لك، فحسبت أنها قد استندت بهذا الدرهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد خصها به، فطاف النبي صلى الله عليه وسلم على النساء التسع فأعطى كل واحدة منهن درهماً، فقالت مترفعة عليهن: يا رسول الله! من أحب النساء إليك، فقال: التي أعطيتها الدرهم، فوقفت أمامهن تفخر وهي معها الدرهم وهن معهن الدراهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قسم هذه الدراهم قسمة عدل ظاهرة أما في الباطن فكانت أحب النساء إليه هي عائشة كما في الصحيحين عن عمرو بن العاص قال: (يا رسول الله! من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة ، قال: لست أسأل عن النساء بل عن الرجال، قال: أبوها) فإن عائشة كانت أحب النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه في مرض موته كان يقول: (أين أنا غداً؟ أين أنا اليوم؟) ففهم أمهات المؤمنين من النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يطبب عند عائشة فأذن له أن يكون عند عائشة ، فهي أحب النساء إليه، ومع ذلك كان يقسم قسمة العدل، وكان يقول: (اللهم إن هذا قسمي فيما أملك -في النفقة والسكنة وحسن المعاشرة والملاطفة- فلا تؤاخذني فيما تملك) وهو الميل القلبي، وبذلك علم أن المقصود بهذه الآية: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا [النساء:129] الميل القلبي أما الأصل إن استطعت فلك أن تعدد.
فدل ذلك على أن الفقر ليس بعائق عن الزواج والتعدد، والصحابة الذين حملوا الدين إلينا حتى جاءنا غضاً طرياً منهم من تزوج على فقرٍ مدقع، فهذا رجل كان بجانب النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فصعد النبي صلى الله عليه وسلم فيها النظر وخفض، ثم وجد أنه لا طلب له فيها، فقال له الرجل: (يا رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة فزوجني إياها، فسأله أن يعطيها صداقاً، فقال: ما معي شيء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: التمس ولو خاتماً من حديد، قال: ما عندي إلا إزاري، فقال: لو أعطيتها إزارك جلست بلا إزار، ما معك من القرآن؟ قال: البقرة وآل عمران، قال: زوجتكها بما معك من القرآن) يريد على تعليمك لها من القرآن.
واستنبط العلماء من ذلك أن التعليم يجوز أن يؤخذ عليه أجرة، والمقصود أن النبي زوجه إياها وما معه إلا إزار لو أعطاها إياه لجلس بغير إزار، فبرغم ما كان عليه من فقر لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذلك، بل أقره على ذلك.
وجاء عن عمر بسند صحيح أنه قال: التمسوا الغنى بالنكاح.
وفي حديث ضعيف يستأنس به أن رجلاً جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! اشتدت علي الفاقة -أي: شكا الفقر- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انكح)، وهو رجل فقير متزوج بواحدة، فذهب فنكح الثانية، ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! اشتدت الفاقة، فأمره بالنكاح) فذهب وتزوج الثالثة وكذلك في الرابعة، فلما تزوج الرابعة كانت لها صنعة فعلمت الثلاث؛ فأصبح تاجراً كبيراً، قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ [التوبة:28]، وقال أيضاً: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32].
فالصحيح أن الفقر ليس بعائق للنكاح؛ لأن أفضل البشر كان زاهداً فقيراً، ولم يكن عنده من المال شيء، وكان تحته تسع من النساء، فلا ينبغي أن تردد النساء: أنت لا تكفينا في بيتنا فلا يحق لك أن تفتح بيتاً آخر، فالذي رزقها سيرزق غيرها.
فهذا علي رضي الله عنه أراد أن ينكح الثانية، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم وأمره ألا يجمع بين فاطمة وأخرى تحته. والجواب: أن ذلك حدث فعلاً، لكن دليلكم حق أريد به باطل، والرد على هذه الشبهة الواهية من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم عدد إلى أن وصل إلى التسع، وهو القائل (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، ولا يجوز أن أحب لنفسي أن أعدد وأمنعه عن غيري، فهذا بعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق أجمعين.
أما الحديث الذي ذكر سابقاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منع علياً إلا لعلة أقوى من هذا، فإنه يحب لـعلي أن يفعل هذا، وأظهر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم علة منعه علياً رضي الله عنه وهما علتان:
العلة الأولى: أن علياً أريد منه أن يتزوج من بنت أبي جهل ، فقال رسول الله: (لا والله لا تجتمع بنت رسول الله مع بنت أبي جهل في بيت واحد)، هذه علة أولى، فهذا أعدى أعداء الله ورسوله وهو فرعون هذه الأمة فكيف تجتمع بنته مع بنت أفضل البشر على الإطلاق في بيت واحد أو تحت رجل واحد؟!
العلة الثانية وهي الأقوى: أن المسألة خاصة بـفاطمة ولا تعمم على غيرها بحال من الأحوال، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن فاطمة قطعة مني يريبني ما أرابها) أي: يؤذيني ما آذاها، ومعلوم أنه لا يوجد في البشر من يساوي أو يداني منزلة الرسول عند ربه، فإذا غضب رسول الله من أجل فاطمة سيغضب على من هو سبب في إغضاب فاطمة ، وهو علي ، وإذا غضب رسول الله على علي غضب الله على علي من أجل غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلك.
فهذه دلالة واضحة أن هذه خصيصة لـفاطمة وتخصيصاً لرسول الله لا يستوي معه غيره، وبذلك يظهر جلياً أن مسألة علي ليست مسألة يتغنى بها الناس ليقولوا بعدم التعدد.
فنقول: لست أفضل من عائشة ولا أغير منها، فقد كانت رضي الله عنها وأرضاها ذات غيرة شديدة على رسول الله حتى أنها تجرأت في الحديث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أنزل الله قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ [الأحزاب:50] فقالت: يا رسول الله ما أرى الله إلا يسارع في هواك.
ومن المواقف التي تبين شدة غيرتها ما حدث معها لما سافرت مع رسول الله في أحد أسفاره، وكان معها حفصة ، فقالت لـعائشة : يا عائشة هلا ركبتي مكاني وأركب مكانك فتنظري إلى ما أنظر وأنظر إلى ما نظرت -وهذه حيلة من حفصة لما تعلم أن رسول الله يعجبه أن يجاري مركب عائشة ويداعبها-، فقالت عائشة : فاركبي مكاني وأركب مكانك، فركبت حفصة مكان عائشة وركبت عائشة مكان حفصة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بفرسه ليساير عائشة إذ هي أحب نسائه إليه، فنزلت عائشة ووضعت رجلها في الحشيش فقالت تدعو على نفسها بالموت: ليست حية أو عقرباً يلدغني، رسولك ولا أستطيع أن أقول له شيئاً؟! فانظروا الغيرة إلى أي حد وصلت بها؟! تدعو على نفسها بالموت، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتبر بذلك وعدد عليه الصلاة والسلام.
فالغيرة والضرر المدعى الذي يقع على المرأة يجعلنا نقول لها: إن كانت منصفة مخلصة لله جل وعلا فلتسمع لهذا الأمر الذي يكلف الله به عباده، فأي تكليف لا بد أن يكون فيه مشقة، لكن هو تحت إطار الاستطاعة، ولا يمكن أن يكون فوق الاستطاعة، فالله لا يكلف إلا بالاستطاعة وإن كان فيها كلفة وفيها مشقة.
وهنا الله جل وعلا أمر المرأة بأن ترضى بأمر التعدد، وأن الرجل يجوز له أن يعدد أكثر من امرأة، وهذه طبيعة الرجل، فالرجل يمكن أن يتجزأ عاطفته كما يمكن أن يتجزأ قوته حتى في الميل الجنسي بعكس المرأة إذا مالت لرجل في الغالب لا تتبع غيره، كما أنها لا تميل كثيراً، وهذه طبيعة البشر التي خلقهم الله عليها، ولذلك كان من الواجب عليها أن ترضى بتكليف الله لها، فترضى بالتعدد، فإن علمت أن الله قد أمرها بهذا فتسمع وتطيع لله جل وعلا، كما ينبغي أن تنظر لأختها التي لو كانت هي في مكانتها، لتمنت أن تكون مثلما أرادت هي، وقالت: أؤثر بنفسي على أختي، ولعل الإيثار يقربني من ربي جل وعلا، وتشاركها هي في زوجها فيلدان من ينافح عن هذا الدين، وتقترب من ربها جل وعلا إن نوت رضا الله جل وعلا، وحتى لا تكون حجر عثرة لزوجها ليعف امرأة مسلمة تحتاج إلى رجل، كمن قتل زوجها في الجهاد، أو امرأة لم تتزوج قط، فهؤلاء النسوة من لهن؟ ومن سيكون خلفاً لزوجها الذي قتل في الجهاد؟ وهل هذا هو الإحسان مع من قتل شهيداً أن يترك أولاده وزوجته بلا عائل! وهذه المرأة قد تشتاق للرجل يوماً، وهذه طبيعة بشرية جبلية فمن لها إذاً؟! من لامرأة ملتزمة خبأت نفسها إرضاءً لله جل وعلا، فلا يراها أحد إلا أهلها، ولم يتقدم لها أحد؟ من لها إن لم يكن الملتزم الذي يريد الله ويرغب أن يعف المسلمة إرضاء لله جل وعلا؟!
من للمرأة التي في خدرها أيتام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم كهاتين)؟ من لها إن تركها الصالحون؟ وليس غير الصالحين إلا الذئاب فهل تترك فريسة لهم؟!
فعلى النساء أن يتقين الله، وأن يراجعن أنفسهن، وأن يتعلمن أبواب الإيثار، ويتعلمن أبواب كمال الإيمان.
ولذا فالمرأة التي تقف حجر عثرة لرجل يقول: أحتسب لله بزواجي من امرأة أرغب في إعفافها من أجل رضاه، أن في إيمانها زخم؛ لأنها لو كانت وقفت موقف إنصاف من نفسها أمام ربها لقالت: لو كنت مكانها لتمنيت ما تمنت، فلا بد للمرأة أن تتقي الله وتراجع نفسها.
وختاماً أدعو كل رجل عنده يسار أن يتقي الله في نفسه، فينظر إلى امرأة مطلقة، أو امرأة قتل زوجها، أو امرأة في خدرها أيتام، فيسارع في نكاحها إرضاء للرب جل وعلا، أما إن كان دافعه الشهوة أو هوى فهذا يرجع أصلاً إليه؛ لأنه سيقع في المظلمة، أما إذا وقف مع نيته وعلم أنه ما يتقدم إلا لله جل وعلا فهذا الذي سيكون معه اليمن والبركة.
وأختم بقصة حقيقية واقعة مع أخ لي، وهو رجل كان يعيش وزوجته على فقر في بيت ضيق، فعلم بامرأة طلقها زوجها ظلماً؛ لأنها (عقيم) لا تلد ولا ذنب لها، وكان له إن أراد الولد أن يتزوج بأخرى ويدعها معه، فيفعل السنة ويتزوج الولود الودود ويبقي على الأولى، فقال الأخ الصالح في نفسه: من لها؟ فاستخار الله وتقدم لها، وهو يعلم أن المرأة عقيم، وتزوجها لله، وليس لديه مال ولا درهم ولا دينار، فلما تزوجها حملت وهي عقيم، وقد أقر الأطباء أنها عقيم لا تلد، لكن الجزاء من جنس العمل، فالرجل صدق الله بنيته، فصدقه الله، بل إنه عند الزواج بها ما كان يجد المكان الذي يسكنها فيه، ثم فتح الله عليه وفتح بيتين، ويعيش بفضل الله سبحانه وتعالى مكتفياً بين الزوجة الأولى والزوجة الثانية!
نسأل الله جل وعلا أن النساء يستفدن من هذه الكلمات، فيقفن مع أنفسهن ويراجعنها طلباً لرضا الله عز وجل، فإن وجدت المرأة في زوجها صدق النية، فينبغي أن تدفعه لما أراد، فقد يفتح له فيتزوج من تكون صالحة وتعينه على الطاعة، وتكون رفيقة لأختها في الجنة، في نعيم قد أخدمن الحور العين، فهن وصيفات لهن، والرجل صاحب الهمة العالية لا يرضى بامرأة واحدة فلا يرضيه إلا سبعون من الحور العين، نسأل الله أن يرزقنا ذلك.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الأصل في النكاح التعدد للشيخ : محمد حسن عبد الغفار
https://audio.islamweb.net