اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , إيحاءات العام الجديد للشيخ : سلمان العودة
إخوتي وأحبتي: حيَّا الله هذه الوجوه بالسلام، ومساها الله تعالى بالخير، والحمد لله على اجتماعنا بعد التفرق، فإننا الآن نستأنف هذه الدروس، دروس الأحد العلمية العامة، بعد انقطاع بمناسبة الامتحانات ثم بمناسبة موسم الحج، ولعل من توفيق الله تعالى أن نعيش في هذه الليلة أول ليالي العام الجديد، فإنك حين تقرأ التاريخ في هذه الليلة تجد أنه الأول من الشهر الأول من عام ألف وأربعمائة وإحدى عشرة للهجرة.
وفيها ينعقد هذا الدرس وهو الدرس الثالث عشر من الدروس العلمية، وقد فرض عليَّ هذا التاريخ موضوعاً بعينه لن يسعني أن أتجاوزه بحال من الأحوال.
ولا أكتمكم أنني بعد أن جمعت كتبي ومراجعي وأوراقي وبدأت في الإعداد لموضوعٍ سبق أن وعدت به، وجدت أنه من غير المستساغ أن أتجاهل هذه المناسبة الكبيرة ونحن نعقد هذا المجلس في أول ليلة من ليالي هذا العام، بل في أول ليلة في بداية عقد جديد من تاريخ المسلمين.
فقد خلع المسلمون -أفراداً وشعوباً وأمماً- عشر سنوات من أعمارهم وتاريخهم في هذا القرن، وبدءوا يستأنفون عشر سنوات أخرى والله تعالى أعلم ما يكون فيها، ولذلك كان لا بد أن يكون موضوع هذا المجلس هو: إيحاءات العام الجديد.
لقد كان العرب خاصة في زمن الجاهلية ثم المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليس لهم تاريخ معين يرجعون إليه، وإنما كانوا ينسبون الأشياء إلى الأحداث القريبة منها، فيقولون -مثلاً-: فلان توفي قبل بدر بسنة، وفلان توفي بعد أحد أو بعد الأحزاب بسنة، وفلان أسلم عام فتح مكة، وفلان قبل ذلك، وفلان ولد قبله أو بعده؛ فكانوا يؤرخون حسب الأحداث الكبيرة التي جرت لهم، ولم يكن لهم تاريخ معين يرجعون إليه، وهكذا كان الحال في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وردحاً من خلافة عمر.
فجاء كتابٌ إلى عمر من أبي موسى رضي الله عنه، فكان عمر يقلبه ويقول: شعبان أي شعبان؟!
أشعبان الماضي أم شعبان الآتي؟!
ومن حينئذٍ بدأ عمر يفكر ويستشير المسلمين في قضية التاريخ، فأشار عليه الهرمزان الفارسي بالتاريخ الفارسي، وقال: إن الفرس لهم تاريخ يؤرخون به، فلو أخذتم به، فكرهه المسلمون، فأشار بعض من حضر من مسلمي اليهود بالتاريخ اليهودي، وكانوا ينسبونه إلى الإسكندر أو غيره، فقالوا: لو أخذت بالتاريخ اليهودي فكره ذلك المسلمون، ثم تشاوروا بم يأخذون؟
فاتفقوا وأجمعوا إجماعاً لا تردد فيه ولا خلاف على أن يبدأ التاريخ منذ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
أولاً: لأن الهجرة لم يُختلف في تاريخها، بخلاف المبعث والمولد فقد اختلف فيها العلماء، فإن مولد النبي صلى الله عليه وسلم غير معروف على التحديد لا يومه ولا شهره بل ولا سنته، وهذا أكبر رد يوجه للذين يحتفلون بالمولد النبوي، وهو أن نقول: حددوا لنا أولاً متى المولد قبل أن تحتفلوا به، فالمهم أن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم غير معروف على التحديد، لا يومه ولا شهره بل ولا سنته.
وكذلك مبعثه صلى الله عليه وسلم فيه اختلاف، أما هجرته عليه الصلاة والسلام فلا يكاد يختلف الناس في أنها كانت في ربيع الأول، ويحددونها باليوم الثامن أو قريباً من ذلك، فرأوا أن التحديد بالهجرة أنسب لأنه متفق عليه.
وهنا يأتي سؤال: لماذا لم يحددوا التاريخ من وفاته عليه الصلاة والسلام؟
مع أن وفاته عليه الصلاة والسلام كانت معروفة مضبوطة؛ لأنها كانت بحضور أصحابه، وكلهم يعرفون أي يوم بل أي ساعة لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم روحه الطاهرة، فالسؤال لماذا لم يبدأ التاريخ منذ وفاته عليه الصلاة والسلام؟
لم يحددوا بالوفاة لأنه لم يكن من اللائق ولا من المناسب أن يبدأ التاريخ بحدث كهذا؛ لأنه من الأحداث الأليمة التي تحزن لها النفوس وتنقبض لها القلوب، ويكره الناس أمرها وتذكرها، فكرهوا أن يبدأ التاريخ بها، ولهذا فإن السبب الثاني في أنهم حددوا بداية التاريخ بالهجرة:
أن الهجرة كانت بداية خير ونصر للمسلمين، حيث انتقلوا فيها من الذل إلى العز، ومن القلة إلى الكثرة، ومن الضعف إلى القوة، وبدءوا حركة الفتوح والجهاد والمغازي، فكانت الهجرة حدثاً عظيماً في تاريخ المسلمين، وكان من المناسب أن يبدأ التاريخ الهجري بهذا الحدث العظيم.
لقد حدثت الهجرة في ربيع الأول، ولذلك قال المسلمون: نبدأ السنة من أولها من شهر المحرم، لأنه أول السنة، فقالوا: نعتبر السنة الأولى من الهجرة، ولا نبدأ من ربيع الأول وإنما من المحرم، وعلى هذا جرى أكثر العلماء والمؤرخين، ومنهم من يبدأ السنة بربيع الأول، ولعل الحافظ ابن كثير رحمه الله جرى على هذا، لكن أكثر العلماء والمؤرخين جروا على اعتبار بداية السنة من محرم.
وكان أول يوم في السنة هو يوم الخميس أو يوم الجمعة، كما ذكره الكافيدي في كتابه المختصر في علم التاريخ وغيره.
وكان بداية اعتماد المسلمين للتاريخ في السنة السابعة عشرة للهجرة، في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فمنذ ذلك الحين بدءوا اعتبار التاريخ، كما يقولون بلغة العصر الحاضر: بأثر رجعي، فقالوا: أول سنة نـزل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بـالمدينة نعتبرها السنة الأولى، ثم السنة الثانية فالثالثة وهكذا، فبدءوا يحسبون منذ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكانت السنوات التي يحسبون بها سنوات قمرية وليست شمسية، والسنة القمرية تعتمد على بزوغ الهلال، فيكون الشهر فيها تسعة وعشرين أو ثلاثين يوماً، وهي بلا شك أقصر من السنوات الشمسية، فاعتمد المسلمون على السنوات القمرية، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا} إلى غير ذلك من النصوص التي دلت المسلمين على أنه ينبغي أن يعتبروا رؤية الهلال في خروج الشهر ودخوله.
ولذلك أقول -أيها الأحبة-: لقد أجمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والأمة كلها من ورائهم على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان على اعتبار التاريخ الهجري لا الميلادي؛ لا ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا ميلاد عيسى، ولا ميلاد غيرهم من الأنبياء، ولا على غير ذلك من الحوادث، بل على اعتبار التاريخ الهجري، فكان ذلك إجماعاً رائعاً صحيحاً ثابتاً مستقراً، ومن المحال أن يأتي إنسان بما ينقض هذا الإجماع بأي صورة وبأي شكل.
وكذلك أجمعوا إجماعاً آخر لا شك فيه على اعتبار الشهور والسنوات القمرية لا الشمسية؛ أما السنوات الشمسية فكان الرومان هم الذين يؤرخون بها ويستخدمونها -وهي كما قلت- أطول.
ولذلك قد تجد السنة ألفاً وأربعمائة وعشرة للهجرة، بالتاريخ الهجري القمري، لكنك لو نظرت إليها في التاريخ الشمسي لو جدت وهذا غير مقصود به التاريخ الهجري الشمسي أنها ألف وثلاثمائة وحوالي السبعين أو زيادة على السبعين أو قريباً من ذلك.
المهم أن التاريخ الهجري القمري هو المعتمد في الإسلام، ولذلك نعلم أنه لا يجوز لأحدٍ أن يؤرخ بالتاريخ الميلادي على سبيل الاستقلال، ومع الأسف أن هذا هو الموجود في جميع البلاد الإسلامية باستثناء هذه البلاد، ففيما أعلم أن جميع البلاد الإسلامية تؤرخ بالتاريخ الميلادي، إما استقلالاً أو تذكر معه التاريخ الهجري تبعاً، ففي بعض الأمصار لا يعرفون إلا التاريخ بالميلاد؛ والميلاد المقصود به ميلاد المسيح عليه السلام، فهذا أيضاً غير معروف ولا محدد، ولا يمكن القطع به ولا الجزم به، وهو تاريخ وثني غير إسلامي؛ بل هو تاريخ نصراني أُثر عن الأمم الكافرة غير المؤمنة، التي اتخذت من عيسى عليه السلام إلهاً من دون الله عز وجل.
وفي بعض البلاد الأخرى يؤرخون بالتاريخ الميلادي ويذكرون بعده التاريخ الهجري، فيقولون مثلاً: هذا العام (1990م) الموافق (1410هـ)، فيبدءون بالتاريخ الميلادي ويعتبرونه أصلاً، ثم يذكرون ما يوافقه من التاريخ الهجري، وهذا لا شك فيه مضاهاة للأمم الكافرة المشركة بالله عز وجل.
ولذلك كان هذا الاتفاق والتواطؤ بين التاريخ الهجري الشمسي والتاريخ الميلادي، ذريعة عند بعض الضعفاء لجلب التاريخ الميلادي إلى هذه البلاد، ومحاولة نشره وترويجه بين المسلمين، والذي لا أشك فيه: أنه يحرم على المسلمين أن يوقتوا بالتاريخ الميلادي استقلالاً، بحيث يبدءون يعتبرونه دون غيره، ويلغون التاريخ الهجري ولا يعتمدونه ولا يعتبرونه، وذلك لأسباب:
أولاً: لأنه خلاف الإجماع كما أسلفت، وهو إجماع رائع ربما يكون من أقوى الإجماعات، فإن العلماء الآن يقول الواحد منهم: أجمع العلماء على كذا، ويذكر لك مسألة قد يكون فيها خلاف يسير، وليس هناك دليل قاطع على الإجماع، لكن في موضوع التاريخ الهجري نتحدى أي إنسان أن يذكر لنا منذ عهد عمر -من يوم اتفق الصحابة على ذلك- إلى عصر الناس هذا خلافاً للمسلمين في اعتبار هذا التاريخ واعتماده والعمل به، ولا يوجد من ذلك شيء إلا بعض التساهل الذي ينتشر عند بعض المسلمين بسبب مجاورتهم لليهود أو للنصارى أو للفرس أو لغيرهم، أما أن يكون تاريخاً معتمداً لدى الأمة الإسلامية فلا، وقد أجمع الصحابة على ذلك فمخالفة إجماعهم لا تجوز.
ثانياً: إن نقل الأمة من التاريخ الهجري القمري، إلى التاريخ الهجري الشمسي أو الميلادي، فيه عزل للأمة عن تاريخها، وعن كتبها، فإذا نسي الناس التاريخ الهجري القمري واعتمدوا التاريخ الشمسي أو التاريخ الميلادي فكيف سيقرءون كتبهم؟
ومعنى ذلك أن الإنسان يحتاج إلى مترجم إذا قرأ كتاب البداية والنهاية لـابن كثير أو الكامل لـابن الأثير أو تاريخ الطبري أو غيره، ويحتاج أيضاً إذا قرأ كتاباً من كتب الرجال والتراجم وكتب الحديث إلى مترجم يذكر له هذه السنة وما يقابلها، وهذا فيه عزل للأمة عن ماضيها وعن تاريخها، وحيلولة بين الشباب وبين تراثهم وثقافتهم، فهو مثل من يريد أن يشيع اللغة العامية لتكون بديلاً عن اللغة العربية، ويريد أن يجعل في الناس عجمة وجهالة فلا يستطيعون أن يقرءوا كتبهم، ولا يفهموا ما قال علماؤهم، ولا يفهموا كتاب ربهم ولا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: أن هذا فيه تشبه بالأمم الكافرة، من الرومان الوثنيين المتلبسين بـالنصرانية، والفرس واليهود وغيرهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: {من تشبه بقوم فهو منهم} ولا شك أن التواريخ يرتبط بها أعياد ومناسبات، ويرتبط بها حوادث وعزل وولاية وأشياء كثيرة جداً، فالتواريخ من أعظم الشعارات التي تفاخر بها الأمم وتتعرف بها، ويلتقي بها الحاضر بالغابر.
فالتشبه بهم في التاريخ من أعظم ألوان التشبه وأخطره، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من تشبه بقوم فهو منهم}.
رابعاً: إن التاريخ الهجري القمري هو الذي رُتبت عليه المواقيت الشرعية؛ من دخول الأهلة كدخول رمضان وخروجه، وعشر ذي الحجة، ويوم عاشوراء وغيرها من المناسبات، فإنها مبنية على أساس رؤية الهلال وعلى أساس التاريخ الهجري القمري لا غيره.
فلذلك لا يجوز بحالٍ من الأحوال استبداله بغيره، ونقول لمن يريد عنه بديلاً: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة:61].
وهذه الوقفة أعتبر أنها وقفة مهمة جداً؛ لأن كثيراً من الناس تنطلي عليهم مثل هذه الأشياء، وقد لا يدركون هذه المحاولة الخطرة التي يحاولها البعض، وإن كان مما يجب أن يقال في هذه المناسبة يشكر للجهات المختصة أنها أصدرت أمراً باعتماد التاريخ الهجري القمري في جميع المناسبات، وهذا فيه قضاء على هذه المحاولات اليائسة من بعض المضللين.
ومن أراد المزيد من الدراسة في موضوع التاريخ وبداية التاريخ وما يتعلق به، وهي بحوث نفيسة مهمة كنت كتبت فيها بحيثاً صغيراً، لكنني بحثت عنه خلال إعدادي لهذا الدرس فلم يقع في يدي، فبإمكانه الرجوع إلى عدد من الكتب أذكر منها كتاب: المختصر في علم التاريخ؛ وهو كتيب مختصر صغير مفيد للكافيدي، وكتاب: الإعلام بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للإمام السخاوي، وكتاب: مفتاح السعادة للشيخ طاش كبرى زاده من شيوخ العثمانيين، وكذلك كتاب: كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي مادة أرخ، وكتاب: الخطط المقريزية للمقريزي، وغيرها من الكتب.
فمن نظر إلى سنة قد طواها وتعداها وتركها وراء ظهره، بل إلى عقدٍ بأكمله قد تخطاه وأصبح مجرد ذكرى تمر في خاطره فإنه يكثر من ذلك عجباً، أعطوني -بالله عليكم- ماذا بقي لنا وماذا بقي بأيدينا، لا أقول من سنة مضت أو من عقد مضى، بل من عُمُرٍ مضى، من عاش منا معاشاً ينظر ماذا بقي في يده من عمره الماضي كله، إنه ينظر فلا يرى شيئاً.
الصنف الأول: أمور عصينا الله تبارك وتعالى فيها، واستجبنا لداعي الشهوة والهوى، وهذه الأشياء ذهبت لذاتها وفرحتها وسرورها وبقي ألمها وعذابها، يقول الشاعر لولده:
إن أهنا عيشة قضيتها >>>>>ذهبت لذتها والإثم حل
فاللذة ذهبت، لكن بقي الإثم ينتظره الإنسان يوم يلقى ربه، موفوراً في كتابٍ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وبقيت -أيضاً- آلام المعصية يقاسيها الإنسان في الدنيا، وآلام المعصية كثيرة، منها:
ألم في القلب على مخالفة أمر الرب جل وعلا.
ومنها: ألم قد يجده الإنسان في الواقع؛ فإن المعصية يتبعها ذل وفضيحة وعقاب؛ إما بالضرب في السجن والتوبيخ، أو بالقتل أو بغير ذلك من العقوبات، فبقيت آلام المعصية وعقوباتها الدنيوية والأخروية وذهبت لذتها حتى كأن لم تكن.
الصنف الثاني: طاعات أطعنا الله تعالى فيها، وعصينا فيها الشيطان وداعي الهوى والشهوة، فهذه الطاعات، من صلاة وقيام ليل وصيام وظمأ الهواجر ونفقة وغير ذلك؛ ذهب ألمها وتعبها وإجهادها، وبقي سرورها وحبورها ونورها في قلوب من فعلوها، وبقي برها وذخرها وأجرها عند الله تبارك وتعالى يلقاه يوم يلقاه قال الله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه [الزلزلة:7-8] ويكفي من سرور الطاعة ما يحس به الإنسان من الانتصار على الهوى والشهوة وطاعة الله عز وجل، فيورث الله في قلبه من السرور مالا يعرفه إلا من جربه وذاقه وقارن بين ذل المعصية وعز الطاعة.
يقول بعض الصالحين: إنَّا لفي عيش لو علم به الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليه بالسيوف، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والله إنه لتمر ساعات يرقص القلب فيها طرباً من طاعة الله عز وجل، حتى إنني أقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه فإنهم في عيش طيب.
ويقول رحمه الله: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. وهو يعني بذلك: السرور بمناجاة الله تعالى والقرب منه ودعائه وذكره واستغفاره، فيكفي هذا من ثمرة الطاعة.
الصنف الثالث من أعمالنا التي عملناها فيما مضى: أعمال الدنيا التي نقاسيها، من طلب الرزق والتجارة والزراعة وغير ذلك من الأعمال الدنيوية، وهذه الأعمال منها ما لا بد للإنسان منه؛ فهذا لا يلام عليه وإن أحسن قصده فيه كان له به أجرٌ، كما قال صلى الله عليه وسلم: {أمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة... إلى قوله: وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله، أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ} رواه مسلم.
ومن هذه الأعمال الدنيوية مالا حاجة للإنسان به، فوا عجباً من إنسان يكدح ليله ونهاره في جمع أموالٍ، يعلم أنه لو أكل بكل ما يستطيع وأنفق بكل ما يستطيع لم يكد يأتي على آخرها! فهل كل هذا الجهد الذي يبذله الإنسان حباً في أولاده من بعده، حتى أصبح حب أولاده وورثته من بعده أشد وأعظم من حبه لنفسه؟!
كلا! والله ليس الأمر كذلك، بل إننا نجد ممن يجهدون في جمع الأموال من يكون الواحد منهم عقيماً لا وارث له.
ومن الغرائب والعجائب التي نسمعها من أخبار الأمم الكافرة: أن امرأة غنية ثرية ماتت في أمريكا أو غيرها، وخلفت وراءها أموالاً طائلة هائلة، فلما فتحوا وصيتها وجدوا أنها قد أوصت بهذه الأموال الطائلة إلى قطتها الأثيرة الحبيبة لديها، ووالله إنك تنظر في حال كثير من كبار الأثرياء والأغنياء الذين وسع الله عليهم بالمال، فلا تجد لهم فضلاً إلا فضل الشهادة؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإلا فالعقول متقاربة، فإن هذا الإنسان الذي يجمع الأموال الطائلة ويبخل بها حتى على نفسه لا عقل له، كما قال الله عز وجل: وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ [محمد:38].
فواعجباً ممن يتعب في جمع هذه الأموال، ويقضي فيها ليله ونهاره، مع أنه يرى أن هذه الأيام والليالي كل يوم تنقله مرحلة إلى القبر وتقربه منه، وتبعده عن العمل الصالح وتحول بينه وبينه، ثم واعجباً من ذلك!!
هذا فضلاً عما يفعله كثيرٌ من أولئك من ارتكاب الحرام في جمع الأموال وجمع الحطام؛ من أكل الربا وأكل أموال اليتامى، ومن الغش والخيانة والزور والكذب إلى غير ذلك من الوسائل، وليس الكلام فقط عن أصحاب الأموال، بل أنت تجد مثل ذلك في أصحاب الوظائف الذين يتوسلون إلى الوصول إلى المناصب بكافة الوسائل المحرمة، وفي أصحاب الدنيا بأصنافهم وألوانهم.
فلا بد -أيها الإخوة- من وقفة تأمل عند نهاية هذا العام، يتذكر فيها الإنسان أن الله عز وجل حينما قسم الدنيا إلى قرون، وقسم القرن إلى سنين، وقسم السنين إلى شهور، والشهر إلى أسابيع، والأسبوع إلى أيام، واليوم إلى ساعات، والساعة إلى دقائق، والدقيقة إلى ثوان ولحظات، أن يتذكر الإنسان أن الله عز وجل جعل لكل مناسبة وظائف، فيأتي الإنسان مناسبة شهر رمضان ثم إذا خرج منها جاءته مناسبة أيام الحج والعشر، ثم إذا خرج منها جاءته مناسبة بداية العام وشهر المحرم، ثم إذا خرج جاءته مناسبة وهكذا، حتى يتذكر الإنسان ويستدرك ويأخذ من يومه لأمسه، كما قال الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [الفرقان:62] أي: إذا فات الإنسان عمل الليل استدركه بالنهار، وإذا فات الإنسان عمل النهار استدركه بالليل، ولذلك كان من عمل النبي صلى الله عليه وسلم: {أنه إذا غلبه عن صلاة الليل نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة} صلاها في الضحى، فيستدرك ما فاته بالليل في النهار.
وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: {من نام عن حزبه بالليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل} قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [الفرقان:62]، ويقول الله عز وجل: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ [الإسراء:12] وهي القمر وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَة [الإسراء:12] وهي الشمس: لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً [الإسراء:12].
فإن من الحكمة في تقسيم السنين والشهور والأيام: معرفة الحوادث وعدد السنين والحساب، وابتغاء الفضل من الله عز وجل، وتذكر ما مضى، وأن يعي العاقل فيستدرك، ويأخذ مما بقي لما مضى.
وأريد أن أشير إلى نتائج إيجابية، فأعظم نتيجة إيجابية تحققت للأمة خلال عشر سنوات مضت هي قضية الصحوة الإسلامية، التي أصبحت واقعاً وحقيقة لا يمكن أن يتجاهلها أحد، وقد رأينا أحوال المسلمين في بلاد شتى، فلا تجد بلداً إلا وتجد الصحوة فيه، كالإنسان الذي قعد سنيناً طويلة مريضاً، ثم كتب الله تعالى له العافية فبرئ وقام، وأصبح يحاول أن يغير كثيراً.
وقد مررنا في بعض البلاد غير الإسلامية، بحي من الأحياء التي للمسلمين، فأصبحنا نتلفت فنجد مكتبة السلام، مكتبة النور، دار المعرفة، دار العلم، مكتبات بلا عدد، ثم تجد محلات التسجيل الإسلامية؛ فتجد التسجيلات والأشرطة، ثم تنظر فتجد المطاعم الإسلامية؛ فتجد اللحم الحلال والذبح على الطريقة الشرعية، فتساءلنا وقلنا سبحان الله! هذا شيء طيب. فقال لنا بعض الإخوة: لو أتيتم قبل خمس سنوات لما رأيتم من ذلك شيئاً، فلم يكن في هذا المكان إلا أماكن للدعارة والبغاء وبارات الخمور وأماكن الفساد واللهو الحرام، ولا تكاد تجد مكتبة ولا مطعماً إسلامياً ولا محلاً لتسجيل الأشرطة الإسلامية، لكن هذا نورٌ أفاضه الله تبارك وتعالى على عباده، فأشرق عليهم بعد ظلام.
فهذه الصحوة -الآن- أصبحت صحوة عارمة عامة طامة في كل مكان ولله الحمد، وهذا نصر تحقق خلال عشر سنوات، لكن يجب أن نقول بعد ذلك: على مدى عشر سنوات قادمة يا ترى ما الذي يجب أن نفعله؟
بل ما الذي يجب أن تحققه هذه الصحوة الإسلامية؟
ومن البشائر -أيضاً- والنتائج الإيجابية: أن الإسلام أصبح شيئاً عظيماً لا يهم حتى أعداء الدين بالنيل منه، فالذين كانوا بالأمس من الشيوعيين وأعداء الدين يسبون -أحياناً- الإسلام، وقد يسبون الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد يسبون رب العزة جل وعلا، غيروا لهجتهم وأصبحوا لا يستطيعون -الآن- أن يقولوا هذا، بل قد يسبون العلماء أو الدعاة، أو ينالون من المصلحين، ولا يستطيعون أن يتجرءوا على النيل من الدين، بل ينالون من أهل الدين، وهذا دليل على أن الدين أصبح له عزة وقوة.
شيء آخر: بعض اليساريين وأعداء الدين، الذين كانوا بالأمس -وإن تمسحوا بالإسلام، أو كتبوا عن الدين للتجديد وقد قرأت لبعض هؤلاء- كانوا بالأمس يقولون: إن الإسلام لا يصلح أن يحكم في الواقع؛ لأن الدنيا تغيرت والأمور اختلفت. والآن تغيرت اللهجة وأصبحوا مقتنعين بأنه لا بد أن يحكم الإسلام بلاد الإسلام.
فأوجدنا -بحمد الله- على مدى عشر سنين وأكثر، قناعة عند الناس بأن الإسلام دين هذه الأمة، وهو الذي يجب أن يحكمها في جليل الأمور وحقيرها وصغيرها وكبيرها، وقد اعترف بذلك حتى الذين كانوا بالأمس يرفعون شعار العلمانية، أو الماركسية، أو القومية، أو البعثية، أو الناصرية، أو غيرها من الشعارات الدخيلة على هذه الأمة، فأصبحوا يعترفون الآن -إن صدقاً وإما على سبيل أنهم يركبون الموجة- بأنه لا بد من الإسلام، وهذا مكسب عظيم.
إذن لا بد أن ننتقل الآن إلى مسألة أنه لا بد أن يستقر الإسلام في واقع الأمة الإسلامية في كل صعيد؛ فيجب أن يستقر الإسلام في مجال الاقتصاد ويتخصص لذلك أهله، ويجب أن يستقر الإسلام في مجال الصحة والطب ويتخصص في ذلك أهله، ويجب أن يستقر الإسلام في العلوم الاجتماعية ويتخصص لذلك أهله، ويجب أن يستقر الإسلام في مجال التعليم ويتخصص في ذلك أهله، ويجب أن يستقر الإسلام في مجال الإعلام ويتخصص لذلك أهله، ثم يكون هناك التعليم الشرعي الصحيح الذي يخرج لنا العلماء والفقهاء الذين يرعون المسيرة ويضبطونها.
أكثر ما يتحدث الناس به أنهم يلوون ويقلبون رؤوسهم ويقولون: سبحان الله! ما أسرع الأيام والليالي! ثم بعد ذلك تجد طائفة كبيرة منهم ينحون باللائمة والسب على الدهر.
يقول الإمام ابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر، وهو كتاب مفيد نفيس، ينبغي لطالب العلم أن يقرأه ويتأمله ويحذر ما فيه من السقطات، فإن الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في هذا الكتاب نَقدَ في ثلاثة مواضع أو أكثر من يسميهم بالمشبهة، وكأني به يقصد بذلك أهل السنة والجماعة، فغفر الله تبارك وتعالى لنا وله وتجاوز عنا وعنه، لكن الكتاب في الجملة كتاب مفيد، وفيه عبر وعظات، يقول في هذا الكتاب: ما رأت عيني مصيبة نـزلت في الخلق أعظم من سبهم للزمان وعيبهم للدهر، وقد كان هذا في الجاهلية، ونهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: {لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر} وفي الحديث الآخر -الحديث القدسي- يقول الله عز وجل: {يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر} يقول ابن الجوزي: ومعناه: أنتم تسبون من فرق شملكم وأمات أهليكم وتنسبونه إلى الدهر، والله تعالى هو الفاعل لذلك كله، حتى رأيت الحريري أبا القاسم يقول:
ولما تعامى الدهر وهو أبو الردى >>>>>عن الرشد في أنحائه ومقاصده
تعاميت حتى قيل عني أخو عمى >>>>>ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده
فانظر كيف أخطأ الحريري فنسب الدهر إلى العمى، ونسب إليه الأحداث والأعمال، وإن الله تعالى هو الذي يقلب الليل والنهار، وهو الذي يفعل ما يشاء ويختار.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
نعيب زماننا والعيب فينا >>>>>وما لزماننا عيب سوانا
وقد نهجوا الزمان بغير جرم >>>>>ولو نطق الزمان بنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب >>>>>ويأكل بعضنا بعضاً عيانا
أما هذه الشمس التي تطلع علينا فوالله الذي لا إله غيره إنها هي الشمس التي طلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، بل هي الشمس التي طلعت على آدم وموسى وعيسى وهارون وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا الليل الذي يظلنا هو الليل الذي أظلهم وأظلم علينا، وهذا النهار هو نهارهم.
أما الديار فإنها كديارهم >>>>>وأرى نساء الحي غير نسائها
الذي اختلف هو الإنسان فنحن الذين تغيرنا، ولهذا عاد اللوم علينا كما قال الشافعي:
نعيب زماننا والعيب فينا >>>>>وما لزماننا عيب سوانا
نحن المعيبون والملومون، والزمان لا ذنب له في ذلك، فالناس هم الذين يفعلون الأحداث، حتى العادات التي تنتشر في عصر أو بيئة إنما يصنعها الناس، وأحياناً تجد الإنسان يفعل شيئاً ويقول: هذه عادة لا أستطيع أن أتركها. وهذه العادة من الذي أوجدها؟
ومن الذي جعلها عادة؟
فما الذي أوجدها أنا وأنت وفلان وفلان فالعادة هي ما اعتاده الناس، وأخذوا عليه، فالناس هم الذين يصنعون عاداتهم وتقاليدهم وينشرونها فيما بينهم.
ما مضى فات والمؤمل غيب >>>>>ولك الساعة التي أنت فيها
فإن الإنسان يتذكر في هذه المناسبة وجوب الاستعداد للموت، وتذكر القبر والبلاء وألا يغفل الإنسان:
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى >>>>>ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم >>>>>محاها مجال الريح بعدك والقبر
فإن من مضى، أخبارهم في الكتب والدواوين وعلى أفواه الرجال، أما من تراهم وتعاينهم فهم بين عينيك، يوماً بعد يوم يفقد الناس راحلاً إلى القبر، قد انقضت أيامه وتصرمت ساعاته وأعوامه، وانقضى أجله وارتهن بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وهذا يذكر بقضية طول الأمل، يقول الله عز وجل: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: {لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنتين: حب الدنيا، وطول الأمل} وهذا من العجب فإن الإنسان يكبر ويكبر معه أمله، وإنك لتعجب -أحياناً- أن تجد شيخاً بلغ التسعين فتجد أنه قد عقد آمالاً عراضاً! مع أنك قد لا تعجب من شاب في سن العشرين، وإن كان هذا عجباً في الواقع، لأن هذا الشاب في سن العشرين ليس معه صك أنه سيعيش كذا وكذا من السنين، وهو يرى من زملائه وإخوانه من تخرمته المنايا وانتهى في سن الشاب، وكما ذكر أبو الحسن التهامي حين كان يرثي ولده:
شيئان ينقشعان أول وهلة >>>>>ذل الشباب وصحبة الأشرار
يا كوكباً ما كان أقصر عمره>>>>>وكذا تكون كواكب الأسحار
جاورت أعدائي وجاور ربه>>>>>شتان بين جواره وجواري
ومكلف الأيام ضد طباعها >>>>>متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما >>>>>تبني الرجاء على شفيرٍ هار
فاقضوا مآربكم عجالاً >>>>>إنما أعماركم سفر من الأسفار
حتى ابن العشرين ما يدري لعل هذه ليلة لا يدركه صباحها، أو يوم لا يدركه مساؤه!
بل رب ساعة لا يدركها! ورب نفس يخرج ولا يدخل، أو يدخل ولا يخرج! فهذا هو كل ما في الأمر. لكن قد تقول: الشباب يغتر بشبابه، واسوداد شعره وحيويته وقوته ونشاطه وإقبال الدنيا عليه، لكن تعجب من شيخ بلغ الستين أو السبعين أو الثمانين وربما التسعين، ومع ذلك يعقد الآمال العراض، فهو يشتغل في المزرعة ويبني العمارة ويجمع الأموال والدور ويبني القصور:
يؤمل آمالاً ويرجو نتاجها >>>>>وأرى وعلَّ الردى مما يرجيه أقربا
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه، وقد صعد على درج مسجد دمشق فقال: [[يا أهل دمشق! ألا تسمعون من أخ لكم محب ناصح مشفق؟! إن من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويؤملون بعيداً، فأصبح جمعهم بوراً وبنيانهم قبوراً، وأملهم غروراً. هذه عاد التي ملئت البلاد، وأكثرت فيها الفساد، أهلاً ومالاً وخيلاً ورجالاً، ثم صاروا إلى ما صاروا إليه، فمن يشتري مني تركتهم بدرهمين؟
تمر بنا الأيام تترى وإنما >>>>>نساق إلى الآجال والعين تنظر
فلا عائدٌ ذاك الشباب الذي مضى >>>>>ولا زائل هذا المشيب المكدر
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بمنكبه وقال له: كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل} والغريب: هو إنسان أتى إلى بلد يريد أن يقيم فيها أسبوعاً أو أسبوعين ثم يرتحل، فهل عهدتم أن الغريب يشتري بيتاً فخماً وسيارة فخمة، ويتوظف ويعمل ويشتغل ويبني ويمد الحبال الطويلة؟
كلا! بل الغريب يقتصر على الأشياء اليسيرة، ولو أتيت إلى إنسان في رمضان -مثلاً- أو في الحج فتقول له: يا أخي استأجر بيتاً وأثث هذا البيت وافرشه وضع فيه مكيفات وثلاجات وغسالات. فسوف يضحك عليك ويقول: يا سبحان الله! كأنني سوف أجلس سنة أو سنتين، كل مقامي في مكة شهر أو أسبوع أو أسبوعان ثم أغادر.
ثم أضربَ عن ذلك عليه السلام وقال: {أو عابر سبيل} وعابر السبيل ربما كان أشد من الغريب؛ لأن الغريب قد يجلس فترة، لكن عابر السبيل لا يجلس إلا يوماً أو أقل من ذلك، ثم يستمر في طريقه وسفره، وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك]].
ويقول بعض المعلقين على هذا الكتاب: حصل لي ذلك مرتين؛ مرة كنت في نهر فكدت أن أغرق، فتغيرت الأمور في عيني، سبحان الله! وقلت: إن أعطيت عمراً فسأفعل كذا وأفعل كذا، ومرة أخرى وقع له نظير ذلك.
يقول: ولو استمررت على ما كنت عليه لكنت من الصالحين، أما الآن فيقول: لا أكاد أن أستنشق ذلك الأنس ولا مجرد استنشاق. لا يكاد يتذكر ذلك.
فإن العبد -حتى الكافر- إذا نـزل به الأجل عرف الأمور على حقيقتها، ولذلك من دعاء بعض الصالحين أنه كان يقول: اللهم إني أسألك أن تريني الأمور على ما هي عليه.
يقول بعض الواعظين: وهذا الدعاء يدل على عظيم فقهه، ولو عرفتم الأمور على ما هي عليه، لتغيرت أشياء كثيرة في حياتنا، فمثلاً: هذه الدنيا التي أخذت جزءاً كبيراً من جهدنا ووقتنا وتفكيرنا وعرقنا، هل عرفناها على ما هي عليه؟
كلا! متى نعرفها على ما هي عليه؟
نعرفها على ما هي عليه إذا وقعنا في المصيدة وفي الفخ، فهنا عاد تقييم الإنسان من جديد، وبدأ ينظر في هذه الدنيا، ويغضب ويمقت نفسه حتى لو استطاع أن يقتلها قبل أجلها لفعل من شدة مقته لها، لكن ليس هناك فائدة، فقد فات الأوان.
إذن فليحرص الإنسان على أن يعرف الأمور على ما هي عليه، فمثلاً: الشهرة؛ فكثير من الناس يركض وراء الشهرة ويسعى إليها ويحرص عليها ويفرح بها، حتى من الصالحين، ولو عرف الأمور على ما هي عليه لأدرك أن هذا لا يغني عنه من الله شيئاً، وحينما يكون في حال الاحتضار، فوالله إن الناس كلهم عنده أمثال النمل لا يأبه بهم ولا يكترث، فلا يفرح بمدح المادحين ولا يحزن لقدح القادحين، ولا يفرق بين عدو ولا صديق، ولا يكترث لقريبٍ ولا بعيد، قد شغله ما هو فيه عن أمر الناس. فإنا نقول: اللهم إنا نسألك أن ترينا الأمور على ما هي عليه. واجعل هذا من دعائك الذي تدعوا به في المناسبات.
أولاً: وجوب الإسراع بالتوبة؛ فإن العبد لا يدري متى يحال بينه وبينها.
ثانياً: وجوب رد المظالم إلى أهلها؛ فإن العبد إذا مات حيل بينه وبين ذلك، ويلقى الله عز وجل بحقوق الناس.
ثالثاً: الحزم بالأعمال الصالحة؛ فلا تؤجل وتؤخر وتقول: غداً أعمل وبعد غد أعمل، يقول بعض السلف: [[أنذرتكم سوف]] فالأعمال الآن التي تستطيع أن تعملها فاعلمها الآن، أما المستقبل فدعه ولا تنتظر شيئاً في المستقبل.
رابعاً: كتابة الوصية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها؛ وهو أن يكتب الإنسان وصية، ولا شك أن من كان عليه حقوق للناس يجب عليه أن يوصي بها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي به يبيت ليلة إلا ووصيته عنده مكتوبة}.
فيا أخي الحبيب! إذا انصرفت من مجلسك هذا فأحضر ورقة وقلماً واكتب وصيتك، كما كتب الصالحون وصاياهم، واكتب مالك وما عليك، وأوص أهلك وزوجتك وأولادك بتقوى الله عز وجل، واذكر ما عليك من الحقوق، وما تريد أن توصي به، واحذر من التسويف؛ فكم من إنسان كان يريد أن يوصي لكنه حيل بينه وبين الوصية، كان يريد أن يوصي بثلث ماله لكن لم يوص، فحيل بينه وبين ذلك وأصبح ماله كله للورثة.
ذلك أن الإنسان قد يسمع الموعظة وينفعل لها ويتأثر بها، بل قد يفكر في نفسه وفي أمره وفي دنياه وما هو مقبل عليه، وهو مؤمن يعرف الموت ويعرف البعث والجزاء والحساب والجنة والنار، ويعرف هذه الأمور كلها، ولو كان كافراً أو جاهلاً لقلنا: هو منطقي مع نفسه يعمل للدنيا؛ لأن الدنيا غاية ما يريد.
لكن هذا مؤمن بالبعث بعد الموت، وبلقاء الله ويعرف ذلك كله، ثم مع هذا العلم والمعرفة تجد الإنسان يسوف ويماطل ويؤجل في التوبة والندم وعمل الصالحات، فيا ترى ما هو السبب في ذلك؟
أولاً: رؤية الهوى العاجل.
فإن ذلك يشغل عن العواقب، ويوقع في المعصية، فإذا رأى الإنسان هوىً لاح له ربما استغرق في هذا الهوى حتى يغفل عن عواقبه.
مثاله: إنسان يدري أن الزنا حرام، وأن عواقبه في الدنيا وخيمة، من سواد الوجه والفقر والذل والوقوع في المحرمات وأنواع العقوبات، ثم العقوبة في الآخرة وهي عظيمة، ومع معرفة ذلك كله، فإنه ربما رأى امرأة جميلة فتعلق بها، فدعاه داعي الشهوة الحاضرة وغلب عليه، حتى غطى على العلم الذي في قلبه، فالسبب الأول: هو اتباع الهوى.
وقل مثل ذلك في المال، فالإنسان يعرف أن الربا حرام، لكن جاءته صفقة بالملايين فرأى أنه لا يستطيع أن يفرط بها، وهو يعرف أنها حرام، لكن داعي الهوى والشهوة والتعلق بذلك أغفله عن العمل بالعلم الذي يعرفه.
ثانياً: الغفلة.
وأكثر الناس غافلون، فتجد السلطان غافلاً في الأمر والنهي، لا يكاد يسمع موعظة أو نصيحة إنما يسمع المديح والثناء، فتحجب عنه عيوبه وذنوبه ومساويه، وترفع له حسناته، بل يختلق من غير الواقع له حسنات وفضائل لم تكن له، فتلصق به وتدعى له، ويسمعها بأذنه صباح مساء، فلا يزال في غفلة وغرور وهو ينتقل في شهواته ومطامعه في ذلك، فهو غافل عما خلق له.
وتأتي -مثلاً- إلى طبقة أخرى وهي التجار؛ فالتاجر مشغول بأمواله وصفقاته، حتى إنه ربما أوى إلى فراشه فتقلب ساعات وهو يدير أموره وأمواله وحساباته، وربما أذن الفجر وهو لم ينم، وربما لم يستمتع حتى بدنياه، فزوجته إلى جواره قد لا يستمتع بها، والطعام يوضع بين يديه فلا يأكله، لماذا؟
لأنه مشغول غافل مستغرق في الدنيا وفي هذا المال الذي يركض وراءه.
وتأتي إلى صاحب الوظيفة وصاحب المنصب الذي أعطي منصباً ونسي المسكين أن الكرسي دوار! فصار يتطلع إلى كرسي أكبر، ويعد العدة ويخطط الخطط والوسائل.
وأستار غيب الله دون العواقب
ويتذرع بوسيلة بعد وسيلة يتطلب منصباً أعلى، حتى سقط على رأسه وذهب تشيعه اللعنات مأزوراً غير مأجور، كما قال صلى الله عليه وسلم: {شرار أئمتكم الذين تلعنونهم ويلعنونكم، وخيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم} فيغفل في طلب وظيفته وكرسيه حتى يأتيه ما يبعده عنها، فإن بقي فيها فالموت له بالمرصاد.
تأتي إلى طبقة الفلاحين فتجدهم مشغولين. وتأتي إلى طبقة النساء فتجدهن مشغولات. وتأتي إلى الطلاب فتجدهم مشغولين. وكل طبقة مشغولة غافلة لاهية مستغرقة بعمل معين، لا تفكر في الأمر الذي خلق له كل هؤلاء.
ثالثاً: من أسباب تأجيل التوبة رجاء الرحمة. فيقول العاصي: ربي غفورٌ رحيم، خلِّ بيني وبين ربي، ونقول: هذا صحيح، ولكنه شديد العقاب! وكيف تأمن من هذا الغفور الرحيم الذي شرع في هذه الدنيا أن تقطع اليد في مالٍ يسير؟
فالنصاب الذي تقطع فيه اليد هو ثلاثة دراهم، إذا توفرت الشروط، فكيف تأمن مع ذلك أن يعاقبك ويأخذك بذنبك؟
وكيف تأمن أن يرد توبتك؟
ورب إنسان يدخل النار في ذنب واحد! ألم تعلم أن آدم أخرج من الجنة بذنب واحد؟!
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي >>>>>درج الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله أخرج آدماً >>>>>منها إلى الدنيا بذنب واحد!
والواحد منا يفعل في اليوم الواحد من الذنوب ما لا يعلم به إلا الله، فرجاء الرحمة -أحياناً- يغفل الإنسان.
وإن هذه مناسبة للتوبة، فإننا الآن في شهر الله المحرم، وفي بداية العام، وقد تاب الله في هذا الشهر على قوم؛ فقد تاب على بني إسرائيل كما ورد في حديث وإن كان فيه ضعف: {إن الله تاب فيه على قومٍ ويتوب فيه على آخرين} فاجعل نفسك ممن تاب الله عليهم في هذا الشهر، خاصة وأنك تتذكر أنك انتقلت من مرحلة إلى أخرى، وتذكر وأنك إن لم تتب فإن الله تعالى قد يأخذك بذنبك: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99].
قد يؤخذ الفرد بذنبه، وقد تؤخذ الأمة بذنبها أيضاً، فإنه لا أحد يعلم الموازين عند الله جل وعلا، فقد تفعل ذنباً مستهيناً به فيسخط به الله تبارك وتعالى عليك، ويقول: لا أغفر لك بعدها.
وقد يأخذك الله به في هذه الدنيا ويعجل لك به العقوبة، فيأخذك أخذ عزيز مقتدر، وحتى لو أبطأت وأجلت في التوبة، فما هو الذي يؤمنك إذا أخرت التوبة، ألا يبقى أثر الذنب عندك؟!
ألم تعلم أن آدم عليه السلام لما أتاه أهل الموقف ليشفع لهم اعتذر بذنبه، وموسى اعتذر بذنبه، وإبراهيم اعتذر بذنبه، مع أنهم قد تابوا منها لكن منعتهم من الشفاعة. فما الذي يؤمنك إن ظللت مقيماً على ذنوبك أن يسود بها وجهك، ويتغير قلبك، ويفسد بها طبعك، ويضيق بها رزقك، ويتكدر بها عيشك؟
فسارع إلى التوبة قبل أن يكتب عليك.
كل شيء كبير خطير، يطول طريقه ويكثر التعب في تحصيله. ألم تر كيف أن الإنسان إذا توجه إلى طلب العلم احتاج إلى سهر الليل وتعب النهار، والسهر بالأسحار والظمأ والتعب وتفويت المصالح والانكباب، وربما أصابه جهد في بدنه أو ضعف في بصره، أو فاته كثير من مصالحه حتى يحصل على شيء من العلم الشرعي.
حتى قال أحد الفقهاء: والله لقد بقيت سنة أشتهي الهريسة ولم أحصل عليها، وذلك لأن وقت بيعها كان وقت سماع الدرس، والهريسة طعام من الحلوى اللذيذة، ويمكن أن نعبر عنها بلغتنا الحاضرة بما يسمونها بالجميدة، مع أن الهريسة شيء آخر لكن هذا مثال، فطالب العلم يريد أن يروح عن نفسه فيأكل بعض الأطعمة التي يستحليها الناس ويستحسنونها، والجميدة هي ما يشتهر على ألسنة العامة بالآيسكريم، وقد اقترح بعضهم أن تسمى بالجميدة، وهذا اسم لا بأس به، فيكون تعويضاً عن اسم أجنبي لأن الآيسكريم اسم غير عربي.
المهم أنه يقول: بقيت سنة أشتهي الهريسة ما أكلتها؛ لأن وقت بيعها كان وقت سماع الدرس. ففاته هذا من أجل ألا يفرط في خمس دقائق في حضور درس العلم.
وقل مثل ذلك بالنسبة لتحصيل المال، كيف ترى التاجر يبذل من الوقت والجهد في تحصيله؟
كذلك الشرف، فإذا أراد الإنسان أن يحصل على شرف بالكرم والجود ويوصف بأنه جواد كريم، تجده يجمع الأموال الطائلة ثم يفرقها بمناسبة أو وليمة أو عزيمة أو غيرها، وعلى الفقراء والمساكين والمحتاجين، فكم يتعب في تحصيل المال، ثم يجاهد نفسه لأن المال محبوب عند الجميع، ومن قال إنه لا يحب الدنيا فكأنه يكذب في ذلك.
وهكذا كل أمر عظيم جليل لا بد فيه من علو الهمة، فما بالك بإنسان يريد أن يحصل ذلك كله! وما بالك بأقوام ما رضوا من الفضائل إلا بتحصيل جميعها! فهم يريدون أن يحصلوا على العلم وعلى العمل بأكمله، فلا بد أن يكون عندهم همة عالية.
لأن ما من إنسان إلا وعنده همَّة، فيَهُم وينوي شيئاً مهما كان، فكل حيء عنده همة، لكن من الناس من همته في الدنيا، وهمته في تحصيل الزوجات، كلما حصل على امرأة طلب غيرها، ولا يزال هكذا لأنه يجد عيباً يعيب في المرأة القريبة منه، وأما البعيدة الغريبة فإنه لا يعرف عيوبها، فيستحسنها ويستمدحها ويطلبها بالحلال أو بالحرام، فالناس في ذلك أصناف، وهذا لا شك أنه ضيع همته في غير طائل، ولا ينتهي إلى نهاية.
يقول الشاعر:
والمرء ما دام ذا عين يقلبها >>>>>في أعين العِين موقوف على الخطر
أي: ما دام أن الإنسان له عين يقلبها في النساء، وينظر إلى هذه وإلى هذه، فمعناه أنه لن ينتهي إلى نهاية، وهو كالذي يشرب من البحر، ولذلك يقول ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر فيما معناه: من عرف النساء رضي بزوجته.
وياليت النساء يسمعن حتى نحصل على الجوائز الثمينة!!
لأن الإنسان بطبيعته يضع عيوب زوجته أمام ناظريه، أما النساء البعيدات فلا يضع منهن إلا الحسن، حتى إن من الناس في هذا البلد من كان له زوجة حسناء ومع ذلك كان مبتلى بالنظر؛ فإذا رأى امرأة غريبة نظر إليها حتى تغيب عنه، وإن كان لا يفعل أكثر من هذا، فيوم من الأيام عرفت زوجته عنه هذا فتنكرت بلباسٍ، ثم مرت من عنده فوجدته ينظر إليها حتى تجاوزته، ثم ذهبت السوق الآخر ودخلت البيت فجاء الرجل ورأته مهموماً ضيق الصدر، فقالت له: مالك يا أبا فلان؟
فأبى أن يخبرها، فما زالت به حتى قال: رأيت امرأة فأعجبتني وتمنيت أن تكون لي، فقالت: هي والله أنا، وإنما عرفت ذلك من أمرك فأحببت ألا تغتر بكيد الشيطان.
فكان لا ينظر بعد ذلك إلى النساء.
وهذا أمر مشاهد بالعيان.
فمن الناس من يكون هذا شأنه، يقول ابن الجوزي: كنت أسمع فلاناً -وسماه- الواعظ على المنبر يقول: والله لقد بكيت البارحة من يد نفسي.
قال ابن الجوزي: فبقيت أتفكر.
وأقول: أي شيء قد فعلت نفس هذا حتى يبكي؟
فهو رجل متنعم، له الجواري التركيات، وقد بلغني أنه تزوج في السر بجملة من النساء، ولا يطعم إلا الغاية من الدجاج والحلوى، والدجاج في ذلك الوقت يعتبر أفخر أنواع اللحوم، وله الدخل الكثير والمال الوافر والجاه العريض، والإفضال على الناس، وقد حصل طرفاً من العلم واستعبد كثيراً من العلماء بمعروفه، وراحته دائمة -وهذا الكلام لـابن الجوزي وكأني أحس أن الإمام ابن الجوزي رحمه الله غير راضٍ عن هذا الشخص- يقول: فما الذي يبكيه؟
فتفكرت في هذا فعلمت أن النفس لا تقف على حد، بل تروم من اللذات ما لا منتهى له، وكلما حصل لها غرض برد عندها وطلبت سواه، فيفنى العمر ويضعف البدن، ويقع النقص ويرق الجاه، ولا يحصل المراد؛ وليس في الدنيا أبلد -أي: أكثر بلادة- ممن يطلب النهاية في لذات الدنيا، وليست في الدنيا على الحقيقة لذة.
فالسعيد من إذا حصلت له امرأة أو جارية فمال إليها ومالت إليه وعلم سترها ودينها؛ أن يعقد الخنصر على صحبتها، وأكثر أسباب دوام محبتها ألا يطلق بصره، فمتى أطلق بصره وأطمع نفسه في غيرها، فإن الطمع في الجديد ينغص الخلق، وينقص المخالطة، ويستر عيوب الخارج، فتميل النفس إلى المشاهد الغريب، ويتكدر العيش مع الحاضر القريب.
والمرء ما دام ذا عين يقلبها >>>>>في أعين العِين موقوف على الخطر
فمن الناس من هذا غاية همه ونهاية همته؛ فيطمع في الزوجة بعد الزوجة، والمرأة بعد المرأة، ومثل ذلك همم الدنيا وهي كثيرة؛ الأموال والمناصب والشهرة إلى غيره ذلك.
لكن العاقل من يجعل همته في الآخرة، فإذا وصل إلى مستوى طمع إلى ما هو فوقه، فينظر إلى الصالحين والزهاد والعباد، ولذلك تجد كثيراً من الناس اليوم لو سألته: من تحب أن تكون مثله في الدنيا؟
لبحث عن أكثر الأثرياء والأغنياء، وقال: مثل فلان.
لكن لو سألته في الدين والآخرة هل يقول: مثل فلان الزاهد، أو فلان المجاهد، أو فلان العابد، أو فلان العالم؟!
قلَّ من يقول ذلك! بل تجده يقول: يكفيني أن أصلي الفروض الخمسة في المسجد، وعسى الله أن يعيننا عليها، وعسى أن نقوي أنفسنا عليها.
منها: أنه مرتاح البال، يحس بأنه فعل ما يرضي الله، ولم يرتكب معصية أو محرماً، ويعلم أن هذا من حلال.
ومنها: أنه قد منع نفسه من الحرام فتجمعت قوته لذلك، فقد منع نفسه من كثرة النظر وارتكاب الفواحش وغيرها، فتجمعت قوته في مصب واحد، فكان أكثر متعة من غيره.
ومنها: أنه منع نفسه من التشتت في أنواع التجارب، مثلاً -عافانا الله وإياكم- من يبتلون بالوقوع في الزنا، تجد الواحد منهم ذواقاً لا يكاد يقف عند حد ولا ينتهي إلى غاية، بل كلما وقع في المعصية دعته إلى معصية أخرى وجرته إلى شر منها، فهو مثل الذي يوقد النار ويضع عليها الحطب فلا يزال في سعير.
أما المطيع الذي اقتصر على الحلال، فإن الله عز وجل يورثه ويعوضه في الدنيا من الأنس بذلك واللذة ما لا يجده الذواقون وأصحاب الشهوات، وشتان بينهما.
ومن أسباب تلذذ المؤمنين واستمتاعهم بهذه الدنيا: أن الواحد منهم يستشعر أن في هذا طاعة لله عز وجل وقربة إليه، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: { وفي بضع أحدكم صدقة} حتى وهو يأكل أو يشرب أو يأتي أهله أو ينام؛ يحس أن هذا يكتب له به أجر وله به صدقة، وهو في ميزان حسناته، فيفرح بذلك ويسر له، فحتى الدنيا والله فاز الصالحون بخيرها، فالخيرون والطيبون والمتدينون ذهبوا بخيري الدنيا والآخرة.
أحبتي الكرام: لنتأمل أي خير في أموال طائلة لا يجني منها صاحبها إلا الهم والحزن؟!
وأي خير في لذات عاجلة ذهبت وبقي الإثم؟!
وأي خير في منصب لا يجني الإنسان من ورائه إلا السب والشتم واللعن والدعاء من الصالحين؟!
فأي خيرٍ في مثل هذه الأعمال؟
لا خير فيها -والله- أبداً.
روى الترمذي عن أبي بكرة رضي الله عنه: {أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من خير الناس؟ قال: من طال عمره وحسن عمله، قال: فمن شر الناس؟ قال: من طال عمره وساء عمله} قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وللحديث شواهد عن عبد الله بن بسر وأبي هريرة وجابر رضي الله عنهم أجمعين.
فطول العمر للمؤمن خير، ويعجبني أن أنقل لكم كلمتين لإمامين في مسألة طول العمر.
الكلمة الأولى: لـابن الجوزي رحمه الله يقول في كتاب صيد الخاطر (ص114) يقول: دعوت يوماً فقلت: اللهم بلغني آمالي من العلم والعمل، وأطل عمري لأبلغ ما أحب. قال فعارضني وسواس من إبليس، فقال: ثم ماذا؟
أليس الموت؟
فما الذي ينفع طول الحياة؟
فقلت له: يا أبله -ابن الجوزي يحاور إبليس وهو يعاتبه ويخاطبه ويوبخه- لو فهمت ما تحت دعائي وسؤالي لعلمت أنه ليس بعبث، أليس في كل يومٍ يزيد علمي ومعرفتي، فتكثر ثمار غرسي يوم حصادي؟
أفيسرني أنني مت منذ عشرين سنة؟
لا والله، لأني ما كنت أعرف الله تعالى معرفتي به اليوم، وكل ذلك ثمرة الحياة التي فيها اجتنيت أدلة الوحدانية، وارتقيت عن حضيض التقليد إلى يفاع البصيرة، واطلعت على علوم زاد بها فيها قدري، وتجوهرت بها نفسي، ثم زاد غرسي لآخرتي، وقويت تجارتي في انقاذ المباضعين من المتعلمين -أي: في الدعوة إلى الله، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور- فياليتني قدرت على عمر نوح، فإن العلم كثير، وكلما حصل منه حاصل نفع ورفع.
ما أجمل هذا الكلام! فإن بعض الناس من التزهد والتوعظ قد يقول لك: يا ليتني أموت الآن، فقد كثرت المعاصي وكذا وكذا...، وهذا بسبب أنه لا يعلم خيراً، ولا ينفع الناس، لكن ابن الجوزي رحمه الله لأنه كان واعظاً، وربما تاب في مجلسه الواحد مائة وخمسون من العصاة، وأسلم على يديه مئات من أهل الذمة، وله أثر عظيم ملموس، لذلك كان يقول وينادي: يا ليتني قدرت على عمر نوح، فإن العلم كثير، وكلما حصل منه شيء نفع ورفع.
أما الكلمة الأخرى فإنها كلمة لأحد الدعاة المهتدين المعاصرين، وهو الشيخ الأستاذ سيد قطب رحمه الله يقول في كتابه أفراح الروح؛ وهو كتاب لذيذ مفيد لو حفظ لم يكن هذا كثيراً عليه، يقول في (29):
لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة، لقد أخذت من الحياة كثيراً -أعني: لقد أعطيت- ولقد عملت بقدر ما كنت مستطيعاً أن أعمل، وهناك أشياء كثيرة كنت أود أن أعملها، لو مدَّ لي في الحياة، لكن الحسرة لن تأكل قلبي إذا لم أستطع، إن الآخرين سوف يقومون بها، إنها لن تموت إذا كانت صالحة للبقاء، فأنا مطمئن إلى أن العناية التي تلحظ هذا الوجود لن تدع فطرة صالحة تموت -أي: الأفعال التي يريد أن يعملها ولم يستطع أن يعملها يقول: سوف يوفق الله من يعملها من بعدي- فلم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة، لقد حاولت أن أكون خيراً بقدر ما أستطيع، أما أخطائي وغلطاتي فأنا نادم عليها، وإني أكل أمرها إلى الله، وأرجو رحمته وعفوه.
ثم يقول: -وأريد من الإخوة أن يبينوا لي ما رأيهم في هذه الكلمة-: أما عقابه فلست قلقاً من أجله، فأنا مطمئن إلى أنه عقاب حق وجزاء عدل، وقد تعودت أن أتحمل تبعة أعمالي خيراً كانت أو شراً، فليس يسوءني أن القى جزاء ما أخطأت حين يقوم الحساب.
أما نحن فنقول: رحمه الله وغفر لنا وله.
وأنا في رأيي أن هذه الكلمة -وإن كانت ولا شك صادرة عن شعور معين عند الرجل- لكن فيما يظهر من حقيقة معناها أنها ليست سليمة؛ لأن الواقع أن العبد ينبغي أن يخاف من ذنوبه، فكما أنه يرجو الله تعالى لأعماله الصالحة، كذلك يخاف من ذنوبه، وهذا هو منهج الأنبياء والمرسلين، قال الله عز وجل: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].
لكن الإنسان -أحياناً- قد يغيب عنه أحد هذه المعاني، فيدعو الله رغباً فحسب، أو رهباً فحسب، أو حباً فحسب، وهذا -لا شك- يعتبر نقصاً، والكمال ما كان عليه الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام، فإنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعون الله تعالى رغباً ورهباً، أي: رغبةً فيما عنده. وخوفاً من عقابه، فينبغي للعاقل أن يخاف من ذنوبه، لأن الله تعالى لو عاقب الإنسان بذنوبه لأدخله ناره وحرمه من رحمته، لكن يستغفر الله ويسأله عز وجل من فضله.
والأشهر الحرم الأربعة هي: محرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة، ولذلك تقول العرب: الأشهر الحرم أربعة، منها ثلاثة سرد وواحد فرد، أما الثلاثة السرد فهي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، وهي ثلاثة أشهر متوالية، وأما الفرد فهو: رجب، ولذلك يسمى رجب الفرد أحياناً؛ لأنه منفرد عن بقية الأشهر الحرم.
ومن حكمة الله تعالى أن بدأ السنة الهجرية بشهر حرام، وهو محرم، وختمها بشهر حرام وهو ذو الحجة.
والمحرم قال بعض العلماء: إنه أفضل الأشهر الحرم، قال الحسن البصري رحمه الله: [[إن الله افتتح السنة بشهر حرام، وهو المحرم، واختتمها بشهر حرم وهو: ذو الحجة، وإن أعظم شهر في السنة عند الله بعد رمضان شهر الله المحرم. وقد جاء اسمه هكذا في السنة شهر الله كما في صحيح مسلم وسنن النسائي: {أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه شهر الله الذي تدعونه المحرم} وإنما نُسب إلى الله تعالى تعظيماً له، كما يقال: بيت الله وناقة الله وما أشبه ذلك، فإنما نسبته إلى الله تعالى نسبة تشريف وتعظيم، فهو من أشرف الشهور وأفضلها وأعظمها عند الله تعالى. وكان يسمى الأصم، بل ورد هذا في حديث مرفوع لكنه مرسل عن الحسن البصري، وذلك لشدة تحريمه عند الله تعالى. وقد جاء في سنن النسائي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: {سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الليل خير؟ وأي الأشهر أفضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: خيرُ الليل جوفه، وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم
ومن فضائله: أنه يستحب فيه الصيام، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم } وليس المقصود أنه أفضل الصيام على الإطلاق، لكن صوم النفل على قسمين:
القسم الأول: صوم نفل مقيد: مثل الست من شوال، وأيام البيض، وما أشبه ذلك، فهذا يكون أفضل من المحرم.
القسم الثاني: نفل مطلق غير محدد، فهذا أفضله المحرم.
مثل الصلوات، فهناك نوافل مقيدة، مثل الرواتب قبل الصلاة وبعدها، فهذه أفضل حتى من قيام الليل، وهناك نوافل مطلقة، كأن: تصلي بعد الظهر ما شاء الله لك، أو بعد المغرب تصلي ما شاء الله لك، فهذا قيام الليل أفضل منه، وهكذا الشأن في موضوع صيام شهر الله المحرم.
ومما يستحب صيامه في محرم يوم عاشوراء: وهو اليوم العاشر؛ لأنه يومٌ نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه، والكلام في يوم عاشوراء يطول، لكن يوم عاشوراء كان يُصام في الجاهلية، وكان يوماً تكسى فيه الكعبة، وكانت اليهود أيضاً تصومه، ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه، حتى جاء في الصحيحين من حديث الربيَّع وغيرها: {أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي في القرى القريبة من المدينة: من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن كان صام فليصم فكانوا يُصَوِّمون صبيانهم، فإذا بكى أحدهم أعطوه اللعبة من العهن حتى يكون عند الإفطار} أي: يعطونه اللعبة يلعب بها ليصوم حتى الغروب.
فأمر الناس بالصيام في ذلك اليوم، ولهذا ذهب جماعة من الفقهاء كـأبي حنيفة وغيره إلى أن صيام يوم عاشوراء كان واجباً، فلما فرض رمضان أصبح سنة. ولا يزال جمهور العلماء يرون أن صيام يوم عاشوراء مستحب، وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة: {أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عاشوراء، فقال: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله}.
فيستحب للإنسان أن يصوم عاشوراء، وفي صحيح مسلم أيضاً: أنه صلى الله عليه وسلم قال: {لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع} فمات صلى الله عليه وسلم، فيستحب أن يصوم اليوم التاسع معه، ويكره بالصيام؛ لأن في ذلك مشابهة لليهود، بل يستحب أن يصوم الإنسان يوماً قبله، وإن صام يوماً قبله ويوماً بعده إفراده كما ذهب إلى هذا ابن القيم واعتبر أن هذا هو الأكمل كما في زاد المعاد، فلا حرج عليه، لكن هذا لم يرد فيه نص، وإنما يستحب أن تصوم التاسع والعاشر.
وفي بعض الكتب يقولون: إن الحيوانات تصوم، ويذكرون أن واحداً فتَّ للنمل فما أكلت في يوم عاشوراء، وذكروا قصصاً، وهذه كلها تهاويل لا حقيقة لها، وهو باطل؛ لأن هذه الحيوانات لو كانت تصوم لكان أفضل لها أن تصوم رمضان، فرمضان أفضل من عاشوراء، ولعل هذا من اختلاق بعض أهل الكتاب، وتلقاه عنهم بعض المسلمين وذكروه في كتبهم، وهو مما ينبغي الإعراض عنه.
كذلك من الأشياء التي ينبغي أن نتفطن لها في موضوع عاشوراء: أن فيه بدعاً يقع فيها بعض الناس؛ فبعض الناس يخصصون يوم عاشوراء بخصائص، فمنهم من يغتسل في يوم عاشرواء، ومنهم من يكتحل أو يتزين أو يختضب، وكل هذه الأشياء بدع ولا تنبغي، بل في هذا مضاهاة لليهود؛ لأنهم يعتبرون يوم عاشوراء يوم عيد، ولهذا نحن حين نصومه ونصوم يوماً قبله حققنا أمرين:
أولاً: أنه ليس يوم عيد؛ لأن أيام العيد لا تصيام عندنا نحن المسلمين.
ثانياً: أننا كذلك صمنا يوماً قبله لئلا نوافق اليهود في صيامهم.
وكذلك من البدع العظيمة ما تفعله الرافضة في هذا اليوم، فإنهم في بلادهم كلها وفي الأماكن التي يوجدون فيها، يخرجون جماعات في الأسواق، ويعملون التمثيليات ويركبون الخيول والإبل، وينوحون ويصيحون، ثم يخلعون ملابسهم ويأتون بالسلاسل والسكاكين، فيضربون بها وجوههم وجنوبهم وظهورهم وتسيل الدماء ويسقط الجرحى والقتلى، ويعتبرون القتلى شهداء في هذا اليوم، حتى صنف بعض خبثائهم ومشعوذيهم كتاباً في شهداء يوم عاشوراء.
وهذه من الألاعيب التي يلعب بها الشيطان على أتباعه ومريديه؛ حتى إنهم يصبحون أضحوكة للأطفال والصبيان والسفهاء، ومع الأسف الشديد أصبحوا في هذا العصر أضحوكة حتى للكفار، فقد بلغني في عام مضى أنه في التلفزيون البريطاني، عرضوا مشهداً مطولاً عما تفعله الشيعة في يوم عاشوراء، وأتوا بالدماء تسيل والجراح والسكاكين وهؤلاء يتساقطون، والذي يضرب بيده، والذي يضرب بنعله، والذي يضرب بسلسلة، والذي يضرب بأشياء تشمئز منها النفوس، ومع الأسف لا يقولون إن هؤلاء هم الرافضة أو الشيعة، بل يقولون: هؤلاء هم المسلمون، فيعطون صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، وآخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله.
اللهم اجعل هذا العام هالاً علينا بالأمن، وهذا الشهر هالاً علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والتوفيق فيما تحبه وترضاه، إنك على كل شيء قدير.
اللهم اجعل ما نستقبل من أيامنا خيراً مما نستدبر، ووفقنا ويسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى.
اللهم اجعل هذا العقد عقد خيرٍ ونصر للإسلام والمسلمين، اللهم ارفع به كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وارفع به التوحيد وأهله وأذل به الشرك وأهله، اللهم انصر به المجاهدين في كل مكان، وأقر أعيننا بنصر الإسلام والإيمان يا حي يا قيوم يا ديان إنك على كل شيء قدير.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
والحمد لله رب العالمين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , إيحاءات العام الجديد للشيخ : سلمان العودة
https://audio.islamweb.net