اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتنة الدجال للشيخ : محمد إسماعيل المقدم
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من عرف مدلولها لما تلاها، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بين كلمة التوحيد لفظها ومعناها، وجاهد عليها بلسانه وسنانه حتى أقرها وحمى حماها.
اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه الذين عضوا على سنته بالنواجذ وتمسكوا بعراها، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه -يعني: استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه- فقال بعض القوم: سمع ما قاله فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: هأنذا يا رسول الله! قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) يعني: من علامات اقتراب الساعة تضييع الأمانة، فسئل كيف إضاعتها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، وهذه هي محنة المسلمين في هذا الزمان، بل ومن قبل أزمان طويلة جداً، وتوسيد الأمر إلى غير أهله ليس فقط في أمور الوظائف والأمور العامة فيتخبط الناس كما فعل عبد الناصر -وأوهم الناس أنها منقبة عظيمة جداً، وأنها من العدل والحرية- حين جعل نصف المقاعد في المجلس النيابي للعمال والفلاحين، ولاشك أن العمال والفلاحين فئة من فئات المسلمين، لكن تدبير أمور المسلمين وتسيير حياتهم ومعاشهم تحتاج إلى ذوي كفاءة وعلم وبصيرة وفقه بالشرع وبأمور الدنيا والسياسة والاقتصاد، فكيف يكون نصف هذه المجالس التي تتخذ القرارات أناساً ليسوا من أهل هذا الأمر؟!
هم يتقنون العمل، ويتنقون الزراعة، لكن ليسوا أهلاً لأن يوظفوا في هذه الوظائف، ويتخذوا القرارات المصيرية، فهذا من توسيد الأمر إلى غير أهله، وهذا من أشراط الساعة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: (بين يدي الساعة سنوات خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه)، وفي بعض الروايات: (الرجل السفيه يتكلم في أمر العامة)، فهل هذا يوافق شرع الله تبارك وتعالى أن يعطى نصف المقاعد النيابية لأناس ليسوا أهلاً؟!
والديمقراطية خبيثة، ولكن ياليتهم إذ اتبعوها أن يحترموها.
وروى الطحاوي في مشكل الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع) لكع غالباً تكون في التحقير كما قال عمر للجارية التي تقنعت: تتشبهين بالحرائر يا لكاع؟! وهذا يوصف به الشخص اللئيم أو الحقير أو التافه.
قال: (يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع، وأفضل الناس مؤمن بين كريمين) فوضع الرجل المناسب في المكان المناسب هو أحد القواعد الهامة التي لا تصلح حياة البشر بدونها، فلذلك تجد الفترات التي يتولى فيها الحكم أصحاب الكفاءات العالية من أصحاب الصلاح والتقى فترات مضيئة مشرقة في تأريخ الأمة الإسلامية، وأكبر خطأ يفسد نظام الحياة أن يتولى الحكم والولايات والمناصب أقوام غير أكفاء، يقودون الحياة بأهوائهم، ويترك الأخيار القادرون على تسيير الأمور إلى الأمثل والأفضل.
هذا في الوظائف العادية، فما بالك بوظيفة لا يصلح لها أي مخلوق ولا حتى الأنبياء والأولياء والملائكة، وليس من حقهم أن يشاركوا الله فيها، وهي وظيفة التشريع وتحليل الحرام وتحريم الحلال؟! فهذه لا يوجد بشر هو أهل لها، إنما هذا حق خالص لله تبارك وتعالى.
بعض الحكام تشغلهم الشهوات والمتع عن رعاية أمور المسلمين، وبعضهم لا يعرف الحق، فإذا به يحمل الناس على ما لا يعرفون، وينشر بينهم البدع والضلالات والمنكرات.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ستكون أمراء تشغلهم أشياء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فاجعلوا صلاتكم معهم تطوعاً يعني: صلوا الصلاة في أول الوقت، ثم إذا خرجوا إلى الصلاة فصلوا وراءهم وانووا بها النافلة.
وروى مسلم وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع لم يبرأ.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، ويحدثون البدع، قال ابن مسعود : فكيف أصنع؟ قال: تسألني -يا ابن أم عبد - كيف تصنع؟! لا طاعة لمن عصى الله.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأذن بالخروج على أمثال هؤلاء الحكام الذين كانوا يقيمون الصلاة ولكن يؤخرونها عن مواقيتها لما يترتب على ذلك من الفتن وسفك الدماء، فلا يجوز الخروج عليهم ماداموا آخذين بشريعة الله على وجه العموم، ففي سنن النسائي وصحيح ابن حبان بإسناد صحيح عن عرفجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ستكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة -أي: يريد أن يفرق أمة محمد صلى الله عليه وسلم- كائناً من كان فاقتلوه، فإن يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض.
والمقصود أن واقعنا اليوم يشهد باقتراب الساعة، فقد ظهرت هذه العلامة ظهوراً بيناً، فصار يوسد الأمر إلى غير أهله، خاصة في وظيفة التشريع التي لا يمكن أبداً أن يوجد في البشر من يكون أهلاً لها، قال الله: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80] فهذا مما لا ينبغي إلا لله تبارك وتعالى.
وتوسيد الأمر إلى غير أهله أحد أشراط الساعة، والعلامات الكبار التي تكون قبل قيام الساعة كثيرة، ونقف اليوم عند أعظم فتنه تقع على الإطلاق في تاريخ البشر.
روى البخاري في صحيحه في كتاب الفتن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، ولكنني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: إنه أعور، وإن الله ليس بأعور).
وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي ألا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب: كافر).
وفي سنن الترمذي وسنن أبي داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الدجال : (إني لأنذركموه، وما من نبي ألا أنذره قومه، ولقد أنذر نوح قومه، ولكنني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس! إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا حذر أمته من الدجال ، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة) ومن أجل ذلك بالغ النبي عليه الصلاة والسلام في التحذير من فتنة المسيح الدجال ؛ لأن كل نبي لم يكن خاتماً للأنبياء مثله، فلابد أن يأتي في أمته.
وكلمة الدجال معناها الكذاب، وقد سمي دجالاً؛ لأنه يغطي الحق بباطله يقال: دجل البعير بالقطران إذا غطاه بالقطران كنوع من العلاج، ودجل الإناء بالذهب إذا طلاه، وقال ابن دريد : سمي الدجال لأنه يغطي الحق بالكذب، وقيل: لأنه يغطي الأرض.
وهذه الملحمة معركة كبيرة هائلة تقع بين المسلمين وبين الصليبيين، وسببها هو قتل ذلك النصراني الذي يرفع الصليب ويقول: غلب الصليب، وقد جاءت أحاديث تصف هذه المعركة وهولها، وكيف يكون صبر المسلمين فيها، ثم يكون النصر للمسلمين على أعدائهم، وسيكون في صفوف المسلمين أعداد كبيرة من النصارى الذين أسلموا وحسن إسلامهم.
إذاً: المقصود من قوله: (فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم فأمهم) يعني: توجه إليهم وقصدهم كما في قوله تعالى: وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ [المائدة:2]، قال: (فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه المسيح ولم يقترب منه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته).
وفتح القسطنطينية المذكور في حديث الملحمة فسره حديث رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاءوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها) هذا الحديث ما حدد اسم هذه المدينة، لكن وصفها بأن جانباً منها في البر، وجانباً منها في البحر، فعامة العلماء يقولون: المقصود بها القسطنطينية وهي الآن اسطنبول، لكن بعض العلماء المعاصرين رأى أن هذه المدينة قد تكون مدينة البندقية (فينيسيا) في إيطاليا، فإن انطباق هذا الوصف عليها أكثر من انطباقه على القسطنطينية (اسطنبول)؛ لأن البندقية هي المدينة التي تتخللها المياه، وجانب منها فعلاً في البر، وجزء كبير من بيوتها مبني في داخل البحر، فمن رأى اسطنبول ورأى البندقية يدرك أن البندقية أقرب إلى الوصف المذكور في هذا الحديث من القسطنطينية.
وفي هذا الحديث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق) بعض العلماء قال: المحفوظ هو: (من بني إسماعيل)، وليس هناك إشكال سواء كانوا من بني إسماعيل أو من بني إسحاق، لكن هذه الرواية الثابتة فيها أنهم سبعون ألفاً من بني إسحاق، فلا يبعد أن يكون هذا دليلاً على دخول عدد كبير جداً من الغربيين في دين الإسلام في ذلك الزمان، فيسلمون ويكونون في جيوش المسلمين، بحيث إنهم يغزون هذه المدينة، وهذا ليس بمستبعد، حتى أن محمد الفاتح العثماني ليس من بني إسماعيل، فهو تركي غير عربي، ومع ذلك هو الذي فتح القسطنطينية الفتح الأول، وكان أغلب الجيش العثماني من غير العرب، بل ما حمى الإسلام جيش مثل الجيش التركي الذي يسمى الآن في كتب التاريخ بالاستعمار العثماني أو الاحتلال التركي! وهذا من فعل أعداء المسلمين في تزييف التاريخ، ونفي أمجاد المسلمين، حتى يقضوا حتى على بقايا الشعور بالولاء أو المحبة أو الاعتزاز بذلك الماضي المجيد، فالآن تسمم عقول أولادنا في المدارس بوصف العثمانيين بأنهم المحتلون الأتراك، ويبغضونهم إلى الشباب بكل وسيلة ممكنة!
يقول: (لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاءوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم) يعني: يفتحون هذه المدينة بالتهليل وبالتكبير فإذا قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر سقط أحد جانبيها، قال ثور - أحد رواة الحديث- : لا أعلمه إلا قال: (يسقط أحد جانبيها الذي في البحر، فيقولون الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولون الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرج لهم فيدخلونها فيغنمون، فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون).
والحقيقة أن هذه عادة الفتن دائماً، فالإنسان إذا تساهل وعرض نفسه للفتن فمهما كان واثقاً من نفسه فإنه ربما وهن وضعف وانهزم أمامها، فالبطل ليس الذي يتعرض للفتن ثم يثبت، لكن البطل هو الذي لا يعرض نفسه أصلاً للفتن، ولا يعرض نفسه للامتحان؛ لأنه قد ينجح وقد يفشل، أما إذا لم يتعرض فإن السلامة لا يعدلها شيء.
في فتنة المسيح الدجال يأتيه الرجل وهو واثق من نفسه، ويقطع يقيناً بأن هذا دجال كاذب مبطل، ثم إذا أتاه ورأى وعاين ما معه من المخاريق والخوارق والأمور العجيبة ينهار ويؤمن بـالدجال والعياذ بالله، ويكفر بالله تبارك وتعالى.
فـالدجال أشد فتنة سوف تقع على ظهر هذه الأرض، ويقدره الله -بإذنه الكوني القدري- على بعض الخوارق فتنة وامتحاناً وتمحيصاً للناس ليميز الله الخبيث من الطيب.
الكثير من المسلمين في هذا الزمان قد يفتنون ببعض الناس لمجرد إتيانهم ببعض الأمور الخارقة للعادة أو حتى غير الخارقة للعادة لكنها تثير الإعجاب، فلا يزنون هذا الشخص وأفكاره ومنهجه بميزان الكتاب والسنة، وإنما بهذه الأشياء، يسمعون مثلاً عن ساحر أو مستعين بالجن يخترق سور الصين الذي يسمونه بالعظيم، ويمر من خلاله فيجدونه انتقل إلى الجهة الأخرى -وهذا يحصل بمخاريق وحيل- فيفتنون بذلك.
وعندما خرج علينا دجال هذا العصر الخميني ببعض المواقف التي بعد عهد الناس بأمثالها من رؤساء المسلمين من قرون عديدة؛ انبهروا وفتنوا به، ورفعوا الشعار المفضل عندهم دائماً: سوف نمشي وراءك ونتبعك، ويتمحلون الأدلة لأجل تزييف هذا الباطل، ولا يزنون الأمر بالميزان الشرعي، ما عقيدة هذا الرجل؟ ما حقيقة منهجه؟ ما موقفه الحقيقي من الإسلام؟ فينخدعون بمثل هذه الأشياء وهي ليست من الخوارق، فقيسوا ما أتى به هؤلاء الناس بالنسبة إلى ما سوف يأتي به الدجال ، فـالدجال معه من الخوارق ما هو أعظم وأشد من هذه الأمور التي تبهركم، فهو الدجال الأكبر، فلا تغتر بأي رجل صوفي أو مخرف أو ضال أو مبتدع أو ساحر أو كاهن أو حتى رجل ظاهره الصلاح لكن يخالف منهجه الكتاب والسنة.
صدر كتاب حديثاً اسمه الحرب العالمية الثالثة بين الإسلام والغرب، ومؤلفه إما سني مغفل وإما شيعي خبيث يستر اسمه بالاسم المستعار الذي وضعه على غلاف الكتاب، فالكتاب فيه دجل وكذب وافتراء وتزيين للباطل، ومنذ الصفحة الأولى تكتشف أن هذا رجل شيعي أو مغفل ممن ينتسب إلى السنة اسماً وهو لا يفقه حقيقة دينه، فكل الكتاب عبارة عن تمجيد للخميني ، وأن الخميني حفيد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن الرسول تنبأ بـالخميني ، وأن بعد الخميني سيأتي رجل يملك سنتين، وبعد ذلك سيخرج المهدي .
فالشاهد أننا نعاني بين وقت وآخر من فتن يفتن بها بعض الناس، بل عامة المسلمين إذا حضروا جنازة مبتدع أو ضال يقولون مثلاً: الجنازة كانت خفيفة تجري أو حصل له كذا من الخوارق، وقد تحصل خوارق، ولكن الخوارق في حد ذاتها ليست دليلاً على الصلاح، فلا تغتر برجل ولو رأيته يطير في الهواء أو يمشي على الماء حتى تزنه بميزان الكتاب والسنة، فإن رأيته مستقيماً ورأيت منه الخارقة، ولم تر فيها ما يعارض الكتاب والسنة؛ فلا بأس أن تكون كرامة، لكن إن كان هناك مجرد حصول خوارق مثل خوارق الهنود الهنادكة وغيرهم فما أكثر من يقدر على فعل أشياء من هذه الخوارق!
أحد الإخوة حدثني أنه في صباه ذهب إلى الملاهي التي كانت موجودة في محطة الرملة، وهذا الأخ جلس في مكان بعيد بحيث لا يقع تحت تأثير سحر عيون الناس الذين يشاهدون، فأتى الساحر بامرأة نومها تنويماً مغناطيسياً، ثم أظهرها أنها نائمة في الهواء معلقة، فالتقط صاحبنا صورة فوتوغرافية فجأة لهذه المرأة، فبعد تحميض الصورة ظهر في هذه الصورة رجال يحملونها، لكن الناس لم يكونوا يرون هؤلاء الرجال! فلهم حيل وخوارق معروفة.
ولعلكم سمعتم عن الرجل الأمريكي الذي يفعل مثل هذه الأشياء الغريبة، وقال: إنه سيأتي مصر ويخترق الهرم الأكبر، فهذه الأشياء لا تهز الإنسان الذي عنده إيمان ويقين، فإن الدجال سيفعل أضعاف ما يفعل هؤلاء، ويقدره الله -بإذنه الكوني القدري- على خوارق تذهب الألباب، وتطير العقول، ولا يثبت إلا من ثبته الله، فلابد أن نستصحب هذا الأمر دائماً أمام من يحتج بأن عادة خارقة حصلت للشيخ الفلاني، حتى القساوسة يفعلون هذه الأشياء، مثل ما يصنعونه بين وقت وآخر في كنيسة الزيتون في القاهرة، ويفرح النصارى لذلك، وهذه حرفة يستخدمونها منذ عهد قديم للدجل والتلبيس على أتباعهم، ولتثبيت أقدامهم على دينهم المهزوز والمهزول والمحرف، والمؤمن لو أتاه جميع أهل الأرض بألف خارقة مما فيها تزيين دين النصارى فهو يعلم أنهم كاذبون قطعاً، فهؤلاء كذابون، لكن يعملون حيلاً يتقنونها من أجل خداع الناس، وربما استعانوا بالسحر أو الجن أو غير ذلك من الحيل كحيل الحاوي الظريف ليفتنوا الناس عن دينهم، فأنت على عقيدة التوحيد لا تهتز لخوارق العادات؛ لأن الخارقة في حد ذاتها ليست دليلاً من دلائل الصلاح أو التقوى، فهذا هو الدرس المستفاد مما يكون مع الدجال من الخوارق، وإذا قست أحوال هؤلاء بأحوال الدجال فسوف تجد أن الدجال أقدر منهم على ذلك بإقدار الله إياه فتنة وابتلاء للعباد، فليحذر الإنسان أن ينخدع بهذه الأشياء، ولا يحيد أبداً عن ميزانه الدقيق لكل الأمور.
الدجال يأتي بأعمال خارقة يروج بها باطله، حتى إن الرجل يأتيه ظاناً أن أمره لن يخفى عليه، وأن باطله لن يروج عليه، فعندما يرى ما عنده من مخاريق يتبعه، ففي سنن أبي داود عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع بالدجال فلينأ عنه) يعني: إن سمع أنه في بلد فليهرب إلى بلد أبعد، وإذا لم يستطع فليصعد إلى الجبال، وليختبئ في الجبال، ولا يدفعك الفضول فتقول: أنا عندي إيمان وعندي يقين، فسوف أذهب لأراه، فإني لا أشك أنه دجال، فقد نصح النبي عليه الصلاة والسلام أمته بهذه النصيحة العظمى: (من سمع بـالدجال فلينأ عنه)، وهذه هي طريقة المؤمن في الفرار من الفتن، لا يتعرض لها، وأي فتنة إذا وجد المسلم له سبيلاً ليسلم منها فليسلكه، سواء فتنة مجالسة أهل البدع والضلال، أو الجلوس أمام الظالمين والفاسقين والنظر إلى صورهم، فهذا يحدث تأثيراً في القلب، ويضعف القلب، والنظر إلى الفساق في الأجهزة المعروفة له تأثير سيء على القلب، فيمرضه، ويضعف الإيمان واليقين فيه.
قال عليه الصلاة والسلام: (من سمع بـالدجال فلينأ عنه، فوالله! إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات). من نظر في أمر الدجال نظر معتبر علم يقيناً أنه مبطل، وأن صفات الربوبية غير متحققة فيه، فهو بشر مسكين عاجز على الرغم مما يجري على يديه، يأكل ويشرب وينام ويبول ويتغوط، ومن كانت هذه حاله كيف يكون إلهاً معبوداً ورباً للكائنات؟!
ومع وضوح ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا كثيراً عن صفاته وأحواله كي يعرفه المؤمنون الذين يخرج في عصرهم، وكي يستطيعوا مواجهته، ولا يغتروا بباطله، وكل هذه الصفات تبطل مذهب الضالين المبتدعين الذين يكذبون بأحاديث الدجال، مع أنها متواترة، ويحاولون الهروب منها، كان المعتزلة في الماضي حين لا تعجبهم بعض الأحاديث يؤولونها ويحرفون معانيها، والآن اجترأ المبتدعون أكثر، فما أهون عليهم أن يكذبوا بالأحاديث رأساً! أما المبتدعون الأوائل فما كانوا يقوون على التكذيب، وإنما كانوا يؤولون ويحرفون المعاني.
وفي مسند أحمد وأبي داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا، إن المسيح الدجال رجل قصير أفحج أدعج أعور أو جعد أعور مطموس العين، ليست بناتئة ولا حجراء، فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور، وأنكم لن تروا ربكم) يعني في الدنيا، فالله عز وجل ليس كمثله شيء، وهذا أول شيء يعرفه المؤمن عن ربه، ولكن ربما لا تصمد بعض القلوب أمام فتنة الدجال إذا قال لهم: هل تصدقون أني ربكم إذا أتيتكم بالآيات الفلانية التي لا يقدر عليها إلا الله؟ فيقولون: نعم، فيفعل أشياء خارقة مثل إحياء الميت وغير ذلك، فيفتنون ويغفلون عن الصفات التي جعلها الله عز وجل في المسيح الدجال مما يدل دلالة ظاهرة على بطلان دعواه، وعلى كذبه ودجله.
يقول عليه الصلاة والسلام: (إن المسيح الدجال رجل قصير أفحج) الأفحج: الذي به فحج، وهو اعوجاج في الساقين أو تباعد في الفخذين، فصفاته الظاهرة كلها عيوب، فكيف يكون إلهاً؟!
الله ليس كمثله شيء، ولا يعرف كيف هو إلا هو، ومع ذلك يبين النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأوصاف مع أن حاله ظاهر تماماً، وعلى الأقل إن كان هو الله الذي يمنح الناس الجمال ففاقد الشيء لا يعطيه، فكيف خلق من هو أجمل منه في حين هو ظاهر بهذه العيوب الخلقية، ومنها أنه أفحج الساقين يمشي مشية الأطفال الذين يعانون من لين العظام (الكساح).
وفي صحيح ابن حبان ومسند الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدجال أعور، هجان أزهر، ورأسه أصلة...) الهجان هو الأبيض، والأبيض هو أيضاً معنى الأزهر، وهذا لا ينافي كونه أحمر كما ذكرنا؛ لأن البياض يشرب بحمرة فيوصف أحياناً بهذا ويوصف بهذا، ومنها قولهم في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه: الحميراء يعني: البيضاء.
وقوله: (ورأسه أصلة) الأصلة: هي الحية الضخمة العظيمة أو القصيرة، والعرب يشبهون الرأس إذا كان صغير الحجم وكثير الحركة بالحية.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (أشبه الناس بـعبد العزى بن قطن ، فإما هلك الهلك) يعني: لو كل هذه الصفات لم تنفع في تنفير الناس من دعوته، وإظهار بطلان أمره، وهلك الناس في اتباعه مع ظهور هذه القبائح في شكله (فإن ربكم ليس بأعور).
وشبه الرسول صلى الله عليه وسلم تلك العين بالعنبة الطافية، يعني: أنها جاحظة إلى الخارج، وفي حديث آخر: وصف عينه اليمنى بكونها (عوراء جاحظة لا تخفى، كأنها نخاعة في حائط مجفف) يعني: كنخاعة في جدار، فهي ظاهرة القبح.
وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: (أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية)، وفي حديث آخر: (وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في حائط مجفف، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري).
وهي مع ذلك ممسوحة كما في الحديث الذي رواه مسلم : (الدجال ممسوح العين) .
وفي بعض الروايات في مسلم : (العين التي ذهب ضوءها -وهي الممسوحة- عليها غفرة غليظة)، والغفرة جلدة تنبت عند المآقي، وتغطي العين.
وقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام العين التي يرى بها فقال: (الدجال عينه خضراء كالزجاجة).
أيضاً: من العلامات التي جعلها الله تبارك وتعالى في الدجال علامة لا يعرفها إلا المؤمنون فقط دون غيرهم ممن طمس الله بصائرهم، هذه العلامة كتابة بين عينيه نصها: ك ف ر، مكتوبة بين عينيه على جبهته، وهذه الكلمة كل مسلم -حتى المسلم الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب- يستطيع أن يقرأها بإقدار الله تبارك وتعالى إياه على ذلك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب: كافر).
وفي رواية أخرى: (مكتوب بين عينيه: ك ف ر).
وفي حديث أبي أمامة : (مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب).
وفي صحيح مسلم : (مكتوب بين عينيه: كافر يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن) وهذه الكتابة على حقيقتها، ليست رمزاً ولا مجازاً كما يزعم بعض الضالين، ولكنها علامة وكتابة حقيقية من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، يظهرها الله عز وجل لكل مسلم كاتب أو غير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا مانع من ذلك.
أيضاً من صفات الدجال أنه عقيم لا يولد له كما في صحيح مسلم .
إذاً: صفات الدجال صفات بها نقص كبير، فكيف يصح لمثل هذا المخلوق الضعيف المربوب دعوى الربوبية؟! والله لا يرى في الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم: (تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت).
الدجال غير سوي الخلقة، ففيه عيوب لا تخفى منها أنه أعور، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليس بأعور -وأشار بيده إلى عينيه- وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، وإن عينه عنبة طافية).
ومنها أنه أفحج، وهو: تباعد ما بين الساقين أو الفخذين، وقيل: اقتراب صدور القدمين مع تباعد العقبين، وقيل: هو الذي في رجله اعوجاج.
يقول القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله: في اختلاف صفات الدجال بما ذكر من النص بيان أنه لا يدفع النقص عن نفسه كيف كان، وأنه محكوم عليه في نفسه، ولو كان حاكماً لحكم على نفسه بالجمال أو بحسن الصورة.
فالأوصاف التي جاءت في الأحاديث تدل على أنه عاجز عن أن يدفع النقص عن نفسه، فلو كان رباً لأزال النقص الذي في نفسه، فعدم إزالته لعيوبه دليل على أنه مربوب مقهور لا يستطيع أن يتخلص من عيوبه.
والنبي صلى الله عليه وسلم بالغ في بيان كونه أعور؛ لكون العور أثراً محسوساً يدركه العالم والعامي ولو لم يهتد إلى الأدلة العقلية، فمن رآه أعور يشعر بأنه ناقص وأنه مربوب.
ومن فتنته التي يمتحن الله بها عباده أن المسيح الدجال يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت في الحال، ويدعو البهائم فتتبعه، ويأمر الخرائب أن تخرج كنوزها المدفونة فتستجيب، ففي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر -يريد أن يكافئهم عندما آمنوا به رباً وإلهاً- والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم -المواشي- أفضل ما كانت دراً، وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل) يعني: جماعات ذكور النحل، فالكنوز تخرج من الأرض وتنشق عن الأرض وتطير في الهواء تتبعه!
ومن فتنته: أنه يقتل فيما يظهر للناس ذلك الشاب المؤمن ثم يدعي أنه أحياه، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً طويلاً عن الدجال ، فكان مما حدثنا أنه قال: (يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل أنقاب المدينة، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال -لمن حوله- : أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. فيقتله ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم)، فيكون أشد بصيرة بأنه الدجال ؛ لأن هذا الشاب يعلم بهذا الحديث المشهور، ويعلم أنه الشاب الذي شهد له رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنه من خير الناس يومئذ.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه).
وفي رواية أخرى في صحيح مسلم : (يخرج الدجال ويتوجه قبله رجل من المؤمنين، فتلقاه مسالح الدجال، -وهم المراقبون والخفراء الذين يحملون السلاح ويجلسون في مراكز المراقبة- فيقولون له: أين تعمد؟! فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج! فيقولون له: أوما تؤمن بربنا؟! فيقول: ما بربنا خفاء. فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم أن تقتلوا أحداً دونه؟ فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن يقول: يا أيها الناس! هذا المسيح الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأمر به الدجال فيشبح -يعني: يمد على بطنه- فيقول: خذوه وشدوه، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً، فيقول: أوما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم، فيستوي قائماً -يعني يعود حياً- ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، ثم يقول للناس: يا أيها الناس! إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس -لأن هذا الشاب يعرف هذا الحديث- فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً، فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين) وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.
لكن يظهر أمره للمسلمين عندما يصل إلى مكان بين العراق والشام، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله! فاثبتوا) وهذه وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم سأل الصحابة رضي الله عنهم النبي عليه الصلاة والسلام عن المدة التي يمكثها الدجال في الأرض فقال: (أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم) يوم كسنة يعني ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، ويوم كشهر أي: ثلاثين يوماً، ويوم كجمعة سبعة أيام، ثم باقي أيامه سبع وثلاثين يوماً، فمجموعها يكون حوالى أربعمائة وتسعة وثلاثين يوماً، فهي أربعون يوماً لكن منها يوم مدته من الفجر إلى أن ينتهي ذلك اليوم سنة كاملة، ولذلك قال الصحابة رضي الله عنهم: (يا رسول الله! فذاك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟! قال: لا، اقدروا له قدره)، وبهذا الحديث يفتي العلماء الناس الذين يعيشون في الأماكن التي لا تكاد تغرب الشمس فيها إلا قليلاً جداً، فالليل تكون مدته عندهم ساعة أو أقل، فيفتونهم أن يقدروا مواقيت البلاد المعتدلة ويصلون بحسبها، وهذه الإجابة من الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: (اقدروا له قدره) تدل على أن هذا الطول طول حقيقي غير مجازي.
وقال صلى الله عليه وسلم: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة) الطيالسة جمع طيلسان، وهو ثوب يلبس على الكتف يحيط بالبدن خال من التفصيل.
ذكر أبو نعيم أن إحدى القرى التابعة لمدينة أصبهان كانت تدعى اليهودية، وكانت تخص سكنى اليهود، ولم تزل كذلك حتى مصرها أيوب بن زياد في زمن المهدي بن المنصور العباسي ، فسكنها المسلمون وبقيت لليهود منها قطعة.
و الدجال عند اليهود اسمه المسيح بن داود ، وهم يزعمون أنه يخرج آخر الزمان فيبلغ سلطانه البر والبحر، وتكون معه الأنهار، وهم يزعمون أنه آية من آيات الله، ويرد إليهم الملك في وقته، وقد كذبوا في زعمهم هذا، بل هو مسيح الضلالة الكذاب، أما مسيح الهدى عيسى بن مريم فإنه يقتل الدجال مسيح الضلالة كما يقتل أتباعه من اليهود، والمسلمون والنصارى ينتظرون نزول المسيح عيسى للمرة الثانية، واليهود ينتظرون مجيء المسيح للمرة الأولى، والنصارى يزعمون أنه يعود بصفته ابن الله، وثالث ثلاثة والعياذ بالله! فضلت النصارى كاليهود في هذا، أما أهل الحق فيعتقدون أن المسيح عيسى ينزل داعية إلى دين الإسلام، ومتبعاً لسنة خير الأنام صلى الله عليه وسلم، وحاكماً بالقرآن والسنة، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويحكم الناس بكتاب الله تبارك وتعالى.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل المدينة رعب المسيح، لها يومئذ سبعة أبواب، على كل باب ملكان).
وأيضاً يقول عليه الصلاة والسلام: (يأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة حتى إذا جاء دبر أحد تلقته الملائكة فضربت وجهه قبل الشام، هناك يهلك، هناك يهلك) يعني: نهايته في الشام.
وأيضاً جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة حافين تحرسها، فينزل بالسبخة -وهي الأرض الرملية التي لا تنبت بسبب الملوحة التي فيها- على أطراف المدينة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات يخرج إليه منها كل كافر ومنافق) فالمدينة تهتز وترجف حتى تغربل أهلها وتطرد الكافرين والمنافقين عنها، وتخرجهم إلى المسيح الدجال .
ويقول صلى الله عليه وسلم: (وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه المسيح وظهر عليه إلا مكة والمدينة لا يأتيهما من نقب من أنقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة حتى ينزل عند الضريب الأحمر عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنفي الخبيث منها كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص، قيل: فأين العرب يومئذ؟! قال: هم يومئذ قليل).
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أي مسلم أن يأتي إلى الدجال مهما كان واثقاً من نفسه؛ فإن معه من الشبهات ما يزلزل بها الإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم: (من سمع بـالدجال فلينأ عنه، فوالله! إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات)، ولا بأس على الذين لا يطيقون مقاومته أن يفروا من طريقه، وهذا ما يفعله كثير من الناس في ذلك الزمان، يقول صلى الله عليه وسلم: (ليفرن الناس من الدجال في الجبال) فإذا اضطر المؤمن إلى مواجهته فعليه أن يقوم بالأمر ويصدع بالحق ويحسن الحجاج، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم) يعني: لا تقلقوا فأنا أتولى حجاجه، وأبطل باطله، وجاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام حدثهم يوماً عن الدجال فخفض فيه ورفع حتى ظن الصحابة أنه في طائفة النخل من كثرة ما رفع صوته صلى الله عليه وسلم واحتد وغضب، فهو مشفق على الأمة من هذه الفتنة العظيمة، والصحابة من شدة تصوير النبي عليه الصلاة والسلام لفتنته ظنوا أنه مختبئ لهم في طائفة النخل القريبة.
يقول عليه الصلاة والسلام: (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم) انظر إلى شفقته عليه الصلاة والسلام بأمته قال: (والله خليفتي على كل مسلم).
وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من العلم ما يكشف حقيقة الدجال ، فهو جسم مرئي يأكل ويشرب، والله لا يرى في الدنيا، والله منزه عن الطعام والشراب، وهذا الدجال أعور كما في الحديث: (إنه شاب قطط عينه طافية أشبه الناس به عبد العزى بن قطن)، ومن كان كذلك فإن دعواه الألوهية والربوبية كذب وافتراء بلاشك.
وقد جاء في الأحاديث الصحيحة: (من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال) ، وجاء في بعضها: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف)، وفي بعضها: (من آخر سورة الكهف)، فلماذا قراءة فواتح سورة الكهف أو خواتمها بالذات تكون أماناً من المسيح الدجال ؟
قال بعض العلماء: لأن الله أخبر في طليعة هذه السورة أن الله أمن أولئك الفتية من الجبار الطاغية الذي كان يريد إهلاكهم، فناسب أن من قرأ هذه الآيات وحاله كحالهم أن ينجيه الله كما أنجى الفتية أصحاب الكهف، وقيل: لأن في أولها من العجائب والآيات ما تثبت قلب من قرأها بحيث لا يفتن بـالدجال ولا يستغرب بما جاء به الدجال ، ولا يؤثر فيه دجله.
ومما يعصم المسلم من فتنة الدجال أن يلجأ إلى أحد الحرمين الشريفين مكة أو المدينة، فإن الدجال محرم عليه دخولهما، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام كيف سيواجه ذلك الرجل الصالح الدجال ، ويصدع في وجهه بالحق كما سبق في الأحاديث.
ومما ينجي العبد من الدجال الالتجاء إلى الله، والاحتماء به منه ومن فتنته، تقول عائشة رضي الله عنها -كما في صحيح البخاري -: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال).
وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ دائماً بعد التشهد من فتنة الدجال فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) حتى إن بعض العلماء يوجب ذلك، وأكثرهم يقول: ليس واجباً، ولكنه مستحب بدليل قوله: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه)، واستدل من يقول بوجوبه بأنه أمر بذلك (فليستعذ بالله)، وابن حزم رحمه الله يبطل صلاة من لم يتعوذ بالله من هذه الأربع.
ويقول عليه الصلاة والسلام في رواية أخرى: (وإمامهم منهم) أي: إمام المسلمين الذين يعدون العدة للقتال في ذلك الوقت رجل صالح منهم، وبينت بعض الروايات أنه المهدي عليه السلام.
جاء في حديث آخر: (فبينا إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصل فإنها لك أقيمت، فإذا انصرف -يعني: خرج من الصلاة، وبعض العلماء يقول: أي: إذا انصرف إلى بيت المقدس -والمسلمون فيه محصورون قال عيسى: افتحوا الباب، فيفتحون ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وتاج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، فينطلق هارباً فيدركه عند باب لد الشرقي -وهي مدينة معروفة في فسلطين قرب مدينة الرملة- فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله عز وجل يتواقى به اليهود إلا أنطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا قال: يا عبد الله! يا مسلم! هذا يهودي تعال فاقتله)، فكل ما على الأرض يوالي المسلمين من الحجر والشجر إلا شجر الغرقد الذي هو شجر خاص باليهود، وقد حكى الشيخ محمد قطب أن اليهود يأخذون بهذا الحديث، فهم يعلمون أن رسول الله قال حقاً وصدقاً، ولكنهم يجحدون ويحسدون بني إسماعيل أبناء عمومتهم، فكفرهم كفر جحود، وهم الآن يسكثرون جداً في فلسطين من زراعة هذا النوع من الشجر؛ لأنهم يعلمون بهذا المصير الحتمي الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).
هذه بعض الأحاديث التي وضحت لنا حقيقة المسيح الدجال ، وكيف العصمة والنجاة منه، واستفدنا منها كثير من الفوائد، وأعظمها أسباب النجاة من الفتن، وأن أي شخص مهما أوتي من خوارق العادات فلا يكون ذلك دليلاً على ولايته لله، ولا على أن منهجه هو منهج الحق والصواب؛ لأن المسيح الدجال سوف يقدر على أضعاف ما يقدر عليه هؤلاء مع أنه المسيح الدجال الكذاب الأكبر الأعور الذي كل صفاته وأعماله ناطقة بكذبه وباطله.
نسأل الله تباك وتعالى أن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
الدجال يكون له قدرة على التنقل في أرجاء الأرض بسرعة هائلة، ففي حديث النواس بن سمعان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن إسراع الدجال في الأرض فقال: (كالغيث استدبرته الريح).
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيجول في أقطار الأرض، ولا يترك بلداً إلا دخله سوى مكة والمدينة، وأنا أعرف رجلاً ألمانيا أسلم منذ مدة في ألمانيا الغربية، وهو الآن يعيش في مكة ومعه زوجته وهي أيضاً ألمانية، وذلك بسبب هذا الحديث؛ لأن الدجال لا يدخل مكة والمدينة، فلذلك هو يعيش في مكة ولا يخرج منها عملاً بهذا الحديث، وفراراً من هذه الفتنة التي يتوقعها.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة)، وفي بعض الأحاديث: (وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة، لا يأتيهما من نقب من أنقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة) والصلت هو السيف الثقيل اللامع، فالملائكة تحرس مكة والمدينة على كل طرقاتها وأنقابها.
وفي مسند الإمام أحمد : (أن الدجال حينما يعجز عن دخول المدينة يقف على الجبال خارج المدينة ويقول لأتباعه: انظروا إلى قصر أحمد) وهذا إشارة إلى الفخامة والزخارف التي أضيفت إلى المسجد النبوي، والمسجد النبوي في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان مصنوعاً من الجريد والنخيل وسعف النخيل، أما كونه كالقصر، فهذا مما لا يرضاه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد نهى أن تزخرف المساجد؛ لأن الزخرفة تشوش قلوب المصلين.
ومما يفتن الناس بـالدجال أن الدجال يكون معه ما يشبه نهراً من ماء ونهراً من نار، والحقيقة أنه ليس كما يبدو للناس، فإن الذي يرونه ناراً هو في الحقيقة ماء بارد، والذي يرونه ماء بارداً هو في حقيقته نار، ففي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار).
وفي حديث آخر: (إن معه ماء وناراً، فناره ماء بارد، وماؤه نار، فلا تهلكوا) يعني: لا تفتنوا بهذا الظاهر.
وفي حديث حذيفة في مسلم : (لأنا أعلم بما مع الدجال منه) يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم أعرف بما مع الدجال من معرفته هو بنفسه، قال: (لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان، أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت الذي يراه ناراً، وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد).
وفي رواية أخرى: (إن الدجال يخرج فإن معه ناراً وماء، فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه ناراً فإنه ماء عذب طيب)، فالناس لا يدركون ما مع الدجال في الحقيقة، فيخدعون به إلا من عصمه الله، فما يرونه لا يمثل الحقيقة بل يخالفها، ولذلك جاء في بعض الأحاديث: (وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، التي يقول: إنها الجنة هي النار).
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتنة الدجال للشيخ : محمد إسماعيل المقدم
https://audio.islamweb.net