إسلام ويب

تحدث الشيخ في محاضرته عن هول يوم القيامة، وأنه آتٍ لا شك فيه، ثم ذكر أسماء لذلك اليوم: القيامة، اليوم الآخر، الساعة... إلخ، مبيناً السبب في إطلاق هذه التسميات على ذلك اليوم الرهيب، ومثبتاً في إطار ذلك أن كثرة الأسماء تدل على عظم المسمى.

أهوال يوم القيامة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يوم القيامة يوم عظيم، يومٌ تحدث فيه من الأحداث والمشاهد العظيمة ما يجعل الولدان شيباً، والمرضعة تذهل عما أرضعت، والحوامل يضعن أحمالهن؛ خوفاً وفزعاً ورهباً من تلك الأحداث العظيمة التي تتغير فيها معالم الكون.

يوم القيامة لو علمت بهوله>>>>>لفررت من أهل ومن أوطانِ

يوم عبوس قمطرير أمره>>>>>فيه تشيب مفارق الولدانِ

ويقول الآخر:

مَثّل لنفسك أيها المغرور>>>>>يوم القيامة والسماء تمورُ

إذ كورت شمس النهار وأدنيت>>>>>حتى على رأس العباد تسيرُ

وإذا الجبال تقلعت بأصولها>>>>>ورأيتها مثل السحاب تسير

وإذا البحار تأججت نيرانها>>>>>ورأيتها مثل الحميم تفورُ

وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت >>>>>فتقول للأملاك أين نسيرُ؟

فيقال سيروا تشهدون فضائحاً>>>>>وعجائباً قد أحضرت وأمورُ

وإذا الجنين بأمه متعلق>>>>>خوف الحساب وقلبه مذعورُ

هذا بلا ذنب يخاف لهوله>>>>>كيف المقيم على الذنوب دهورُ

يوم القيامة هائل جداً، طوله خمسون ألف سنة، وخمسون ألف سنة سهلة باللفظ لكنها في التعداد العملي صعبة! خمسون ألف سنة والناس واقفون في ذلك اليوم العظيم الذي تتقطع فيه القلوب، وتشخص فيه الأبصار، والناس فيه يتوقعون كل عذاب، وهناك أناس آمنون لا يغشاهم الحزن: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [الأنبياء:103] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.

هذا اليوم ضربه الله عز وجل موعداً لفصل القضاء، وللجزاء، وللوعد والوعيد، يوم تنصب فيه الموازين، وتنشر فيه الدواوين، ويبعث فيه الخلق أجمعون، وتتفطر السماء، وينزل منها الملائكة: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن:37] وتحضر الأعمال، ويجزى الناس على ضوء أعمالهم في هذه الحياة.

وهذا اليوم يسبقه إبادة شاملة وكاملة لجميع الأحياء؛ لأن النفخة نفحتان: النفحة الأولى: نفخة الصعق: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر:68] هذه نفخة الصعق لا يبقى بعدها أحد، كل الناس يموتون، والنفخة الثانية: نفخة البعث: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68] قيل: ما بين النفختين الأولى والثانية أربعون عاماً، وهذه المدة من أجل إعادة تكوين الأجساد البشرية كما كانت، وفي هذه المدة ينزل مطر من ماءٍ يقال له: ماء الحيوان، تنبت منه أجساد العباد؛ لأن الناس إذا ماتوا يفنى منهم كل شيء، إلا عجب الذنب في آخر العمود الفقري، وهو مثل بذرة الذرة، فأنت عندما تأتي ببذرة الذرة تكون صغيرة، إذا ما قستها مع الشجرة التي تنتج هذه البذرة.. أين هذه من تلك؟ تضعها في الطين وتسقيها بالماء، وتنبت لك نبتة الذرة وفيها سنابل، وأعذاق، وأوراق، وأغصان، وأصلها ماذا؟ حبة ذرة.

كذلك أنت -أيها الإنسان- أصلك نطفة، ولا يبقى منك إلا هذا العضو الصغير -عجب الذنب- لا يفنى، ولا ينبت في الأرض بأي ماء إلا بالماء الذي ينزله الله في آخر الزمان، وهذا الماء ورد في الحديث أنه يشبه مني الرجال، ينزل على الأرض فتنبت منه أجساد وأجسام العباد كما تنبت الحبة في حميل السيل، حتى تعود الأجساد كما كانت -يوم موت أصحابها- لكن بدون أرواح.

ثم ينفخ النفخة الثانية، والنفخة الثانية في الصور (البوق)، والصور: قرن من نور حاوٍ لجميع أرواح الخلائق، كل الخلائق الموجودة يموتون عند النفخة الأولى، وإذا كانت النفخة الثانية تطايرت الأرواح، وعادت كل روح إلى جسدها، فيقوم الناس كلهم من القبور كأنهم كانوا في نوم عميق، يقول تبارك وتعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [يس:51] والأجداث القبور، وينقسمون إلى قسمين: أناس يقولون: يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:52] وأهل إيمان يقولون: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس:52-53] هذا اليوم الذي تباد فيه الخلائق كلها، كما قال الله عز وجل: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27] وكما قال الله تبارك وتعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] وكما قال سبحانه وتعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].

وفي هذا اليوم يلاقي العباد شيئاً عظيماً من الكربات والأهوال؛ لأن الشمس تدنو من الرءوس حتى تصير على بعد ميل -قيل: ميل المكحلة، وقيل: ميل المسافة- حتى إنها لتغلي منها أدمغة العباد كما يغلي اللحم في القدور، والعرق يبلغ من الناس مبلغاً، لدرجة أن منهم من يسبح في عرقه، وورد في الحديث الصحيح: (أن منهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى حقويه، ومنهم من يبلغ إلى ثدييه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، ومنهم من يغطيه، ومنهم يسبح في العرق) ولك أن تتصور مقدار الحرارة في ذلك اليوم! في الدنيا، لو كانت الحرارة مائة درجة فإنه الناس يموتون.. بل حتى إذا بلغت حرارة الجو [50مه]، [55مه]، [60مه] هناك من يموت، ونسمع في الأخبار أن موجات من الحر تمر على بعض الدول فيموت الناس من الحر، وهذه الدرجة لا تبلغ أن يسيل من الإنسان عرق بحيث يصير مثل الماء يُطبخ فيه، نعم! يسيل منه عرق لكن إذا كان كثيراً يبلل ثيابه، إما أن يسيل عرقه حتى يكون مثل السيل أمامه فلا!

أيها الأحبة: وهناك في يوم المحشر أقل واحد هو من يسير في عرقه، فكيف الذي يغطيه؟! لا إله إلا الله.

هذه الأهوال والكربات لا ينجو منها إلا من أعد لذلك اليوم عدته، واستعد لذلك اليوم، وقدم المؤهلات من الإيمان والعمل الصالح؛ فإنه ينجو في ذلك اليوم، أما من يأتي يوم القيامة وهو مفلس من الإيمان، والعمل الصالح؛ فإنه يشقى، ويتعذب، ويكابد؛ ولو كانت عنده أموال الدنيا وزينتها من أولاد، وعمارات، ومؤسسات، وسيارات، ومنصب، وجاه؛ لم تغن عنه ولم تنفعه يوم القيامة بشيء.

والكفار كانوا في الدنيا يعتدون بأموالهم، كما يعتدي الناس الآن، صاحب الثراء والمنصب تجده مبسوطاً كل يغبطه.. هؤلاء الكفار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا معتدين بأموالهم وبأولادهم، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل في القرآن الكريم: وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [سبأ:35] يقولون عندنا مال، ورجال، والعذاب منا بعيد، ولا يقدر علينا؛ لأن عندنا ما نمتنع به، فالله عز وجل قال: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى [سبأ:37] ما تغني عنكم ولا تنفعكم شيئاً: إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ:37].

وفي نهاية هذا اليوم بعد التمحيص والاختبار، والفحص والتقسيم والتمييز بين الخلائق؛ ينقسم الناس إلى فريقين: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] نعوذ بالله من دار السعير، ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا من أهل الجنة.

أسماء يوم القيامة

هذا اليوم العظيم ورد ذكره في القرآن الكريم بأسماء عديدة، وكل أسمائه مخيفة مرعبة؛ لأنه يستحق أن يسمى بمثل هذه الأسماء، فهو يوم تدمير وتغيير لجميع معالم الكون.

في الدنيا إذا هبت رياح عاتية، أو نزلت أمطار غزيرة، أو جاءت عواصف تقتلع البيوت والأشجار؛ كيف الناس عند ذلك؟

تجدهم في حال من الخوف والرعب، فكيف: إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ [الانفطار:1]، إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ [التكوير:1-8]، أحداث ضخمة تجعل الإنسان في غاية الرعب والخوف بحيث يذهل عن أهم شيء عنده، وقد عبر الله عز وجل بذهول المرضعة ورضيعها؛ لأن المرضعة هي أحنى وأعطف وأرحم الناس برضيعها، فقد تنسى نفسها ولا تنسى رضيعها، لكن في حالات الرعب القصوى تذهل عنه ولا تذكره، بل حتى نفسها لا تذكرها.

هذا اليوم الذي هو يوم القيامة سماه الله عز وجل بأسماء عديدة منها:

يوم القيامة

(يوم القيامة) ورد هذا الاسم في كثير من آيات الله؛ لأنه الاسم الدال على هذا اليوم، يقول الله عز وجل: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [النساء:87] ويقول: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً [الإسراء:97] يحشر الله الكفرة، والفسقة الذين تعاموا وتصامّوا في الدنيا عن دين الله.. يحشرهم الله على وجوههم من جنس صنيعهم وفعلهم: لما تعاموا في الدنيا أعماهم الله هناك في الآخرة، ولما تصامُّوا عن الدين، كما يفعل كثير من الناس الآن يصمّ أذنيه فلا يريد أن يسمع هدى الله، حتى لو أعطيته شريطاً وقلت له: اسمع، يقول: يا شيخ! اتركنا لا تعقدنا، تلاحظ أنه أصم، لكن أعطه شريط أغانٍ، يقول: شكراً على هذه الهدية، إذا قلت له: خذ كلام الله، لا يريده، وإذا قلت: خذ كلام الشياطين، يريده، لماذا؟ تراه أصم أذنيه عن دين الله، وإذا أعطيته كتاباً، أو مجلة إسلامية، أو جريدة إسلامية، أو موضوعاً إسلامياً، وتقول له: اقرأ، يقول: ما هذا؟! شكراً!!

لكن أعطه مجلة رخيصة هزيلة، عارية فاضحة، يقول: شكراً. لماذا؟ لأنه أعمى، لا يريد أن ينظر إلى دين الله، أو يسمع كلام الله، أو حتى يتكلم بشيء مما يرضي الله عز وجل، هؤلاء يحشرهم الله يوم القيامة من جنس صنيعهم: عمياً كما كانوا عمياً هنا، بكماً كما كانوا بكماً هنا، صماً كما كانوا صماً هنا. والزيادة ماذا؟

عَلَى وُجُوهِهِمْ [الإسراء:97] كيف على وجوههم؟ سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية ذلك فقال: (أليس الذي أمشاهم في الدنيا على أقدامهم قادر على أن يمشيهم يوم القيامة على وجوههم؟) بلى قادر. وفي الدنيا حيوانات نعرفها تمشي على وجوهها كالزواحف والحيات والثعابين، كذلك هذا يبعث يوم القيامة كالحية يمشي على بطنه أو وجهه -والعياذ بالله- والله يقول: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:48-49] فهذا يوم القيامة، يقول الله فيه: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ [الإسراء:97] أي: كلما انطفأت وخف توهجها زِدْنَاهُمْ سَعِيراً [الإسراء:97] ويقول: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:15] والله هذا هو الخسران، ثم يقول الله بعدها: أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15] ليست الخسارة أن تخسر وظيفتك، أو زوجتك، أو دراستك، أو سيارتك أو عمارتك، نعم. كل خسارة يوجد عوض عنها، يقول الشاعر:

وكل كسر فإن الدين جابـره>>>>>وما لكسر قناة الدين جبران

كل كسر في الدنيا ومعك دين فهو يجبره، لكن إذا انكسر دينك فمن يجبره؟!

قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر:15-16] هذه هي الخسارة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

والقيامة مصدر من قام يقوم قيامة أو قياماً، من أصل كلمة (قام)، ودخلتها تاء التأنيث للمبالغة والتعظيم في هولها وعظمها، وهي مأخوذة من قيام الناس لرب العالمين، يقول الله عز وجل: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] ويوم القيامة هو من أبرز أسماء اليوم الآخر.

اليوم الآخر

من أسماء ذلك اليوم: (اليوم الآخر) في قوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177] إلى آخر الآية.

وكذلك يقول الله عز وجل: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة:232].

ويقول الله عز وجل: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18].

وأحياناً يسمى في القرآن بـ(الدار الآخرة)، يقول الله تعالى: وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130].. فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ [النساء:74].. تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].. وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64].

وسمي ذلك اليوم بـ(اليوم الآخر) أو بـ(الدار الآخرة)؛ لأنه لا شيء بعده، هذه اسمها (دنيا) وتلك اسمها (آخرة)، والآخر: ليس وراءه شيء، إذا دعوت ضيوفاً عشرة، وجاء تسعة ثم جاء آخر واحد، هل ستنتظر أحداً؟ لا. فآخر واحد ما بعده شيء، وكذلك أيام الله عز وجل، أيام دنيا ويوم آخر، فإذا جاء يوم الآخرة فما بعده شيء؛ ولذا سمي اليوم الآخر؛ لأنه لا شيء بعده من الأيام، وما بقي إلا أيام الله الخالدة في الجنة لأهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- ولأهل النار في النار أعاذنا الله جميعاً منهم.

الساعة

من أسماء ذلك اليوم العظيم: (الساعة) سماها الله الساعة، يقول عز وجل: وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85] ويقول سبحانه: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:15-16] أي: فتهلك، ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1].

والساعة إذا أطلقت يراد بها جزء من الوقت، كما تقول لشخص: انتظرني ساعة وسآتيك، هذا في الإطلاق اللغوي، وإذا حُددت وأُريد بها جزء من أربعة وعشرين جزءاً من اليوم: الليل والنهار، كما إذا حددت الساعة الرابعة، أو الخامسة، أو السادسة أُريد بها هذا، وإذا أطلقت فإنه يراد بها أي جزء حتى لو كان يسيراً أو لحظةً من الوقت، وإذا قيدت بصفة فإنما تطلق على اليوم الآخر.

وسميت القيامة بالساعة لعدة أسباب:

إما لقربها، ومهما كانت بعيدة فهي قريبة فإن كل ما هو آتٍ قريب، أي شيء سوف يأتي فهو قريب، وإن جاء اليوم أو غداً أو بعده.

وإما أن تكون تسميتها بهذا للدلالة على ما فيها من الأحداث الضخمة التي تصهر الجلود، وتذيب الجبال، حتى تصير كالهباء.

وقيل: إنما سميت بالساعة؛ لأنها تأتي بغتة، أو في لحظة، أو في ساعة معينة وإذا بالقيامة قد قامت، والناس غير منتبهين لتلك الأحداث.

يوم البعث

من أسماء ذلك اليوم: (يوم البعث) يقول عز وجل في سورة الحج: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ [الحج:5] من البعث أي: من يوم القيامة، الذي يُبعث فيه من في القبور، ويقول عز وجل: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ [الروم:56].

ويوم البعث أي: الإحياء والإخراج.. إخراج الموتى من قبورهم، وإعادة الحياة إليهم، وبعثهم مما كانوا فيه من العدم والتلاشي إلى الوجود والإعادة، كما كانوا قبل أن يموتوا، لفصل القضاء، وبعث الموتى هو: إخراجهم من قبورهم؛ لفصل القضاء عند الله عز وجل.

يوم الخروج

سمي أيضاً يوم القيامة بـ(يوم الخروج)، يقول الله عز وجل: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق:42] ويقول: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [المعارج:43-44].

وسمي بيوم الخروج كما في قوله عز وجل: ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ [الروم:25].

والخروج يعبر به عن حركة يؤديها الإنسان، كما لو كان شخص في بيته، لا أحد يراه، ثم فتح بابه، قالوا: خرج؛ لأنه كان مختفياً في دكانه أو مكتبه، لكن لو كان ظاهراً أمامهم، لا يقولون: خرج، وإنما يقولون: جاء.

كذلك سمي يوم الخروج؛ لأن الناس كانوا في قبورهم مقفلاً عليهم، هذه القبور الآن لا نعلم ما هي أوضاع الناس فيها، ولكن يوم القيامة تخرج كل الخلائق من القبور، لعل من الناس من يخرج من العمارات حتى هذه المباني لعل جزءاً منها هو من عظام البشر، يقول الناظم:

طر إن استطعت في السماء رويداً>>>>>لا اختيالاً على رفات العباد

خفف الوطء ما أظن أديم الـ>>>>>أرض إلا من هذه الأجساد

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب>>>>>فأين القبور من عهد عاد؟

أين الناس من عهد عاد؟ لعل الآن عمارتك كم فيها جماجم وعظام، وتنظر وقد خرج عليك يوم القيامة من جدار البيت، لا تدري عن هذا، فسمى الله عز وجل يوم القيامة يوم الخروج؛ لأنهم يخرجون من الأماكن التي دفنوا فيها: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [المعارج:43-44].

القارعة

من أسماء يوم القيامة: (القارعة). وسميت بالقارعة؛ لأنها تقرع القلوب بأهوالها، يقول الله عز وجل: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-3] والتكرار هنا للتهويل والتعظيم، وقوله: (وما أدراك ما القارعة) أيضاً للتهويل والتعظيم، ويقول الله عز وجل: كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ [الحاقة:4] لأنها تقرع القلوب، يقال: قد أصابتهم قوارع الزمان، وفلان قرعه الدهر، أو الزمان، أو الحوادث؛ أي: ضربته، وأصابته وآلمته، فيوم القيامة سُمي قارعة؛ لأنه لا يقرع فلان ولا علان، ولا مجموعة من الناس؛ بل يقرع العالمين منذ خلق الله آدم إلى يوم القيامة، وكلهم يعيشون في أهوالها.

الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة:1-4] والفراش من أضعف الحشرات، ويضرب به المثل في الضعف، إذا قالوا فلان فراشة، يعني: أقل ضربة تُسقطه فيموت منها، فالناس يوم القيامة في حالة من الضعف يكونون معها كالفراش المبثوث.

يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة:4-5] الجبال الضخمة تكون يوم القيامة كالقطن المنفوش، ولاحظ أنك إذا ضغطت على قطن منفوش يصير لا شيء.

وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:5-11].

يوم الفصل

من أسماء يوم القيامة: (يوم الفصل) يقول الله عز وجل: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ [الدخان:40] ويقول: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً [النبأ:17] ويقول: هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ [المرسلات:38] ويقول: هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [الصافات:21].

والفصل يعني: التقسيم والتمييز بين الأشياء المختلفة، أنت لما تحصد الحب من مزرعتك، قبل أن تخزنه تفصل التبن من البر، ثم تخزن كل شيء بما يناسبه، تخزن البر في مخازنه، وتخزن التبن في مخازنه، يقول ابن القيم : الناس زرع -نبات- وملك الموت حاصده. كل يوم وهو يحصد في الزرع، والقبر دراسه -يعني المكان الذي يفصل الناس فيه- والجنة والنار مخازنه.

فالجنة يخزن فيها أهل الإيمان، والنار يخزن فيها أهل الكفر، وتعرفون أن التبن أكثر من البر دائماً، فإذا حصد الإنسان عشرة أكياس بر حمل معها مائتي كيس تبن، ولذا أكثر الناس غير صالحين، يقول الله: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] ويقول: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام:116] يعني: لا تجعل عبرتك بالكثرة فالكثرة لا يعتد بها، الآن إذا الذهب غالٍ؟ لأنه نادر، لكن لو أنه كثير لكان مثل الطين، فهو نوع من المعادن لكن لما كان نادراً وعنصره فريداً ونفيساً أصبح غالياً جداً، وما ذاك إلا لندرته، وكذلك المؤمن لندرته غالٍ عند الله يوم القيامة، وفي يوم القيامة يخرج الله بعث النار، والحديث في صحيح البخاري ، يقول الله عز وجل لآدم: (أخرج بعث الجنة من بعث النار، قال: رب، وكم بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون لجهنم وواحد إلى الجنة) الله المستعان!!

هذا الحديث شق على الصحابة لما سمعوه وخافوا منه خوفاً شديداً، ونحن ينبغي أن نخاف؛ لأنه من كل ألف واحد إلى الجنة وتسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار -والعياذ بالله- لكن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العدد يُغطِّى من الأمم التي سوف تأتي في آخر الزمان، وهي أمم الكفر: أمم يأجوج ومأجوج وغيرها، وأن المؤمنين في هذه الأمم مثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ [المرسلات:38] يقول عز وجل: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [السجدة:25].

والخلاف الآن قائم، ووجهات النظر متباينة في أمر البعث، ولكن يوم القيامة تستقر وجهات النظر على الحقائق، وكل شخص يعرف الحق من الباطل، حتى أهل النار والكفر يقولون: هذا يوم الفصل، ثم يطلبون الرجعة من أجل التصحيح، ولكن لا يجابون، وتتضح الأمور على أصولها في يوم القيامة، فسمي يوم الفصل لفصل الجزاء، ولأنه فيه من الأمور والقضايا ما يعيد الأمور إلى حقائقها ونصابها.

يوم الدين

أيضاً من أسماء يوم القيامة: (يوم الدين). يقول الله عز وجل: وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ [الانفطار:14-15] ويقول: وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ [الصافات:20] ويقول عز وجل: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار:17-19] والدين في لغة العرب هو الحساب والجزاء.

حصادك يوماً ما زرعت فإنمـا>>>>>يدان الفتى يوماً كما هو دائن

يدان كما هو دائن، تدان: أي: تحاسب وتجازى بما فعلت، وسمي ذلك اليوم بيوم الدين؛ لأن الله عز وجل يجزي ويحاسب الخلائق، ثم يدينهم بما عملوا في ذلك اليوم العظيم.

الصاخة

من الأسماء أيضاً: (الصاخة).

يقول عز وجل: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:33-37].

يقول عكرمة : الصاخة التي تصخ القلوب والأسماع.

أنت الآن إذا سمعت صوتاً خفيفاً لا تتأثر به، لكن إذا سمعت صوتاً هائلاً مرعباً يكاد يفجر أذنيك، ويطير قلبك فزعاً منه؛ فإنك تخاف وتفزع منه، هذه من أسماء يوم القيامة؛ لأن أحداثها وأهوالها تصخ القلوب، وتفجر الأسماع والأذان، والتعبير بها أيضاً فيه نوع من القوة في البلاغة والبيان، يقول عكرمة : (الصاخة) هي التي تصخ القلوب، وهي النفخة الأولى التي يسمعها الخلق كلهم فيموتون وتتقطع قلوبهم في أجوافهم، وهو معنى قول الله عز وجل: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزمر:68] يصعق أي: يموتون كلهم من تلك النفخة.

وعكرمة هذا تابعي، ونأخذ جزءاً من سيرته العطرة، فهو تابعي وحافظ وعلامة ومفسر لكتاب الله عز وجل، وكان مولىً لـابن عباس ، مولى أي: عبد مملوك لـعبد الله بن عباس ، وأخذ عنه العلم، وحدث عن جمع كبير من الصحابة وحدث عنه خلق كثير، أجازه ابن عباس في الإفتاء، وكان مولى عنده، وقال له ابن عباس في يوم من الأيام: [انطلق فأفت الناس -يقول: اذهب فإذا سألك أحد فأفته- وإذا سألوك عن أمر مشكل فأنا لك عون] يقول: إذا أشكل عليك من الأمور شيء فأنا لك عون، قال عكرمة وهو معتد بعلمه ويريد أن يطمئن ابن عباس إلى أنه أهل للفتيا، قال: والله لو كان الناس ومثلهم مرتين لأفتيتهم، قال: انطلق. أي: اذهب ما دام أنك على هذا المستوى.

أيضاً مما يحكى عنه أنه كان رجلاً طويلاً، له عمامة بيضاء، ولحيته بيضاء، ويلبس أرديةً بيضاء، رضي الله عنه، قال عنه شهر بن حوشب : لم يكن في الأمة حبر إلا هذا الرجل -يعني: ابن عباس - وإن مولى ابن عباس -يعني: عكرمة - هو حبر هذه الأمة.

وقال عنه ابن عباس نفسه: [ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه؛ فإنه لم يكذب عليَّ في حياته مرة قط] الله أكبر! سبحان الله! هذه الأخلاق عندهم، عبد مولى يشتغل عنده ويقول عنه: [ما حدثكم عني فصدقوه؛ فإنه لم يكذب عليّ مرة قط].

وقيل لـسعيد بن جبير : تعرف أحداً أعلم منك في الأرض؟ قال: نعم عكرمة.

ويقول عنه الشعبي : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة رضي الله عنه.

ويقول عنه قتادة : كان أعلم التابعين أربعة: عطاء وكان عالماً بالمناسك وسعيد بن جبير في التفسير، وعكرمة في السيرة، والحسن البصري كان أعلم الناس في عهده بالحلال والحرام رضي الله عنهم.

و عطاء هو: عطاء بن أبي رباح ، كان رجلاً قصير القامة، مشوه الخلقة، أسود البشرة، بحث عن مصدر للرزق فلم يجد، وكان كلما ذهب إلى عمل طرد، لا جسم ولا لون، فدخل على أمه في يوم من الأيام وقال لها: ما لقيت رزقاً ولا مصدر عمل. قالت له: ألا أدلك على عمل إذا عملته هابتك الملوك، وانقاد لك به الصعلوك، فتعجب الرجل! وقال: الملوك يهابونني! أنا ما لقيت لقمة عيش الآن! كيف يهابني الملوك؟! قالت: نعم. يهابك الملوك إذا عملته. قال: ما هو؟ قالت: عليك بالعلم.

فأخذ قلمه ومحبرته ونزل مكة ، وعكف على العلم، فحفظ كتاب الله، ثم حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم آلت إليه الفتيا في عصره، فلا قول إلا قول عطاء ، الأمة الإسلامية من شرقها إلى غربها إذا اختلفت في أمر، قالوا: ماذا قال فيه عطاء ؟

حج أحد الخلفاء، فلما حج ودخل مكة سأل عن أعلم أهل الأرض؟ قالوا: عطاء ، قال: أين هو؟ قالوا: في بيته، قال: احضروه إليَّ، فلما أرسل له قال: إن كان لك حاجة فيما عندنا فتعال، أما أنت فليس لنا حاجة فيما عندك، -يقول: الذي عندك لا نريده، والذي تريده عندنا!- قال: لقد أنصف عطاء ، فلما جاء إلى بيته، وكان جالساً يصلي، طرق الباب، فنزل إليه ولده، وإذا بأمير المؤمنين، ورجاله، وخيله بالباب، فذهب إلى أبيه يقول له: أمير المؤمنين بالباب، وكان يصلي ركعتين فانتهى من الصلاة، وزاد ركعتين، ثم انتهى، وقعد يدعو، وذاك واقف عند الباب، وبعدها بفترة، قال له: ائذن له، فدخل فلما دخل غضب الأمير وقال: ما هذه الإهانة يا عطاء !؟ قال: أي إهانة تعني يا أمير المؤمنين؟ قال: دعوناك فلم تأتنا وجئناك فلم تأذن لنا، قال: أما دعوتك لي وعدم مجيئي فقد أخبرتك، ما لي حاجة فيما عندك، وإذا كان لك حاجة فيما عندي أتيت، أما عدم دخولك وعدم الإذن لك فإني كنت بين يدي من هو أعظم منك فكرهت أن أقطع مقابلته لمقابلتك، فلما فرغت من مقابلته فتحت لك، فسأله بعض المسائل فأجابه، فلما ذهب أرسل واحداً من صبيانه بصرةٍ فيها عشرة آلاف دينار، فلما أعطاه ركلها برجله وطرده بها وقال: ردها وقل له: ندله على ما ينجي، ويدلنا على ما يُفني. نعطيه النجاة، ويعطينا الهلاك، يعني: الدنيا، يقول الخليفة: والله ما رأيت نفسي ذليلاً في حياتي إلا بين يدي هذا العبد، خليفة وملك يقول عن نفسه: أنه ما رأى في يوم من حياته ذلة إلا بين يدي هذا العالم العظيم.

وهذا معنى كلام أمه: هابتك الملوك وانقاد لك به الصعلوك. وكان أعلم الناس في الفقه والمناسك وغيرها.

قال حبيب بن أبي ثابت : اجتمع عندي خمسة -اجتمع في بيتي في مناسبة عشاء خمسة- قل أن يجتمع مثلهم على طعام واحد في الدنيا كلها -من هم الخمسة؟- قال: عطاء بن أبي رباح ، وطاوس اليماني ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة -خمسة من رءوس التابعين- يقول: فأقبل مجاهد وسعيد يلقيان التفسير على عكرمة فما سألاه عن آيةٍ إلا فسرها.. يناقشونه وهم قمم، من نماذج البشر القلائل في هذه الحياة.

قال الثوري : خذ التفسير عن أربعة: سعيد ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك .

لقيه عالم اسمه سليمان بن الأحول ومعه ولده، قال له: أيحفظ هذا من حديثك شيئاً يا عكرمة ؟ يظن أن ولده مثله، يقول: أيحفظ هذا من حديثك شيئاً؟ قال: ألا تعلم أنه يقال: أزهد الناس في عالم أهله، هذه كلمة قالها وقيلت قبله وهي حقيقة، أن أزهد الناس في عالم، وداعية، وفاضل أهله، تجد بعض الناس في أرض بعيدة يتمنى أن يراه بعينه، وبعضهم يتمنى أن يجلس معه لحظة، وتجد ولده أو زوجته أو بنته تضيق منه ولا يريدون أن يقعد معهم، نعم: أزهد الناس في عالم أهله، يعني: كأنه يقول ولدي هذا لا يعرف من حديثي شيئاً، وليست قاعدة مطردة فقد يكون من الأولاد من هو على منهج والده ويسير على خطاه، ويأخذ عنه العلم، والفضل، ويسير مثله في منهج الدعوة، ويرث هذه التركة العظيمة، فإن خير ما يورث في هذه الدنيا العلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) لأن العلم هو نور المجد والحياة في هذه الدنيا، والناظم يقول:

ففز بعلم تعش عزاً به أبداً>>>>>الناس موتى وأهل العلم أحياء

العالم لا يموت بل يحيا يوم يموت، ابن القيم هو الآن ميت أم حي؟ حي لا يمر يوم إلا ويذكر اسمه، ولا يُقرأ كتاب له إلا ويُقال: قال المؤلف رحمه الله، وما يذكر في مكان إلا ويقال: غفر الله له، فهو حيٌ بذكره وإن كان قد مات، لكن أصحاب الأموال ماتوا، وبعد أن ماتوا تقاسمها أولادهم ونساؤهم، بل لعلهم لا يدعون لهم، بل ربما ولده يدعو عليه، ويقول: ألهب الله عظامه ما حاول أن يشتري لنا أرضية على الشارع العام، ولا اشترى لنا مزرعة يوم أن كانت الأراضي رخيصة الثمن، فما استغلها تلك الأيام، بل ضيع الفرص، أبونا هذا غافل، وهو قد أعطاهم خيراً، لكن ما يريدون منه إلا الدنيا، لا حول ولا قوة إلا بالله!

وكان عكرمة سريع البديهة، ذكياً جداً، شكا إليه شخص وقال: قذفني فلان في المنام. قال: إذا وقف في الشمس اضرب ظله، واجلده ثمانين سوطاً. انظر كيف التعبير الذكي، يقول: إن فلاناً قذفني في عرضي، وأنا نائم. قال: إذا وقف في الشمس ورأيت ظله فاضرب ظله ثمانين سوطاً. يعني أنك تضرب شيئاً غير حقيقي كما أنه ما قذفك حقيقةً، هل الإنسان يملك أنه يرى رؤيا؟ هل الإنسان يحدد الرؤيا وهو يراها؟ لا. ولذا الرؤى أمرها مشكل عند كثير من الناس.

جاءني أحد الإخوة يقول: رأيت فلاناً من الناس يشرب الدخان، والرجل الذي رؤي أنه يشرب الدخان رجل فاضل ولا نزكي على الله أحداً. فقلت: ما رأيك؟ قال: أظن أنه لا خير فيه. قلت: لماذا؟ قال: لأني رأيته يشرب الدخان. قلت: هل أنت تعمدت أن تراه يشرب الدخان. قال: لا. قلت: هل هو تعمد أن تراه وهو يشرب الدخان؟ قال: لا. قلت: هل له ذنب أنك رأيت هذه الرؤيا؟ قال: لا. قلت: هل يؤاخذه الله على رؤيا أنت رأيتها؟ قال: لا. قلت: إذن، لماذا تحكم أنه ليس فيه خير، لعلك أنت ليس فيك خير؛ لأن الرؤيا منك، الناس يقاسون ويوزنون على ضوء تصرفاتهم وأعمالهم لا على ضوء ما يُرى لهم، لعل الشيطان يريد أن يزعزع ثقتك في أخيك المسلم، فجاءك في صورته، ومعه سيجارة من أجل أن تراه فتكرهه، تقول: والله البارحة رأيته وهو يشرب الدخان، والله ما أسُلم عليه.

وجاء شخص ثانٍ قال: إن الداعي الفلاني مخلص وطيب، لكن من يوم أن رأيت له هذه الرؤيا كرهته، ولن أحضر مجالسه، لماذا؟ قال: رأيته حالقاً لحيته، قلت: وهل هو حالق لحيته الآن؟ قال: لا. قلت: وإن كان شيطانه جاءك بصورته كي تكرهه... وهذه وسيلة من وسائل الشيطان، فلا يؤاخذ الناس على الرؤى، ولا على الأحلام التي لا علاقة لهم بها.

فـ(الصاخة) قيل: إنها صاخة؛ لأنها تصخ الأسماع وتخرقها، وتبلغ في إسماعها وشدتها أنها تفجرها، ولذا الذين يقذفون بالمدافع يضعون في آذانهم قطناً، والذين يشتغلون في محطات التوليد الضخمة يضعون على آذانهم واقيات من أجل ألا يسمعوا؛ لأن قدرة طبلة الأذن التي تستقبل الصوت محدودة، إذا جاء شخص وصاح فيها بقوة ربما يفجرها، وكذلك يوم القيامة الصيحة والنفخة في الصور تفجر الأسماع، وسميت الصاخة؛ لأنها تصخ الأسماع.

الطامَّة

من أسماء ذلك اليوم: (الطامة).

يقول الله عز وجل: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى [النازعات:34-35] يوم القيامة يتذكر الإنسان ما سعى لا ما قال أو ترك، ما سعى، يعني: ما قدم: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى * يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:36-46].

وسميت الطامة؛ لأنها تطم، والطم هو الغلبة والعلو، طم الشيء يعني غلبه وغطاه، فهي من أهوالها تطم القلوب والخلائق ويغلب عليهم هذا الأمر.

قال الحسن : الطامة هي النفخة الثانية.

وقال عكرمة: الصاخة هي النفخة الأولى.

وكل على حق، النفخة الأولى تصخ؛ لأنها قوية، والنفخة الثانية تبعث فتطم القلوب بأهوالها.

وأسماء القيامة أسماء مرهبة مرعبة للدلالة على عظمتها وضخامة الأحداث التي سوف تكون في هذا اليوم، حتى تنتبه القلوب، وترتعد النفوس، وتصلح التصرفات في هذه الدنيا، فلا يفاجأ الإنسان بيوم القيامة، وينبأ بأعمال وإذا بها فاسدة، ويطلب الرجعة ولكن لا يرجع، كما قال ربنا تبارك وتعالى عن أهل النار، يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:25-29] لا ينفع التلوم ولا التحسر هنالك.

يوم الحسرة

من ضمن أسماء يوم القيامة: (يوم الحسرة)؛ لأن القلوب في ذلك اليوم تتقطع ندماً، وأسفاً، وحسرةً على ما فاتها من طاعة الله.

يتمنى أنه قضى عمره كله في طاعة الله، ولم يقض ليلة، ولا ساعة، ولا لحظة إلا فيما يرضي الله ويحبه عز وجل، وحينما يرى السلع تقسم يوم القيامة على الناس على قدر الأثمان المقدمة، الذي يأتي بثمن يأخذ سلعته، والذي يأتي مفلساً يغمس في النار.

فأهل الإيمان يأتون بثمن: إيمان، وعمل صالح؛ والسلعة الغالية: الجنة، والخاسر ما عنده شيء، ضيع أيام الفراغ التي كان يمكن أن تستغل وتملأ بالعمل الصالح والإيمان، وأوقاته ضيعها في العلم الفاسد، والكفر، والنفاق، والعصيان، ليله ونهاره في معصية الله، منشغل أربع وعشرين ساعة مع الشيطان الرجيم، فإذا مات وأُقدِم على الله عز وجل فلن يجد ثمن جنة عالية، وقصور عالية، وأنهار جارية، وزوجات جميلات، وولدان مخلدون، وثمار دانية؛ لأن هذه كلها تريد ثمناً، وليس عنده ثمن؟ مفلس، ما عنده شيء ينفعه يوم القيامة، فيتندم ويقول: لماذا هذا أخذ، وأنا ما أخذت؟ كان معي في الدنيا؟ لأنه تزودَ بالمال الذي ينفعُ هنا، وبالعمل وبالإيمان الذي ينفع هنا، وأنا ما عندي شيء، فيحصل في قلبه حسرة وندامة ما حصلت على قلب إنسان على وجه الأرض، يقول الله عز وجل: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم:39] أنذرهم وخوفهم مما يحصل للناس من حسرة في ذلك اليوم: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39].

وسمي (يوم الحسرة)؛ لشدة تحسر الخلائق وتندمهم على ما فاتهم، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، أما الكفار فلعدم الإيمان، يقول عز وجل: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31].

والكفار أيضاً يتحسرون يقولون: يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:57-58] يقول الله لهم: بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ [الزمر:59] ويقول الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر:60] مسودة من ظلمة المعاصي أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر:60-61] نسأل الله أن ينجينا وإياكم من النار، وينجي الله من؟ الذين اتقوا: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر:61].

وتبلغ الحسرة ذروتها، وتتناهى الحسرة عند أهل الضلال؛ عندما يتبرأ منهم أتباعهم والذين أضلوهم؛ لأنهم في النار لا يوجد أحد إلا وقد أضله أحد الضالين! والذي أضل الناس كلهم من البداية هو إبليس، القائد العام للعصاة والمجرمين، وهو أول من عصى الله، قال الله: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ [الحجر:30-31] هذا أول عاصٍ وبعدها: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82] أجعلهم كلهم عصاة معي، قال الله: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20] فهؤلاء أول من يتبرأ منهم يوم القيامة إبليس، ويحصل عليهم بهذا حسرة وندامة لا يعلمها إلا الله.

وجاء في القرآن في سورة إبراهيم ذكر ذلك، يقول عز وجل: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22] يقول العلماء: إن هذا الكلام على أهل النار أعظم عليهم من كل عذاب في النار، عذاب قطع قلوبهم، يركب عليهم الشيطان ويقودهم كالحمير حتى يصل بهم إلى جهنم، فإذا وقعوا قال لهم: من أمركم أن تطيعوني؟ ما كان لي عليكم من سلطان، ولا أخذتكم بالقوة، وإنما دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم.

وفي النار أيضاً يتبرأ شياطين الإنس من بعضهم، وهم الذين كانوا في الدنيا يدعون بعضهم إلى الكفر والضلال، وهؤلاء يقول الله فيهم: وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا [البقرة:167] قال الله: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] حسرات، تتقطع قلوبهم حسرات وندماً، يقول: أنا عشت أربعين أو ستين سنة مع الشيطان، لِمَ لم أعشها مع الله؟ أنا كنت أنظر، لِمَ لم أنظر إلى ما يحبه الله؟ أنا كنت أسمع، لِمَ لم أستمع إلى ما يحبه الله؟ أنا كنت أتكلم وأخوض في المجالس، لِمَ لم أتكلم بما يحبه الله؟ أنا كنت آتي وأذر، وأقوم وأقعد، وأسهر وأنام، لماذا لم أجعل عملي كله في طاعة الله؟ قال الله: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] هذه حسرة الكفار.

أما أهل الإيمان فعندهم حسرة أيضاً، ولكن كيف يتحسرون؟

يتحسرون على أنهم ما زادوا من العمل الصالح، كل واحد يحب أن يزيد، فالذي بنى مسجداً يقول: ليتني بنيت مسجدين، والذي يصلي يقول: ليتني كنت أول شخص يدخل المسجد، والذي ما يقوم الليل يقول: يا ليتني كنت أقوم الليل، والذي كان باراً بوالديه يقول: يا ليتني بررت بهم أعظم ما دام أن طريق الجنة من عندهما، والذي كان واصلاً لرحمه غير أنه مقصر قليلاً، يقول: ليتني كنت أعلم أن ثواب صلة الرحم مثل هذا، والله ما كنت أدعها كل يوم.. لابد أن أتصل بها، ولابد أن أعطيها، ولابد أن أهدي لها، حتى أطلب منها دعوة وأنا خارج: سامحيني يا أختي.. يا عمتي.. يا خالتي، فأنا مقصر في حقك، تقول: سامحك الله، مد الله في أجلك، وسع الله في رزقك، نوَّر الله عليك، هذه الدعوات ليست سهلة عندما تأتيك من رحمك، لكن ما ظنك لو قطعت رحمك، وقالت: قطع الله رزقه، وألهب عظامه، إذا قالته الرحم، هل تدري أن هذا الدعاء لا يرد، لماذا؟ لأن (من قطع رحمه قطعه الله، ومن وصلها وصله الله).

فكل واحد من أهل الإيمان وهم في الجنة يتحسرون ويتندمون على أنهم ما زادوا في العمل الصالح، وما استزادوا من أعمال البر؛ لأن أعمال البر كثيرة، ومجالات الخير واسعة، والإنسان لا يشبع من خير حتى تكون نهايته الجنة.

هذا الاسم اسمه يوم الحسرة، تتقطع القلوب فيه حسرات على الجنة والتفريط في العمل الصالح في الدنيا.

الغاشية

من أسماء يوم القيامة: (الغاشية).

يقول الله: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] أي: هل علمت وهل بلغك أخبار اليوم العظيم، يوم الغاشية الذي يغشى الناس فيه عذاب عظيم، إن الناس في ذلك اليوم ينقسمون إلى قسمين:

قسم كانت وجوههم خاشعة: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ [الغاشية:3] لكنها: تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً [الغاشية:4] لأنها ما عملت لله، ولا سارت على منهج الله.

وقسم: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية:8-16].

الناس في يوم القيامة في جنة وهم أهل الإيمان، أو في نار وهم أهل العذاب، هذا يوم الغاشية، يوم يغشى الناس فيه العذاب أو تغشاهم الرحمة.

وسميت غاشية؛ لأنها تغشى الناس بالأهوال والعظائم وتغمهم.

ومن معانيها أيضاً: أن الكفار يغشاهم من عذاب النار، ويحيط بهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يقول الله: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [العنكبوت:55] ويقول سبحانه: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41] ولذا فهي غاشية تغشى أصحاب النار بالعذاب من كل اتجاه.. من فوقهم ومن تحت أرجلهم، أجارنا الله وإياكم من النار.

يوم الخلود

من أسماء هذا اليوم العظيم: (يوم الخلود).

يوم الخلود إما في الجنة أو في النار؛ لأن الناس يصيرون في ذلك اليوم إلى الخلود، ليس هناك فناء كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يؤتى يوم القيامة بالموت على هيئة كبش أملح فيجعل بين الجنة والنار، ثم ينادي: يا أهل الجنة تعرفون هذا؟ قالوا: نعم. هذا الموت -مررنا عليه وعرفناه ولا ينكره أحد- ويا أهل النار تعرفون هذا؟ قالوا: نعم. هذا الموت، فيذبح الموت بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت).

يقول أهل العلم: إن هذا الكلام بالنسبة لأهل الجنة أعظم نعيم، لماذا؟ يطمئنهم أنهم خالدون وليس هناك خروج أبداً، وهذا الكلام على أهل النار أعظم عذاب، لماذا؟ ليس هناك أمل للخروج؛ لأن أهل النار وهم في النار عندهم أمل أن يخرجوا، مثل السجين الذي عنده أمل في الخروج، لكن إذا قيل له: سجنه مؤبد، انقطع أمله، يتمنى السجين أن يقال له: تموت، ولا يقال له: تؤبد؛ لأنه يموت حقيقة، هو يموت لكن في قبر فوق الأرض، ممنوع من كل شيء، وهؤلاء في النار لا يموتون أيضاً: (خلود فلا موت)، فيكون عليهم هذا الكلام أعظم من كل عذاب.

يقول الله لأهل الجنة: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ [ق:34] والنار يقول فيهم: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:39] وأما أهل الإيمان فيقول الله فيهم: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:107].

وهذا الكلام يدفعك إلى أن تصحح الوضع الذي أتت فيه، وتغير منطق التعامل مع نفسك ما دام أن خلودك في النار من أجل المعاصي، وتساءل عن الخلود في النار أو الجنة، هل أنا تخلدت في المعاصي أو الطاعات؟ لا. خلودك في الطاعات غير موجود مهما صليتَ فسوف تموت وتتركها، لكن من فضل الله أن يعطيك جزاءً خالداً، مع أنك ما عبدت الله بشكل خالد دائم، وكذلك بالمقابل الخلود في المعاصي: إذا خلدت نفسك في المعاصي فإن الله يخلدك في النار، وما دام أن القضية خلود في جنةٍ أو نار، فلا ينبغي لك أن تجازف من أجل شهوة عاجلة أو لذةٍ -والعياذ بالله- فانية تريحك في الدنيا، ثم تلقى الله وهو عليك ساخط، فيشقى -البعيد- شقاءً لا يسعد بعده أبداً.

يوم الحساب

من أسماء يوم القيامة: (يوم الحساب). ومعنى الحساب: المحاسبة للعباد، المحاسبة معرفة ما لك وما عليك، معرفة مركزك وسنتك المالية، ميزانيتك، أين أنت؟ الآن لا أحد يدري عنك، ولا يدري أحد في الدنيا ما نحن عليه الآن، نحن نعمل، والمحاسبة للنفس يجب أن تكون من الآن، لكن ما تنكشف لنا الأوراق إلا يوم القيامة.

ولهذا أهل الإيمان يوم القيامة يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43] فيوم الحساب يؤتى بسجل الحسنات، ويؤتى بسجل السيئات، ويحاسب الإنسان على كل دقيق وجليل من تصرفاته، يؤتى بأمواله كلها، ويحاسب على كل ريال دخل أو خرج، ويؤتى بساعاته كلها، ويحاسب على كل دقيقة أين قضاها؟ كما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فِيمَ أفناه، وعن شبابه فِيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفِيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) هذا يوم الحساب، يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26] أي ينحرفون عن منهج الله: لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص:26] لأنهم نسوا يوم الحساب فضلوا عن سبيل الله، لو تذكروا يوم الحساب ما ضلوا عن سبيل الله: وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ [غافر:27] قال الإمام القرطبي : معنى الحساب: أن الله عز وجل يسجل ويحصي ويعدد على الخلق أعمالهم من إحسانٍ أو إساءة، ثم يعدد عليهم نعمه التي تقلبوا فيها: نعمة الخلق والإيجاد، والرزق والإمداد والإسعاد، والهداية والدين، ثم يقابل بعضها ببعضٍ؛ فما زاد عن الآخر حكم للزائد بحكمه الذي عينه له بالخير أو بالشر، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان) هذا معنى الحساب.

الواقعة

من أسماء يوم القيامة: (الواقعة).

سميت الواقعة لتحقق وقوعها، إذ لا شك في وقوعها، يقول الله عز وجل: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [الواقعة:1-3] (خافضة) لأهل المعاصي والكفر، (رافعة) لأهل الإيمان والعمل الصالح إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً [الواقعة:4-5] أي: فتتت: فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً [الواقعة:6] مثل الهباء، الجبال التي ترونها عظيمة تكون مثل الهباء: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً [الواقعة:7] أقسام وفرق: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:8-10] ثلاث فرق يوم القيامة، سابقون، وأصحاب يمين، وأصحاب شمال، ولذا ينبغي أن تكون من السابقين، سَابِقْ من أجل أنك إذا سقطت! وكانت بالسقطة قريبة فتسقط في أصحاب اليمين، لكن لا تقل: أنا أريد أن أكون من أصحاب اليمين، فإذا سقطت فأين تذهب؟ مع أصحاب الشمال، هذا لا ينفع، دائماً اجعل نفسك في الأمام، لكن إذا قلت: لا والله أريد أن أكون مع أصحاب اليمين، ثم جئت ولست منهم فأين تذهب؟ ترجع إلى الخلف.. إلى جهنم مع أصحاب الشمال: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة:41-44].

يوم الوعيد

من أسماء يوم القيامة: (يوم الوعيد).

الوعيد هو: ما توعد الله به عباده العصاة من العذاب، يقول الله عز وجل: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:20] وحقيقة الوعيد: هو الإخبار عن العقوبة، أما الوعد: فهو الإخبار عن المكافأة، ولهذا يوم القيامة هناك وعد ووعيد، وعد لأهل الإيمان بالجنة، ووعيد لأهل الكفر والنفاق والعصيان بالنار.

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:20-22].

يوم الآزفة

من أسماء يوم القيامة: (يوم الآزفة).

ومعنى الآزفة: يعني: القريبة، وسميت بالآزفة؛ لقرب وقوعها ولاقتراب حدوثها، يقول الله عز وجل: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ [النجم:57-58] ويقول تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:18-19] .. يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ [غافر:18] القلب أصبح في الحنجرة من الخوف، وتعرف هذا إذا كنت في الطائرة ثم حصل هبوط مفاجئ أو مطب هوائي ماذا يحصل عندك؟ يرتفع شواك (أي: جلد رأسك)، وتحس أن قلبك تزداد نبضاته، ونفسك يكاد ينكتم لماذا؟ لأنه حدث حدثٌ صعبٌ، تتصور أن الطائرة تحطمت، وهي ما تحطمت، وإنما نزلت عشرة أمتار، أو عشرين متراً، أو خمسين متراً، وإذا كان الهبوط قوياً مفاجئاً فإن بعض الناس يموتون، ولذا يؤمر الركاب بربط الأحزمة من أجل أنه إذا حدث شيء إذا بهم على الأقل جهزوا أنفسهم.

لكن يوم القيامة أهوال ليست مثل هذا الهول، أهوال يقول الله عنها: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:18-19].

والساعة آزفة وقريبة، ومعروف أن كل آت فهو قريب، وإن غداً لناظريه لقريب مهما بعد.

والساعة بعد ظهور علاماتها تكون أكثر قرباً ووقوعها أكثر احتمالاً، إذا كانت هناك سيارة سوف تأتي -مثلاً- من الرياض ، ويعطيك شخص خبراً عنها بواسطة تليفون أو برقية، متى تصل السيارة؟ يقول لك: تحركت السيارة من الرياض الساعة السابعة صباحاً، تضرب لها زمناً قياسياً تقول: تقريباً عشر ساعات أو اثنا عشر ساعة على أبعد تقدير، فلا تذهب تنتظرها من أول الوقت، تقعد للساعة الرابعة أو الخامسة ثم تجلس في الطريق، وكلما جاءت سيارة تقول: لعلها هذه، لعلها هذه؛ لأنه أزف موعدها. أي: قرب، فإذا هو أعطاك علامات: بأن السيارة لونها كذا، أو شكلها كذا، ثم رأيت سيارة شبيهة لها قلت: هذه هي، وإذا رأيتها على ما وصف لك قلت: نعم، هذه هي، فالآن الله أخبرنا عن الساعة، وعلاماتها، وقد رأينا أكثر علاماتها، فإذن هي آتية، وكل ما هو آتٍ آت، وما أتت علامته فقد أصبح وقوعه أكثر قرباً.

يوم الجمع

من أسماء يوم القيامة: (يوم الجمع).

لأن الله يجمع فيه الأولين والآخرين، فلا يستطيع أحد أن يفلت من هذا اليوم، يقول الله تبارك وتعالى في سورة الحاقة: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:13-18] لا يغيب أحد بين يدي الله، منذ خلق الله آدم إلى يوم القيامة وكلهم يحضرون؛ ولذا سمي هذا اليوم يوم الجمع، يقول عز وجل: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] ويقول الله عز وجل: ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:103-108] نسأل الله من فضله.

وسميت القيامة بيوم الجمع؛ لأن الله يجمع الخلائق من الأولين والآخرين، وحقيقةً أن يوماً يجتمع فيه الناس كلهم يوم رهيب جداً جداً، الآن إذا اجتمع الناس في يوم عرفة كم يجتمع في عرفة ؟ في الغالب أعلى مستويات الحج مليونين أو ثلاثة ملايين، ولو اجتمع أهل السعودية كلهم في يوم عرفة عشرة ملايين أو خمسة عشر مليوناً، كيف يكون الوضع في عرفة ؟ كيف يكون الزحام؟ تكون الحركة صعبة جداً، ولو اجتمع أهل قارة آسيا كلهم! لو اجتمع المسلمون كلهم -ألف مليون مسلم- في عرفة كيف يصير؟ وإذا اجتمع أربعة آلاف مليون، يعني: كل إنسان على وجه الأرض اليوم، لو اجتمعوا كلهم الآن في مكان واحد كيف يكون الوضع؟ هؤلاء الآن أربعة آلاف مليون وبعد مائة سنة لن تجد منهم أحد إلا النادر كما ورد في الحديث وهو صحيح: (أنه على رأس المائة لا يكون على وجه الأرض أحد ممن كانوا عليها).

يجدد الله الأرض كلها، ويبدل وجه الناس كلهم وكل مائة سنة يأتي بمجموعة جديدة، الذي يولد اليوم بعد مائة سنة لن تلقاه، فيموت في السبعين، أو الثمانين، أو التسعين، أو المائة وهذا نادر وقليل، والنادر لا حكم له، والقاعدة أن الناس كلهم يموتون دون ذلك السن، فإذا كان في كل مائة سنة أربعة آلاف مليون فمنذ خلق الله آدم إلى يومنا هذا كم عاش؟ وكم مات؟ ومن الآن إلى يوم القيامة كم سيأتي؟ لا يعلمهم إلا الله، هؤلاء كلهم موجودون، وأنت منهم في ذلك اليوم، وأنا واحد منهم، في ذلك اليوم يكون كل منا عارياً حافياً جائعاً، في وضعٍ لا يعلمه إلا الله، والناس وقوف كلهم في ذلك الموقف مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [القمر:8] ولا يوجد إلا مظلة الرحمن، الشمس تغلي منها أدمغة العباد، ولا يوجد إلا مظلة واحدة اسمها مظلة الرحمن، فيها سبعة أصناف من الأمة تعرفونهم في الحديث، منهم: (شاب نشأ في عبادة الله...) أسأل الله أن يجعل شباب المسلمين منهم؛ لأن هذه الصحوة التي نراها ونلمسها في الشباب تبشر بخير، ولكن نرجو الله أن يثبتهم على الإيمان، ويلهمهم الرشد في طريق صحوتهم؛ فإن هذه الصحوة ينبغي أن تسير راشدة على كتاب الله وسنة رسول الله، من غير شطط أو جنوح أو غلو؛ لأن الغلو خطر على الدعوات، ويجب أن يسعك ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تأخذ الدين من منبعه الأصلي من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذت وتمسكت بالهدي النبوي نجوت وكنت من ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

وذلك اليوم العظيم -الذي هو يوم الجمع- يخففه الله على أهل الإيمان، فلا يشعرون بطوله، ولا يشعرون فيه بحزن ولا بخوف، يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].

الحاقة

من أسماء يوم القيامة: (الحاقة).

سميت بالحاقة؛ لأنه يتحقق فيها الوعد والوعيد، والعذاب والنعيم الذي وعد الله به الناس الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ [الحاقة:1-4] كذبوا بالبعث وبالنشور فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:5-8].

إذا كان الله عذب ثمود بالطاغية، وعذب عاداً بالريح الصرصر العاتية، وهم كانوا كباراً في الأجسام، ضخاماً في الخلق؛ لكن مع هذا عذبهم الله: فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:8] فإن من عذبهم وأهلكهم قادر على أن يهلك كل من على الأرض، ويوم القيامة يحقق الله عز وجل وعده ووعيده، يقول البخاري في صحيحه : الحاقة؛ لأن فيها الثواب والعقاب، وفيها الجزاء والوعد والوعيد.

يوم التلاق

من أسماء يوم القيامة: (يوم التلاق).

لأنه تلتقي فيه الخلائق كلها، حتى إن آدم عليه السلام يلتقي بآخر من يخلق من ذريته من بنيه، آدم أول إنسان مخلوق، وآخر مخلوق من ذريته يلتقي به يوم القيامة، تلتقي الأم بولدها، والأب بولده، والأخ بأخيه، لكن كل واحد يلتقي بمن يعرفه ويفر منه عندما يراه: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37]، كل شخص لا يريد الصديق في ذلك اليوم؛ لأن الصديق لا ينفع صديقه بل يضره، ولاحظ إذا كنت في الرياض منقطعاً وما عندك شيء تبحث عن صديق أو أحد من الجماعة أو الأقارب لعله ينفعك ويشد من أزرك، لكن يوم القيامة لا تريد أمك ولا أباك، لماذا؟ لأن كل واحد يقول في ذلك اليوم: نفسي نفسي، وورد في الحديث: (أن الأم تأتي إلى ولدها فتقول: أنا أمك؟ قال: نعم. قالت: غذيتك بلبني؟ قال: نعم. قالت: كان حجري لك مهاداً، وكنت أعطيك وتعدد عليه النعم، قال: نعم. قالت: أسألك بحق أمومتي عليك أن تعطيني حسنة واحدة ترجح ميزاني، قال: نعم أنت أمي، وغذيتني، وأعطيتني...، أسألك بحق بنوتي لك إن تعطيني أنتِ حسنة) تريد هي منه حسنة، فيريد هو منها حسنة، فيفر وهي تفر، ما أحد ينفع أحداً يوم القيامة، ولا ينفعك إلا عملك.

يوم التلاق يقول الله عز وجل فيه: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:15-17] فالناس يلتقون يوم القيامة من أولهم إلى آخرهم.

وقيل سمي (يوم التلاق)؛ لأن أهل السماء يلتقون مع أهل الأرض، ومعروف أن أهل السماء ينزلون، قال الله: وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً [الفرقان:25] .. فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن:37] ملائكة السماء الدنيا ينزلون على الأرض فيحيطون بها من جوانبها كلها، والخلائق كلهم في الوسط، ثم يأذن الله لملائكة السماء الثانية فينزلون، فيكونون أعظم من أهل السماء الدنيا، وأعظم من أهل الأرض، فيحيطون بها كلها، ثم ينزل ملائكة السماء الثالثة، فكل سماء ينزل منها من الملائكة أعظم من الذين كانوا قبلهم كلهم: وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً [الفرقان:25] في ذلك اليوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض.

وقيل: سمي (يوم التلاق) لأن فيه يلتقي الخلق بالخالق تبارك وتعالى في ذلك اليوم الرهيب.

وقيل: يلتقي الظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول، والصالح والطالح، في ذلك اليوم يلقى كل عاملٍ ما عمل من خير أو شرٍ، يا عامل اعمل ما تشاء فإنك ملاقيه، لن تجد إلا ما عملت: يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52].

يوم التناد

من أسماء يوم القيامة: (يوم التناد).

أي: إطلاق النداءات، وهذا دائماً يحصل في الكوارث، فإذا ما حصل حريق -عافى الله المسلمين- في بيت، ماذا يحصل؟ الكل يصيح، اتصلوا بالمطافي، هاتوا ماء، قربوا... ابعدوا... انظروا، هذا يصيح، وذاك يصيح، ويوم القيامة ليس حريقاً معتاداً، إنما هو حريق العالم كله، الأرض كلها تحترق، والعالم في رهبة وخوف لا يعلمه إلا الله، والناس في نداءات، وصراخ، وصياح، وأمور مشكلة عليهم، يقول الله عز وجل، كما قال مؤمن آل فرعون وهو ينصح قومه: وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ [غافر:32-33].

وسمي بذلك لكثرة ما يحصل فيه من النداء والصياح، فكل إنسان يُدعى ويُنادى باسمه للجزاء وللحساب، يسمعه أهل الموقف كلهم، وأصحاب الجنة ينادون أصحاب النار، كما قال عز وجل: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف:44] وينادي أهل النار أصحاب الجنة: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50] وأهل الأعراف ينادون وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ [الأعراف:48] ويُنادى في ذلك اليوم على المؤمن: ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، فيبيض وجهه ويأخذ كتابه ويقول لأهل الموقف: هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:19-24] وينادى على الرجل من أهل النار باسمه الذي يعرف به في الدنيا يسمعه أهل الموقف: ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً، فيسود وجهه، ويعطى كتابه بشماله: فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:25-27].

فهذا يوم النداءات.. يوم التناد، مثل يوم -ولله المثل الأعلى- ظهور النتائج في المدارس، لا توجد إلا بيانات تقرأ من الميكرفون، الناجحون من الصف السادس إلى المتوسط، الناجحون من الخامس إلى السادس، الناجحون من الثالث إلى الرابع، وتظهر قوائم ونداءات الراسبين والمكملين، ناجح وساقط فقط، هل ينفع في ذلك اليوم عمل؟ ما رأيكم لو أن أحداً من الساقطين يوم ظهور النتيجة قال: يا جماعة أريد أن أعمل الآن! يقولون له: طارت الطير بأرزاقها، ما معك إلا ما معك، كنت ذاكرت بالأمس، -أمس ذلك اليوم- ذاكر الآن واعمل صالحاً الآن قبل أن تموت، وتلقى الله في يوم النداءات، وينادى عليك بين الخلائق، فضيحة والله ما أعظم منها فضيحة، أن تدعى باسمك، ويقال: أنت شقي، ويعرف كل الناس أنك شقي وعدو لله ملعون في النار، وفخر والله عظيم -يا أخي- أن يدعوك الله على رءوس الخلائق، ويقال: إن فلاناً قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً.

يوم التغابن

من أسماء يوم القيامة: (يوم التغابن).

سمي يوم التغابن لما يحصل لأهل النار فيه من الغبن حينما تفوتهم الجنة، ويدخلون النار، والغبن: شعور بالخسارة في معاوضة تجارية، هذا الغبن هو: أن تشتري سيارة بعشرين ألفاً، ثم تأتي تبيعها بخمسة آلاف، يحصل عندك غبن، تشتري عمامة من دكان بستين ريالاً، وتخرج لتراها في دكان ثانٍ نفس الموديل، والتصميم، والماركة بأربعين ريالاً، هل يحصل عندك غبن أو لا؟

فأهل الجنة يوم القيامة اشتروا الجنة بالعمل الصالح، قدموا الثمن في الدنيا واشتروا، وجاء هؤلاء ما عندهم شيء، وإذا بهم يشعرون بغبن.. اشتروا النار بالمعاصي، يشتري الأغاني والمجلة الرخيصة بنقود، يذهب إلى الخارج لكي يزني ويسكر ويخمر بنقود، اشتروا العذاب بأموالهم، ويوم القيامة يحصل لهم الغبن، يقول الله عز وجل: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9] وقد ورد أن أهل النار يؤخذون إلى طرف الجنة ثم يقال لهم: ما هذه؟ قالوا: الجنة، قالوا: وهذه منازلكم فيها لو أنكم أطعتم الله، لكنكم لما عصيتم الله أبدلكم الله عز وجل بمنازل أخرى وهي النار، فيرجعون إلى النار بغبن ما رجع به الأولون والآخرون، ويتمنون ويقولون: ربنا لو أدخلتنا النار لكان أهون من أن تدخلنا بعد أن نرى الجنة، ولكن زيادةً في العذاب، نعوذ بالله من النار!

أسماء أخرى ليوم القيامة

هذه أشهر أسماء يوم القيامة، وقد وردت أسماء وأوصاف كثيرة اشتقها العلماء من الآيات والأحاديث مثل: يوم عسير، ويوم عظيم، ويوم عبوس، ويوم مشهود، ويوم قمطرير، ويوم عقيم، وأيضاً أخذت من بعض الآيات، مثل: يوم الخزي، يوم الهوان، يوم الذل، يوم الافتقار، يوم الاحتقار، يوم الصغار، يوم الانكسار، يوم الميقات، يوم المرصاد، إلى غير ذلك من الأسماء، هذه الأسماء الكثيرة لِمَ تعددت ولِمَ كثرت ولم يكن لها اسم واحد فقط؟ يقول العلماء: كلما عظم شأن الشيء تعددت أسماؤه وصفاته، وهذا شائع في كلام العرب، الشيء الحقير ما له إلا اسم واحد فقط، لكن الشيء العظيم له أسماء كثيرة، فالأسد له أسماء كثيرة: اسمه أسد، وليث، وغضنفر؛ لأنه أسد، لكن الثعلب ما له إلا اسم واحد ثعلب ماذا نسميه؟ ابحثوا له عن اسم ثانٍ، ليس معه إلا اسم ثعلب فقط، فالشيء إذا احتقر لم يسم إلا باسم واحد، وكل ما عظم تعددت أسماؤه، وهذا شائع ومعروف في كلام العرب، ألا ترى أن السيف له أسماء كثيرة: مهند، فيصل، بتار...، له أسماء كثيرة لماذا؟ لأنه بتار، بينما الأشياء الحقيرة ليس لها إلا اسم واحد.

والقيامة لعظمتها ولهولها، ولعظم أمرها؛ سماها الله عز وجل بهذه الأسماء الكثيرة، ووصفها بهذه الأوصاف المتعددة.

نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينجينا وإياكم من عذابه، وأن يؤمن خوفنا يوم القيام له بين يديه، وأن يجعلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

كفارة الجماع في نهار رمضان

السؤال: اتصل بي رجل يقول: إنه كان جندياً يعمل في الرياض ، وجاء في إجازة في رمضان، ودخل بيته بعد صلاة العصر، وزوجته موجودة، ولم يبق على أذان المغرب إلا ساعتين أو ساعة ونصف، ولكنه لعدم خوفه من الله، وعدم وجود الإيمان القوي الذي يحجزه عما حرم الله، ما استطاع أن يصبر على ساعة ونصف، فواقع زوجته في رمضان وهو صائم وهي صائمة، يقول: ومشت الأيام، ثم هداني الله عز وجل فماذا عليَّ؟

الجواب: عليك صيام شهرين متتابعين بدل ساعتين، لماذا؟ كفارة وتوبة من الله، ثم صامها الرجل لما قوي إيمانه، وجاءني بعد فترة يبشرني قال: أبشرك صمتها، صام الستين يوماً لما قوي إيمانه، ولم يصبر ساعتين لما ضعف إيمانه.

خرافات يجب الحذر منها

السؤال: أرسل إلي شخص رسالة يقول: ما رأيكم في هذه الورقة -وصلته في ظرف- يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] إخواني المسلمين! وأخواتي المسلمات! مرضت فتاة وعمرها ثلاثة عشر عاماً مرضاً شديداً، وعجز الأطباء في علاجها، وفي ليلة اشتد المرض عليها، وبكت المسكينة حتى غالبها النوم، فرأت في منامها السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها، فوضعت في فمها قطرات، وبعد أن استيقظت من النوم وجدت نفسها قد شفيت من مرضها تماماً، وطلبت منها السيدة زينب رضي الله عنها أن تكتب هذه الرؤيا ثلاث عشرة مرة، وتقوم بتوزيعها على المسلمين والمسلمات لينظروا في قدرة الله سبحانه، تقول البنت: وعند توزيعها: النسخة الأولى وصلت إلى يد فقير فكتبها ووزعها على الناس، وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً أصبح الفقير غنياً-نزل له كرتون من السماء مملوء بالأوراق النقدية!- والنسخة الثانية وصلت إلى يد عامل أهمل كتابتها، وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً فقد عمله، وفُصل من عمله؛ لأنه ما كتبها، والنسخة الثالثة وصلت إلى يد أحد الأغنياء ورفض كتابتها وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً فقد كل ما يملك من ثروته وأصبح فقيراً، فبادر -يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة- عند وصول هذه الرؤيا بكتابتها ثلاث عشرة مرة، ووزعها على الناس لتنال ما تتمنى، وصلى الله على نبينا محمد، جزاكم الله ألف خير، يقول: فاعل خير.

الجواب: هذا فاعل شر، وليس فاعل خير، ولا جزاه الله عن الإسلام ولا عن المسلمين خيراً.

هذه الأكذوبة وهذه الخرافة نسمعها ونسمع مثلها، كما سمعنا في الماضي خرافة الشيخ أحمد نزيل المدينة وحارس حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال في كذبته: أنه رأى النبي وأخبره النبي أنه سوف يموت في كل جمعة مائة وستون ألفاً على غير الإسلام، وراجت هذه الكذبة، وهي كذب وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء الكذابون ليمارسوا كذبةً من نوع جديد وخرافة جديدة، يريدون بها أن يصوروا الدين على أنه أساطير وخرافات، هذه لها علاقة بالدين! تراها مستفتحة بآية، وأن هذه من أولياء الله السيدة زينب ، وأن عليك أن ترسلها، وإذا أرسلتها ومر ثلاثة عشر يوماً، ولم يحصل لك شيء، ماذا ينعكس في ذهنك؟ أن هذا الكلام كذب وخرافات، وتقول: الدين كله خرافات.

هم يصورون هذا من أجل أن يغرسوا في نفوس الناس أن الدين خرافات، هذا الكلام باطل وحكايته على الأولياء باطلة، لأن السيدة زينب أو غيرها من الأولياء لا يملكون ضراً ولا نفعاً لأنفسهم فضلاً عن غيرهم حتى يشفوا المرضى، يقول الله عز وجل: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14] لا يستطيع أحد أن ينفع أحداً، سواء كان ولياً أو غير ولي، الولاية والصلاح تنفع صاحبها فقط يوم أن يموت والله راضٍ عنه، يوم القيامة تنفعه، أما وهو في قبره لا تنفعه ولايته، حتى إنه لا يستطيع أن ينفض عن ظهره التراب، أو يرجع إلى بيته؛ فضلاً عن أن يقوم من قبره ويأتي إلى المريضة ويضع في فمها قطرات وتعطى العافية، هذا كله كذب، ثم يُتَوَّج هذا الكذب بهذه الخرافات أن من كتبها ثلاث عشرة مرة وأرسلها يأتيه... ماذا؟ إذا كان فقيراً يصير ثرياً، كيف يصير ثرياً؟ وإذا كان موظفاً مخلصاً في عمله، يأتيه قرار بالفصل... لماذا؟ ألا يوجد نظام يحمي الموظف؟ أليس هناك نظام عمل وعمال؟ أليس هناك نظام موظفين؟ وإذا كان غنياً ووصلته، وما أرسلها يصبح فقيراً، ما يبقى معه ولا ريال، هذا كذب.

والعجيب -أيها الإخوة- أن هذه الأساطير والخلافات تنطلي على عقول الناس.

أنا أقول وقد قلته البارحة في أبها : لو أتينا بقطيع من البقر وأدخلناها في حوش، وقرأنا عليها هذا الكلام وقلنا: يا بقر ما رأيكم هل هذا كلام صحيح أو لا؟ لهز كل ثور رأسه وقال: هذا كلام فارغ، ليس هناك رزق في ورقة، لا أصير غنياً بورقة أكتبها ثلاث عشرة مرة، أمعقول: أمعقول أن أكتب ورقة ثلاث عشرة مرة وأصورها ثلاث عشرة صورة بثلاثة عشر ريالاً، وأرسلها وأصير غداً عنياً؟! نعم، كل واحد سوف يعملها، ونصير غداً كلنا أثرياء، وأرصدة بالملايين، هذا كلام لا فائدة فيه!!!

هذا ونسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , أسماء يوم القيامة للشيخ : سعيد بن مسفر

https://audio.islamweb.net