اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , واقعنا بين الأمس واليوم [2،1] للشيخ : سعد البريك
الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، الحمد لله ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله الذي جمعنا وألف بين قلوبنا، ولو أُنفِق ما في الأرض جميعاً ما ألف بين قلوبنا إلا بفضله ومنته ورحمته، الحمد لله الذي خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي لهم ولا مؤوي، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الأحبة في الله! أحييكم بتحية الإسلام: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وخير ما أبدأ به كلمتي هذه أن أتوجه إلى الله بدعاء وأنتم تؤتمنون عليه:
وأسأل الله أن يكون هذا الدعاء مستجاباً لنا جميعاً؛ لأنه ما جاء بنا إلا ابتغاء رحمته، وما جمعنا إلا ابتغاء مرضاته وجنته، فنسأله أن لا يردنا خائبين ولا محرومين.
اللهم إنا نسألك أن تكفينا بحلالك عن حرامك، اللهم بارك لنا فيما أبحت لنا، وحبب إلينا ما شرعت لنا، وبغض إلى نفوسنا ما حرمت علينا، اللهم إنا نسألك أن تجعل لنا لكل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، ونسألك اللهم الوفاة على التوحيد شهداء، والحياة على الإسلام سعداء، والحشر يوم المحشر مع الأنبياء، اللهم إنا نسألك أن تتوفانا وأنت راضٍ عنا، راكعين ساجدين هداة مهديين راضين مرضيين، ونسألك اللهم ألا تفاجئنا ملائكة الموت ونحن على معصية.
أيها الأحبة في الله! حديثنا اليوم إليكم بعنوان: "واقعنا بين الأمس واليوم".
أيها الأحبة! ماذا نستفيد إذا حدثناكم عن الأمس، وماذا نجني لو حدثناكم عن اليوم، هل الفائدة أن نسرد عليكم الأقاصيص والروايات؟
لا والله. إن حديثنا عن الأمس مقارنة باليوم، إن حديثنا عن واقعنا وأمسنا وإن تأملنا في مستقبلنا أمر ضروري، والله جل وعلا في كتابه الكريم ذكر آيات دلت على ذلك، فينبغي أن نعلم أن من أهم الأمور التي نستفيدها من دراستنا لأمسنا وليومنا أن نعلم أموراً مهمة عديدة:
فحينما نتحدث عن الأمس واليوم فإننا نتحدث في إطار سنن ثابتة لا تتغير أبداً، وإن من أهم السنن التي هي ثابتة لا تتغير ويهمنا أن نتناولها في موضوعنا اليوم: أن نعلم عداوة الكافرين للمؤمنين، والفاسقين للصالحين أنها عداوة باقية وعداوة أبدية.
يقول الله جل وعلا: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:105].
سنة العداوة من الكافرين لنا معاشر المؤمنين سنة باقية، إن أعداءنا الكفار الذين عادوا رسول الله، وعادوا صحابة نبيه، وعادوا خلفاءه الراشدون، وعادوا أئمة الإسلام وعلمائه لا يزالون هم الأعداء إلى هذا الزمان.
العداوة باقية وإن اختلفت أساليبها وتلونت أشكالها وتنوع وتغير رجالها وأبطالها، المهم أن نعلم أن حديثنا بين الأمس واليوم لا يلغي السنن، السنن باقية، فمنها هذه العداوة: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109] ويقول جل وعلا: هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران:119].
فيا معاشر المؤمنين! إن أعداء الدين الذين كانوا فيما مضى من الأزمنة هم على مدار الأزمنة والأمكنة موجودون، وهذه سنة التدافع: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251].
فحديثنا عن الأمس أو حديثنا عن اليوم هو حديث عن الظواهر، أما السنن فهي لا تزال سنن باقية.
والليل فاعلم والنهار كلاهـما>>>>>أرواحنا فيها تعد وتحسب
الليل والنهار منذ زمن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أربعة وعشرون ساعة، واليوم يتراوح طوله وقصره بين الليل والنهار، هل زاد النهار في هذا الزمان وقصر في ذلك الزمان؟
لا، الزمان هو هو كما كان.
واعلموا كذلك أن صفات أهل الزمان الخلقية الأصلية كما كانت في ذلك الزمان هي موجودة أيضاً في هذا الزمان؛ كي تقوم الحجة علينا.
إن الصحابة كان لهم عينان وأنف واحد ويدان ورجلان، ولكل واحد منكم عينان ويدان ورجلان وأنف واحد لم يتميز ذلك التاريخ السابق، أو الأمس الذي نتحدث عنه، لم يتميز بأن أصحابه كانوا أولو عشرات الأعين ونحن ليس لنا إلا عينين فقط، لا، بل اتفقنا معهم أعيننا كأعينهم، وأنوفنا كأنوفهم، وأبصارنا كأبصارهم، وأقدامنا كأقدامهم، وأيدينا كأيديهم.
إذاً ما الخلاف؟
اختلفت البصائر: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].
والذين حينما تحدثهم عن واقعهم، أو انحراف أو تساهل أو ضعف في سلوكهم وتمسكهم بدينهم، وتهاون بالغيرة في حرمات الله وأوامر الله ومناهي الله جل وعلا، قام يحدثك ويقلب لك الأمر ويفرقع الأصابع: ذاك زمان مضى وهذا زمان اختلف، لا.
أرى حللاً تصان على أنـاس>>>>>وأخلاقاً تداس فلا تصان
يقولون الزمان به فساد>>>>>وهم فسدوا وما فسد الزمان
نعيب زماننا والعيب فينا>>>>>وما لزماننا عيب سوانا
وقد نهجو الزمان بغير جـرم>>>>>ولو نطق الزمان بنا هجانا
فيا أحبتي في الله! ينبغي أن نعلم أننا يوم أن نتحدث عن الأمس واليوم، أننا نتحدث عما جنت واجترحت وفعلت واكتسبت أنفسنا وجوارحنا، أما السنن فإنها لم تتغير أبداً.
هذا الكلام أقوله لكي لا يزداد بعدنا عن الزمان الأول وإغراقنا في الزمان الآخر، ولكي نتمسك بما كان عليه الصدر الأول: (أفلا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي).
مهما كانت البشرية في القرن الخامس عشر الهجري أو العشرين -بعد أيام قليلة ندخل في عام ألف وأربعمائة وأحد عشر- أو لو بلغنا عام ألف وتسعمائة أو ألفين للهجرة فإن عام ألفين للهجرة لا يعني أن نتهاون بحرف واحد من كتاب الله جل وعلا، مهما تقدمنا وتطورنا ومضت بنا العصور والأزمنة فإن ذلك لا يغنينا ولا يجعلنا في غنىً عن آية واحدة من كتاب الله، فضلاً عن كتاب الله كله، لماذا؟
لأن السنة واحدة، والسنة باقية، وسنة الله في هذا الكون لا تتبدل ولا تتحول، أراد الله لهذا الدين أن يكون خاتماً ومهيمناً على سائر الأديان والرسالات إلى يوم القيامة، فكانت معجزة الدين خاتمة ومهيمنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ينفعنا الحديث عن الماضي أن نتأسى وأن نتثبت، وإذا ابتلينا بواقعة في زمننا، تأملنا تاريخنا، وتاريخ أسلافنا، بل وسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، لنعلم أن فيها عظة وعبرة، ودواء وعلاجاً، وشفاءً ومنهجاً وترياقاً، وتجربة صادقة من تمسك بها نال الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، هكذا حينما ندرس الماضي، لا لكي نقرأ كان يوم كان، أو لكي نعرف الحكايات الممتعة، والبطولات المتنوعة، لا، إنما ندرس الماضي لكي نستلهم العبر، ولكي نفتش ولكي نقلب الأحرف والأسطر من التاريخ والسيرة، عند ذلك نجد أن لكل واقعة جديدة علاقة بحدث قديم، لو استطعنا أن نستنبط وأن ندقق وأن نعرف الطريق الصحيح إلى الفهم والاستيعاب.
كذلك في هذا القرآن ما يدل على ذلك، إن الله جل وعلا قد جمع لنبيه أخباراً عن الأولين السابقين السالفين، نحن الآن نتكلم عن الماضي، ونتكلم عن اليوم والله جل وعلا قد قص على نبيه أحداث وأخبار وأنباء أقوام كانوا في الماضي، وأخبره عن كيد قومه في زمنه، لماذا يا ربنا قصصت على نبينا على أخبار أقوام مضوا وسلفوا، لماذا؟
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأنعام:10]، وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود:120].
فإذاً: الله جل وعلا قد ذكر لنبيه وبيَّن أن أقواماً غير من قصصنا عليك لهم أخبار ولهم أحداث وشأن مع أنبيائهم، إلا أن الله جمع لنبيه فيمن لم يفصل له قصتهم وأنباءهم جمع له شأنهم فقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
وفي القرآن تفصيل وإيجاز وبيان وتوضيح لأخبار من سلف من الأنبياء والرسل لتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، يضير قلبك، يجرح خاطرك، يحز في فؤادك أن قومك يستهزئون بك، يسخرون بك، يستهزئون من دعوتك، يسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيقول صناديد الكفر والشر: أيكم يأتي بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر هذا الصابئ، فيقوم أشقى القوم عقبة بن أبي معيط ، ثم يأخذ سلا الجزور -وهو بقايا الناقة بعد نتاجها- ويضعه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه فيها عبرة يا إخواني لكل داعية ولكل تائب إلى الله يوم أن نجد الاستهزاء والسخرية، تضيق وتتبرم وتنزعج وتتكدر يوم أن تجد من يستهزئ ويسخر بك؛ لأنك التزمت وتبت إلى الله واستقمت على نهج الله، لن تكون أفضل من محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، الذي هو أفضل من وطئت قدمه الثرى، ومع ذلك وضع نجاسة وبول ودم الناقة على ظهره صلى الله عليه وسلم؛ فإذا أوذيت فتذكر من قبلك، وإذا ابتليت فتذكر من قبلك، من هنا يكون حديثك عن الأمس فائدة لك في اليوم، أما أن يكون الحديث مجرداً من دون فائدة ولا عبرة ولا تثبيت للفؤاد، فلا فائدة في كان يوم كان، أو فُعل أو حصل أو قيل أو قال.
تكلمنا عن الأمس بإيجاز، ونتكلم عن فوائد الكلام في اليوم بإيجاز.
حينما نتحدث عن واقعنا من دون ثمرة عملية للواقع ماذا نستفيد؟ أحدثكم عن الواقع، أحدثكم عن غفلة الناس عن ذكر الله، أحدثكم عن بعد بعض الناس عن طاعة الله، أحدثكم عن إهمال بعض الآباء لأبنائهم في التربية على منهج الله، أحدثكم عن ضيعة من تولوا مسئولية البيوت والأسر والبنات والزوجات، ضيعوا ما ولاهم واسترعاهم الله، ثم ماذا؟
أطيل الحديث لكم، وأنبئكم بأشجان ومصائب، وما يحز في قلبي مما أرى في واقعي ثم ماذا بعد ذلك؟
لو حدثتكم عشر ساعات، ثم أخذتم تبكون وتنشجون، وتصيحون وتهزون الرءوس، هذا لا فائدة منه، هذا شأن النساء وليس شأن الرجال، إن شأن الرجال يوم أن يتحدثوا عن واقعهم يتحدثون عن الواقع لكي يفعلوا أمام الواقع أمراً يصلحه، هل تنتهي مهمة مراجعتك للمستشفى بمجرد دخولك على الطبيب وتصف له الواقع، أيها الطبيب عندي قلة شهية واضطراب في الأمعاء، وصداع في الرأس، وخمول في المفاصل، ووجع في الأعصاب، ثم يقول الطبيب: لا حول ولا قوة إلا بالله، وتخرج من باب المستشفى؟! هل سمعتم أن هذا طب، أو أن هذا عقل، أو أن هذا علاج؟ لا، هذا جزء بسيط أن تصف الأعراض، أن تصف الحالة، لكن أنت جئت واصفاً لحالتك من أجل أن تنال الدواء والعلاج، من أجل أن يقول لك الطبيب: اترك كذا، وافعل كذا، واجتنب كذا، وتجنب مصاحبة كذا، واحرص على أداء كذا، وعند ذلك يكون وصفك لحالتك مجدياً أمام جواب نافع، أما أن نصف الواقع بدون فعل وبدون عمل، فهذا لا ينفعنا بشيء أبداً.
وقديماً قالت العرب في أمثالها: أوسعتهم سباً وأوردو بالإبل. أنا أخبركم بقصة هذا المثل:
راعٍ من الرعاة، استودعوه أذواداً -جمع ذود من الإبل- يرعاها، فغزا قوم المرعى، فاستاقوا الإبل وضربوا الراعي، وأخذ الراعي يرفع يديه ويلعنهم ويشتمهم ويسبهم وهم يسوقون الإبل هاربين غانمين بها، فلما جاء أصحاب الأباعر قالوا: أين النوق؟ قال: والله غزانا بنو فلان فأخذوا النوق والأباعر، قالوا: وأنت أين كنت؟ قال: والله كنت أشتمهم وأسبهم وألعنهم، هل هذا يكفي؟ لا.
أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل
فهذا شأننا إن كنا نتحدث عن واقعنا اليوم بدون عمل، فنحن أوسعناهم شتماً وساروا بالإبل.
لو انطفأ النور في هذا المسجد الآن، كلكم يقول: انقطع التيار الكهربائي؟ فماذا نفعل؟ انطفأت الأنوار، انطفأت الأنوار، ثم نردد هذه العبارة، ماذا استفدنا؟
يعثر بعضنا في بعض، يطأ بعضنا بعضاً، يموت بعضنا بسبب تدافع بعض بدون فائدة؛ لأننا لم نزد على أن وصفنا الواقع، لكن لو قام واحد ذكي واشترى شمعة بنصف ريال وأشعلها لرأينا جميعاً، فهنا استفدنا بعد ذكر الواقع أن نوقد شمعة، وكما قال: لأن نوقد شمعة في الظلام خير من أن نلعن الظلام ألف مرة.
إخواني! واقع كثير من الصالحين أو الطيبين أو المستقيمين أو الدعاة -فضلاً عن سائر إخواننا الذين نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية، وأن يذيقهم لذة الاستقامة- أنهم يحسنون وصف الأشياء ولا نعرف كيف نتعامل بعد ذلك، فأمثالنا أمثال من وقفوا في تقاطع الطريق، والسيارات ذاهبة غادية رائحة، واحد يجلس في الطريق، ويقول: هذه (التريلة) قربت.. وصلت فسوف تدعسنا.. دعستنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهل ينفع الوصف؟
لكن ينفع أن نبتعد عن طريق (التريلة) قليلاً حتى نسلم وتمر هذه السيارة أو الشاحنة بسلام.
إذاً: وصف الواقع من الأساليب التي اجتهد الأعداء أن يشغلونا بها.
مثلاً: أنا أصلي جمعة في مسجد فيقول الخطيب: يا معاشر المؤمنين! إن مخططات أعداء اليهود قد نفذت في هذا الزمان حرفاً حرفاً، وإن برتوكولات حكماء صهيون قد نفذ منها البرتوكول السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر على التوالي والمصلين يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، وماذا بعد ذلك؟ نفذوا السابع عشر أو السابع والعشرين، ما دام أن ليس عندنا إلا هز الرءوس، فمعنى ذلك: أن لا فائدة، لكن لو قلنا: ماذا قدمنا؟ لكي نقف بالمرصاد أمام البرتوكول الأول من مخططات حكماء صهيون؟ عند ذلك نقف وقفة المحاسبة، ووقفة المراجعة، ووقفة التأمل مع أنفسنا لنعلم إلى أي درجة نحن نفهم هذا الواقع.
أيها الأحبة! نحن نعيش في مواجهة عدو تمرس في مختلف الأساليب النفسية، والفكرية، والتجريبية، والعلمية، والفنية وفي شتى المجالات، نحن نواجه عدواً ذكياً يستطيع أن يشغل الكثير من شبابنا من حيث لا يشعر.
لذلك أيها الأحبة! أقول: إن من أهم واجباتنا فيما يتعلق بذكر واقعنا: أن نعرف قاعدة قبل أن نتكلم عن الواقع، ماذا سنفعل بعد أن نعرف الواقع؟
أيها الأحبة! حديثنا عن واقعنا وأمسنا نقسمه إلى ثلاثة جوانب: واقعنا الاقتصادي وماضينا الاقتصادي، واقعنا السياسي وماضينا السياسي، واقعنا الاجتماعي وماضينا الاجتماعي، وأرجو أن لا تخافوا من كلمة السياسة؛ لأني سأتحدث عن نظريات.
هذا فيما مضى، كل مسلم حتى وإن كان خبازاً، أو حائكاً، أو بناءً، أو فلاحاً، هو في عمله، لكن يعتقد أن العزة للمسلمين، ولا يمكن أبداً أن يكون لكافر على مسلم سلطان أبداً، لقوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141].
نظريتنا السياسية في العهد القديم: أنه لا يمكن أنه يوجد كافر يستعلي على مسلم، هكذا كانوا يفهمون وهكذا كانوا يتعاملون، ولذلك فلا يرضون أن يكون للكفار أدنى رفعة أو أدنى علو أو زهو أو مكانة أبداً هكذا عقيدتهم، هكذا تربوا، وهكذا شربوا ورضعوا.
أما واقعنا اليوم عندكم أنتم وعندي أنا وعند كثير من المسلمين في هذا الزمان: أن الأرض فرصة متساوية لطوائف من البشر يمكن أن يستعلي فيها من يستعلي، وأن يعيش فيها من يعيش.
نحن لا نحرم الناس حق العيش، أرجو أن لا أفهم فهماً خاطئاً، إن الإسلام جاء بحفظ كرامة الذميين من اليهود والنصارى، إن الإسلام جاء بحفظ حقوقهم، إن الإسلام جاء بحقوق وواجبات لهم وعليهم، لكن بشرط أن يكون الإسلام هو الأعلى.
أما في هذا الزمان فأين المسلم الذي إذا زار الأندلس قال: كيف أصبحت هذه الأرض بأيدي الكفار؛ لأن النظرية السياسية انتكست، تجد الكثير من المسلمين يزور برشلونا، وبهو السباع، قصر الحمراء، غرناطة، وهو يتمتع بهذه المظاهر الجميلة، لكن أن تجده يحترق فلا؛ لأن النظرية انعكست بدلاً من أن يكون المسلمون هم على هذه الأرض، أصبح النصارى يجعلون صورة الصليب والعذراء والمسيح على مداخل المساجد في تلك المناطق، لا، هذه الدنيا فرص، وهذه الآن فرصة الأسبان أن يعيشوا على هذه الأرض لا أقل ولا أكثر.
من هنا انتكس مفهوم النظرية السياسية، ففي القديم كان المسلم لا يرضى أبداً أن يتملك كافر شبراً من أراضي المسلمين، لكن في زماننا هذا صار هَمُّ كل مسلم أن ينال قطعة أرض على شارعين، وسيارة لا بأس بها، إما نقداً أو بالتقسيط المريح، وزوجة على المواصفات المطلوبة حسب الإمكان، ومستقبل مادي لا بأس به، هنا يعيش حد وفكر كثير من المسلمين، وأنا لا ألومهم أيها الإخوة لأن النفوس درجات، من الناس من لا يقنع إلا بدرجة أولى، ومن الناس من لا يقنع إلا بطيران خاص، ومن الناس من يقنع بالقطار المسمكر، كل يضع نفسه حيث شاء، فمن المسلمين الذين تنسموا وتنفسوا روائح العزة لا يرضون بل لا يطيقون أن يروا كفاراً على معقل من معاقل المسلمين.
هذا فيما يتعلق بالنظرية السياسية أو بالواقع السياسي بين الأمس واليوم.
يقول لي أحد الدعاة وهو ألماني الجنسية مصري الأصل قال: كنت في زيارة لأهلي في مدينة المنصورة فسألت جارة لنا، تعيش في بيت خرب للغاية، مصر التي كانت تصدر للدنيا خيرات عظيمة، وكانت شوارعها تغسل بالصابون، القاهرة كانت تغسل بالصابون، ماذا حصل؟ كيف الحال يا أم سيد؟ وهي تعيش في بيت خرب أوشك على السقوط، وتطلب من جارتها أن تسكن في حضيرة الفراخ، فيقول لها: يا أم سيد كيف الحال؟ فتقول: يا بني لو أحسن من كذا (حتبوز) أي: لو وجد أحسن من البيت الخربان وحضيرة الفراخ فستخرب، أين همة المسلمين؟ أين الهمم التي لا ترضى إلا بالأعالي؟ أين الأم المجاهدة التي كانت تقول: لا تدخل هذا البيت حتى تأتيني برأس عدو الله؟
أصيب المسلمون بما يسمى بالتطبيع والهدوء، وعام السلام وعام الأمن وعام الطمأنينة، ينبغي لكل أن يقنع بهذا، وكما يقول الفاجر قباني:
بالسلم قانعون بالحرب قانعون
بالحر قانعون بالبرد قانعون
وكل ما نملكه إنا إلى الله لراجعون
يصف ويستهزئ وهو من النصارى، شهد شاهد من أهلها، يصف حال أمته ومن حوله، يقول: إنهم قنعوا بما أراد الأعداء.
والله -يا إخوان- حينما ترى، ويتفاءل الرئيسان العظيمان بعد الخروج من قمة مالطا للحد من الأسلحة طويلة المدى، ونزع الصواريخ متوسطة المدى، والاتفاق بين حلف الناتو والأطلسي و.. و.. إلى أن يكون هذا العام عاماً جديراً بالسلام الدولي والأمني.
ما هذا السلام؟
سلام وفلسطين عند اليهود؟! سلام وأفغانستان عند الشيوعية؟! سلام وبورما تسيل من دماء المسلمين؟! سلام وأثيوبيا ستة آلاف امرأة يزنى بهن في السجون؟! سلام والفليبين يذبح المسلم فيها كما تذبح الشاه، وفي مانيلا وفي منديناو؟ كيف تطوف اللعبة على المسلمين، لأن النظرية السياسية والواقع السياسي اختلف، كنا بالأمس لا نرى راحة ولا طمأنينة حتى نتربع على الأرض من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها.
أما الآن فغاية الطمأنينة عندنا أن نملك قطعة من الأرض على شارع أو اثنين، وسيارة صغيرة وزوجة صغيرة، .. إلى آخر ذلك.
لا يا إخوان! حينما نعرف الموال والعزف الموسيقي على وتر السلام فلنعرف ما هو السلام، سيحدثونك يا بني عن السلام: لكن ما هو هذا السلام الذي يتحدثون عنه، سلام يعيش فيه المسلمون أعزاء كرماء؟! سلام ينال به المسلمون أبسط حقوقهم كبشر؟!
والله لقد عاملوا إخوانكم في أفغانستان وفي جنوب السودان وفي إريتريا وفي الفليبين وفي كثير من مواقع الأرض التي كانت السلطة والدولة والقوة فيها للمسلمين، عاملوهم أقل مما يعاملون البهائم والكلاب والدواب والحشرات، هل سمعتم بالإبادات الجماعية، والأسلحة الكيماوية؟!
لا والله يا معاشر المؤمنين، أي سلام هذا الذي يراد أو يتحدث عنه، والمسلمون هكذا دماؤهم رخيصة، فحينما تسمعون العزف على وتر السلام اسألوا: ما هو السلام؟
أكلت يوم أكل الثور الأبيض، كانت فلسطين لا يتربع فيها إلا الفلسطينيون، وكذلك كل دولة من دول الإسلام، وأفغانستان لا يتربع فيها إلا الأفغان، كان أهل سجستان فيها، وأهل ترمذ فيها، وأهل بخارى فيها، وأهل طشقند فيها، وأهل جوزجان فيها، وأهل دوشمبي، وأهل طاجكستان كل أمة متمتعة، لكن جاء الدب الروسي الملحد فنهب قطعة من الأرض، فقال الذي بجواره: الحمد لله، ما دمت سليماً فالمسألة سهلة، فجاء الدب الروسي الشيوعي الملحد فنهب القطعة الثانية فقال الثالث: الحمد لله أنا سليم، فأخذ الثالثة، قال الرابع: أنا سليم، فأخذ الخامسة قال السادس: أنا سليم، حتى أكلت أراضي المسلمين وبلدانهم، بسبب التخلف في النظرية السياسية والانتكاس لماذا؟ أصبحنا فكرياً فضلاً عن عملياً نوافق أن يكون للكفار قائمة، وأن يكون للكفار دولة، وأن يكون للكفار أمة.
ولذلك لاحظوا كم عدد الذين يتمنون أن تنتهي قضية أفغانستان بالحل السلمي وسنفونية الأمن والأمان والسلام؟ ليس لدينا مانع، والكثير يردد أن تنتهي القضية الأفغانية من خلال مسلكين: منظمة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، تتولى منظمة الأمم المتحدة الانتخابات في المناطق التي يسيطر عليها الشيوعيون، ومنظمة المؤتمر الإسلامي تتولى الانتخابات في مناطق المهاجرين، والمناطق التي يسيطر عليها المسلمون، هذا المبدأ تقترحه الدول الكافرة.
نحن لا نتهم الآن منظمة المؤتمر الإسلامي أو نقول هي عميلة أو دخيلة، لا تفهموا خطأً أو تنقلوا خطأً، لكن أقول هكذا يفكر الأعداء أن ينهوا القضية، وللأسف بفكر ومنطلق ومفهوم الأعداء في إنهاء القضية وحسمها على هذا الواقع المرير يوجد آلاف بل مئات الآلاف من المسلمين، بل ملايين يريدون أن تنتهي القضية، تنتهي على ماذا؟
بعد مليون وستمائة ألف رقبة وروح أزهقت، وثمانمائة ألف يتيم، دموعهم تزرع الأشجار الباسقة، ما مسحت أبداً، بعد قرابة المليون معوق، يد، رجل، عين، وجه، جذع أنف، إعاقة، شلل ثلاثي أو رباعي أو نصفي، بعد هذا كله نجد مسلماً يوافق أن تكون الدولة والحكومة للشيوعيين مشتركة مع المسلمين بهذا الاقتراح الذي يقترحه الأعداء والعملاء؟! لا.
فيا معاشر الأحبة! أعلموا أنه ينبغي أن نعتقد أنه كما لنا في هذه المملكة الطبية وهذه الجزيرة المباركة، كما أن للمسلمين فيها ولولاة أمرهم السلطة والقوة والدولة والغلبة، فينبغي أن تكون الدولة والسلطة والغلبة للمسلمين في كل بقاع الأرض، لا أن تقول: الحمد لله نحن بخير، ولا نبالي بأي مسلم في أي وادٍ هلك، هذا من الجهل ومن الخطر ومن الاتكالية القاتلة.
لأننا لا نملك ما تملكه إسرائيل، وإن إسرائيل تملك جيشاً احتياطياً مجنداً عدده مليون، هذا احتياطي كل يعرف ثنكنته وقائدة ورئيسه ومهمته عند صفارة الإنذار وناقوس الخطر، ويقول: إن إسرائيل تملك قنابل تقارب المائة قنبلة نووية، وإن إسرائيل، وإن إسرائيل..، وإن دول المواجهة لو دخلت مع دول إسرائيل في حرب فستكون خاسرة لا محالة، هذا بمنطق من؟
هذا بمنطق المقاييس المادية البحتة، رصاصتان أكثر من رصاصة، دبابة أكبر من رشاش، صاروخ أقوى من راجمة، لكن كان المنطلق العسكري والنظرية العسكرية في الأمس: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الأنفال:45] النظرية العسكرية القرآنية فيما مضى كانت لا تجيز لمسلم أن يفر أمام عشرة: وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً [الأنفال:65]، وبعد التخفيف لا يجوز لمسلم أن يفر من اثنين وإلا يعتبر مرتكباً لكبيرة الفرار من الزحف، هذا مستوى النظرية العسكرية في الماضي، أما واقعنا اليوم فيشهد أن النظرية العسكرية عند الذين لم يعرفوا النظرية القرآنية الحقة، ولم يتعاملوا مع كتاب الله معاملة مباشرة، يقولون: ماذا نفعل؟
الله جل وعلا قال: انصروا، أو قال: عليك الفوز؟ قال: وَلَيَنْصُرَنَّ [الحج:40] ما من آية ربطت النصر بالبشر، النصر كله بالله جل وعلا، انظروا الآيات التي تتحدث عن النصر والفوز والغلبة، كلها جاءت لتقرر أن النصر والفوز والغلبة بيد الله، إذاً ما الذي بأيدينا؟
الذي علينا العمل: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ [التوبة:105].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الأنفال:45].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران:200].. وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:218].
الآيات تأمرنا بالعمل ولم تأمرنا بالنصر، لماذا؟ لأن النصر من عند الله.
نحن علينا أن نأخذ بالأسباب فقط، ولا أحصي لكم عدد الأخبار التي أخذتها بنفسي من مجاهدين، وممن نقلوها عن قادة المجاهدين يقولون: لا نحصي عدد القنابل والقذائف التي تنزل بالقرب منا ولا تنفجر، لماذا؟ لأن الموت لم تحن ساعته، ليست هذه رصاصتك التي تميتك، إن الرصاصة التي سوف تقتلك لم تصنع بعد، أما صندوق الرصاص، الذي فرغ في وجهك، هذا كله تخطاك يمين يسار ("1سم" فوق، "1سم" تحت، "1سم" يمين، "1سم" يسار) وربما ضرب في ثوبك ونفضته، لماذا يا أخي؟ لأنك تعلم أن الموت بيد الله، وأن الأمر بيد الله، وأن القوانين والسنن الكونية بيد الله، فالذي خلق العقول يعميها ويهديها، والذي سخر الرصاص يبطل كيده ومفعوله.
هذا ما ينبغي أن نعلمه في مستوى النظرية العسكرية.
إننا إن كنا نريد أن نقابل أعداءنا بقوة تساوي قوتهم العسكرية، فقد نحتاج إلى أزمنة طويلة، ولن ندخل معهم ساعة الحسم والمواجهة، ولكن يوم أن نعلم أن الله جل وعلا هو الذي خلقنا وخلقهم، كما قال أهل البادية حين خوفوهم بالطيارات قالوا: الطيارات فوق الله أو تحت الله؟ قالوا: تحت الله، قالوا: أجل نحن وإياهم تحت الله، الطيارات والذي على الأرض كلنا تحت الله، فهكذا تنتصر الأمم بهذه العقائد، إننا لا ننتصر بذواتنا ولا بأسلحتنا، ولكن ننتصر بعقيدتنا أيها الإخوة، والعقيدة شأنها عظيم،
شعب بغير عقيدة>>>>>ورق تذريه الرياح
من خان حي على الصلاة>>>>>خان حي على الكفاح
يقول عمر بن الخطاب : [والله إني لا أخشى على الجيش من عدوه، ولكن أخشى على الجيش من ذنوبه].
واقعنا اليوم يختلف، حتى أصبح المسلمون في واقعهم العسكري قد تعودوا نغم الهزائم والحروب والمصائب، يقول الشاعر:
حرب حزيران انتهت
وكل حرب بعدها ونحن طيبون
عندنا استعداد لأن نتقبل مزيداً من الحروب والمصائب لماذا؟
لمستوى النظرية العسكرية الجوفاء، ليس بالتكبير والتهليل وتربية النفس، وأننا نقاتل القوم بعقيدة.
حرب حزيران انتهت
وكل حرب بعدها ونحن طيبون
تغلغل اليهود في بلادنا ونحن عائدون
ناموا على فراشنا
صاروا على مترين من ديارنا ونحن راجعون
ناموا على فرشانا ونحن عائدون
وكل ما نملكه إنا إلى الله لراجعون
حرب حزيران انتهت
جرائد الصباح ما تغيرت
الصور العارية الحمراء ما تغيرت
كلفنا ارتحالنا خمسين ألف خيمة جديدة
تعودنا أن نبني مخيمات، أن نتعامل مع لاجئين، مع مهجرين لا أقل ولا أكثر، ولكن أن نتعلم من أين أصبنا؟ لا، هذا مفهوم حرص الأعداء أن يبعدوه عنا، والله جل وعلا قد علم الأمة درساً في ثاني معركة، بداية بناء الدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، بداية خطيرة، الهزيمة تعني السحق للطائفة المسلمة، ومع ذلك حصلت الهزيمة ويقتل سبعون من صحابة رسول الله، وتدخل حلقتان من حلقة المغفر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشج جبهته صلى الله عليه وسلم وتكسر رباعيته، والله جل وعلا يقول والوحي يتنـزل: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا [آل عمران:165] من أين جاءت الهزيمة؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] من أنفسكم أنتم، أتيتم من أنفسكم.
فوالله يا معاشر المسلمين! والله لو اجتمع المسلمون في هذا الزمان وتدارسوا مواقع الخلل ومواطن النقص في أنفسهم لكانوا أعظم قوة على أعدائهم، ولكن من أين للمسلمين صف واحد يتحدون حوله إلا بمنّ الله وفضله، ثم بشباب الإسلام الصادقين ودعاته المخلصين وولاته المسلمين.
يا شباب الإسلام! الأرض لكم، الأمة لكم، يا شباب الإسلام! المسلمون مهيمنون، المسلمون مسيطرون، وفكر المسلم على المستوى السياسي يوافق أن الكفار يكون لهم غلبة، وفكرك على المستوى العسكري لا تقتنع أن تدخل معركة إلا إذا كان عدد سلاحك ورصاصك أكثر منهم، لا، وإن كان شكلك مسلماً أو ملتزماً، فإن فكرك يحتاج إلى تغسيل، غيِّر هذه النظريات الموجودة عندك، ورأيت بأم عيني آيات من آيات الله، وآخر خبر بلغني أن واحداً من الشباب الذين رأوه في أحداث منطقة خوست، قال: ضربنا طائرة وشيكة الهبوط في مطار خوست محملة بالذخائر، وشيكة الهبوط على مستودع الذخيرة والأسلحة في المطار، بقاذفة بي إم، تكلف مبلغاً بسيطاً، فتضرب بها الطائرة فتصيب في الطائرة مقتلاً فجر سلاحها ويتفجر المستودع وتلتف الطائرة في المطار بحركة عشوائية تدمر ثمان طائرات.
أين الذين يتحدثون عن الموازنة العسكرية والمساواة في العدد والعدد والأفراد والقواد إلى آخره؟!
لا، القضية تحتاج إلى إخلاص: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17].
جاء فريق من الأمريكان إلى عبد رب الرسول سياف قالوا: أعندكم سنجر؟ كيف تضربونه؟ قال: اذهبوا به إلى سزنور، قائد أفغاني نحيل، فذهبوا إلى أحد المواقع وحمل سزنور صاروخ السنجر الذي جعل الأمريكان له مواصفات في حمله، ومواصفات درجة الحرارة في تخزينه، ومواصفات معينة في وضعه، ومواصفات في كيفية إطلاقه وتهيئة القاعدة له، نظم وبرامج ومخططات، حمله هذا الأعرابي على كتفه ثم نشن على طائرة هيلوكبتر ثم تكلم بكلام ما علموه وأطلق، فجاء الأمريكان يقيسون كم مسافة بعد الصاروخ عن أذنه؟ كم مسافته عن كتفه؟ كم حجم ذراعه.. يمشي عليها التيس وإلا لا؟ يأخذون مواصفات ومقاييس، قالوا: طيب هناك كلام أنت قلته قبل أن تطلق ما هو؟ فضحك وقال: ما تعرفونه؟ قالوا: لا نريده، فأخبر المترجم قال: إني قلت: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] ثم أطلقت، فلما ترجم المترجم للخبير الأمريكي قال: هذا نحتاج إلى سنين حتى نعلم الجيش الأمريكي هذا الكلام.
فنحن على مستوى النظرية العسكرية نحتاج إلى فهم دقيق، أننا لن نغلب الأعداء بعددنا ولا بعددنا وإنما نغلبهم بقوة العقيدة، إن أعداءنا يحملون عقيدة، ونحن نحمل عقيدة، فإن كانت عقيدتنا التي نحملها أقوى نحملها حملاً فعلياً، أنا لا أشك أن عقيدة المسلم حتى الفاسق عنده عقيدة، يقول: أنا عندي عقيدة نعم، عقيدتك صحيحة لكن أين أثر العقيدة في سلوكك؟ إذا كان شيوعيو المليشيا المتطوعون يجدهم المجاهدون ومعهم الأكفان، عقيدة لا إله والحياة مادة، لا يمكن أن يعترف بدين ولا بإله ولا بغير ذلك، جاء متطوعاً لكي يسحق الإسلام والمسلمين والثوار، يسميهم الثوار المخربين، يقاتل عن صرح الشيوعية فداء لروح لينين وكارل ماركس وإنجلز وغيره ومعه كفنه، هذا عنده عقيدة فاسدة لكنه يحملها بحق وصدق، والمسلم عنده عقيدة حقة لكنه لا يتعامل معها، عقيدة المسلم أن الموت لا يتقدم ولا يتأخر ومع ذلك ينفر من الموت، عقيدته أن الرزق لا يزيد ولا ينقص ومع ذلك يظن أن الكذب والاحتيال يزيد في رزقه، وأن الغش يزيد من فرص الرزق له، وأن... إلى آخره يزيد من حظه من الدنيا أو ينقصها.
إذاً معاشر الأحبة! نحن في بون شاسع في النظرية السياسية والعسكرية فيما مضى وفي عصرنا الحاضر.
يهمني أن نعلم أننا نستطيع أن نعيش بدون الفائدة والربا، نستطيع أن نلغي اللعنة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279] نحن نتعامل مع كلام الله جل وعلا، الله ينهانا عن الربا ويأتي من يقول: لا يمكن أن توجد قوة اقتصادية إلا بقوة نقدية، ولا قوة نقدية إلا ببنكية، ولا بنوك إلا بفوائد، ما هذا الكلام؟
أن نقول: والله هذا ذنبنا، وهذا خطأ، عندنا بنوك، عندنا فوائد، هذا شيء، لكن أن نقول: لا يمكن أن نعيش إلا بالربا هذا شيء آخر، وأنا لست في مجال مناقشة الوضع الأول، قضية وجود بنوك وفوائد لا أناقشه الآن، لكن أناقش الفكرة التي تريد أن تعمق في رأسي ورأسك أنه لا يمكن أن نعيش إلا بالفائدة والربا، لا وألف لا، نستطيع أن نعيش على نظام اقتصادي إسلامي غني عن الفائدة والربا، فيا معاشر المؤمنين! هاتان نظريتان بين القديم والحديث، عاشت ملايين البشر على مستوى من الثراء والتجارة والغنى، والمنشئات والمشاريع، والحضارة والتمدن والبناء وما عرفت هذا كله.
إذاً: فلنعرف كيف نغزى في عقولنا، إننا قبل أن يحل بنا أو يفعل بنا فعلة يسبقها تمهيد فكري في النظرية، فإذا اعتقدنا بالنظرية الفكرية، عند ذلك سهل التطبيق.
بالنسبة للمستوى العملي كيف كان واقعنا بالأمس وواقعنا اليوم؟
فيما مضى كان الناس قد شغلوا بأمور معاشهم، ومهما اشتغلوا بأمور معاشهم فما كانت الدنيا أكبر همهم ولا مبلغ علمهم، وما كانت تطغيهم عن أمر آخرتهم، بل إن دنياهم كان دعماً ومدداً وعوناً لدينهم ولجهادهم ولإعلاء كلمة ربهم.
أما في زمننا هذا فشغل الناس بالدنيا حتى أصبح الواحد يجمع جمعاً كأنما سيعيش ألف سنة في منطقة نائية عن البشر ليس له محي ولا مغيث إلا رصيده وماله، ولذلك تجد أناساً -سبحان الله العظيم!- يلهث الواحد منهم وراء الدنيا لهثاً، مع أن المسكين يجهل أن رزق الله لا يجلبه حرص حريص ولا طمع طامع، ولا يرده حسد حاسد.
نحن لا نقول: هيا إلى أفغانستان، أو أن نكون خطباء أو معلمين، لا، نقول: نريد كلاً يعمل في أفضل جانب يخدم فيه الإسلام، سواء كنت مهندساً، معلماً، ضابطاً، نجاراً، خبازاً، أياً كانت وظيفتك وعمليتك، أفضل موقع يقربك إلى الله جل وعلا تعمل فيه، ولكن اجعل جزءاً من عملك خدمة لدينك، فمثلاً أنا موظف عندي راتب من أجل ماذا؟
من أجل أذهب عند مؤسسة الراجحي لأشتري فيستفيد وحده؟ لا، حتى أقبض من هذا الراتب وأحرق الشيوعية بنار هذا الراتب، لكن هذا يوم أن يكون الهم في المستوى العملي وأمور المعيشة مرتبطاً بالجهاد وبعقيدة.
أما الآن لا والله همومنا: الذي عنده سيارة ينتظر متى يشترى طراداً، والذي عنده طراد ينتظر متى يشتري شالية، والذي عنده شالية ينتظر متى يشتري قصراً، والذي عند قصر ينتظر متى يفعل.. فقط: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32] من الذي حرم زينة الله؟ ما أحد يستطيع يمنعك أن تشتري طراداً وتصيد في البحر وتغوص، ما أحد منعك أن تشتري وتصلح، لكن لا تنس دينك، ولا تنس عقيدتك، ولا يكون جمعك للمال ملهياً لك عن أمر عقيدتك، أنا أسألكم بالله يوم أن يخرج الزاني السكير الشاذ المنحرف الخبيث المعتوه من البار أو الحانة، أو النيت كلوب، أو النادي الليلي، أو أي مكان، ثم يجد صندوق (هلتوريد جروف) ساعدوا الصليب الأحمر ، ويخرج ما بقي من الدولارات ويضعها، سكير عربيد ومع ذلك ما نسي أن ينتسب إلى النصرانية التي يجتاح مزيداً من البقاع وتحتاج إلى دعم في التنصير، لكن المسلم لا يمكن أن تجد إلا القليل من المسلمين من يجعل العمل للإسلام هماً يومياً وعملاً يومياً، من هو في بيته صندوق كهذا مثلاً إذا جئت البيت انفض الريالات، الريال الزايد هاه بسم الله تضع الريال، وفي نهاية الشهر أذهب به واجعله كفالة ليتيم ولو لمدة أسبوع، أو قيمة عشر رصاصات، أو قيمة قذيفة، أو قيمة أي شيء مما ينفع المسلمين.
كم عدد المسلمين في العالم، مليار مسلم:
يا ألف مليون أين هم إذا دعت الجراح
النـزيف والدم الإسلامي الرخيص الذي جرى على الأرض لم يلتفت له أحد.
يا ألف مليون أين هم إذا دعت الجراح
هاتوا من المليار مليوناً>>>>>صحاحاً من صحاح
من كل ألف واحـداً>>>>>نغزو بهم في كل ساح
هل نجد من كل ألف مسلم مسلماً؟!!
العالم الإسلامي مليار، لو أخرجنا من كل ألف واحداً لاستطعنا أن نجد مليون مسلم على قلب واحد، ولكن هذا حتى الآن لم يوجد.
نادت الصليبية بمشروع المائة مليون، فغطي مشروع الصليبية الحاقدة (مشروع المائة مليون) في شهر واحد، فقام أحد الدعاة إلى الله وقال: نريد مائة مليون دولار في ثلاثة أشهر، فمضت ثلاث سنوات لم يجمع مشروع المائة مليون، لماذا؟ لأنك تجد الواحد يسرف على نفسه في اللذائذ والملذات ما الله به عليم، وإذا دعي إلى الدعم وإلى مراد الله وأمر الله ودين الله وجدته بخيلاً هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].
اعلموا أننا بحاجة إلى الدين، بحاجة إلى الجهاد، بحاجة إلى العزة، وإلا فأمر الله ماض: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد38].. مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] فهل نكون منهم يا أحبابي؟ هل نكون وإياكم من القوم الذين أحبهم الله ويحبون الله، أم نكون من الذين أحبوا شهواتهم فنسوا الله فنسيهم الله؟ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19].
أقول لكم: إننا خفنا على أمرين اثنين: خفنا على الحياة، على الروح مثل ما يقال: (يا روح ما بعدك روح) خفنا على الحياة، وخفنا على المال، ونسينا أن الآجال لا تتقدم ولا تتأخر فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34].
الخوف على الروح، الخوف على الحياة، بعض الناس بلغت به الوسوسة أن يظن أن كل خطوة يعملها للإسلام أنه يقتل بها من قال لك هذا الكلام؟ وسوس الشيطان في ذهنك وزين لك، وإني أعجب أن نرى -ولله الحمد والمنّة- في بلادنا مجالات عديدة للعمل الإسلامي، كالشمس في رابعة النهار، ما تريد لها.. في الليل، تقول هذا عمل ممنوع أو سري، مجالات عديدة للعمل الإسلامي التطوعي مفتوحة، ومع ذلك تجد الواحد يتخفى كأنه يريد أن يبيع كيلو (هروين) وإلا (كوكايين) فيتلفت يخاف أن يراه أحد، لماذا هذا الخوف؟ لماذا هذا الذعر والهلع والخوف؟
يقولون: إن رجلاً كان في منطقة من مناطق نجد وأصله أفغاني كما يقال، يسمونه (درويش) قالوا له: إن أمير المنطقة سوف يقتلك، اهرب، كان ذلك قبل الحكم الحالي، أمير المنطقة سوف يقتلك، وكان لا يحسن العربية فقال: أنا ما أهرب، إذا الله يقول: درويش يموت أنا أموت، إذا الله يقول درويش ما يموت أنا ما أموت .. يا مجنون اهرب، الرجال يريد أن يذبحك، قال: ما في، فلما جاء الليل إذ بالناعي ينعى والصائح يصيح: إن الأمير مات في فراشه البارحة، فلما جاءوا الفجر وإذا به جائي إلى المسجد الذي يصلي على جنازته يصلي معه.
قالوا: ما الذي أتى بك؟ قال: جئت من أجل أن أقول بعد أن أكبر الرابعة: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45].
فيا إخوان الأجل بيد الله.
أقول لها وقد طارت شعاعاً. تنتفض خوفاً.
أقول لها وقد طارت شعاعاً>>>>>من الأبطال ويحك لن تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم>>>>>عن الأجل الذي لك لم تطاعي
فصبراً في مجال الموت صبراً>>>>>فما نيل الخلود بمستطاع
والله يا إخوان ما أحد يتجاوز يوماً واحداً، الأخ عبد الهادي التونسي أسأل الله أن يجعله من الشهداء، جلس أسيراً في السجن الشيوعي، بولى شرخى في كابول سجن، كما أخبر عنه من حدث به، قال: من شدة البلاء فيه، زنزانات يجتمع فيها دورات المياه مكشوفة على المجلس، فإذا أراد أحد المساجين أن يقضي حاجته إخوانه يولون وجوههم للجدار وهو يقضي حاجته هناك ويسمعون ضراطه ويشمون رائحته، من شدة العذاب، خرج من السجن بعد مدة، بعد سنوات، ما كتب له أن يموت، ولما خرج يركب سيارة من سيارات المجاهدين، ويقول سياف : لا تتعدوا هذه المنطقة، فينسى السائق أو يغفل، فيتعداها فيقع في الأسر من جديد ويقتل في تلك اللحظة.
أسره بعض الشيوعيين وقتله بسرعة، سنوات في الأسر ما قتل فيها، وبعد الخروج والحرية حانت اللحظة والساعة فمات.
تزود من الدنيا فإنك لا تدري>>>>>إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة>>>>>وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
وكم من عروس زينوها لزوجها>>>>>وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري
وكم من صغار يرتجى طول عمرهـم>>>>>وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر
الخوف على الحياة هو الذي قتلنا وذبحنا، الواحد يخاف .. الحياة حلوة، حياة زينة، رضينا بها، اطمأننا بالحياة الدنيا، لكن أسألكم بالله يا إخوان: الحياة ما هي؟
لو كان أحدنا عطشان ثم شرب شربة الماء يتلذذ بها، أو إنسان عطشان يوشك أن يموت من العطش، فعند الرمق الأخير من الحياة والعذاب وتقطع البدن، من معاناة ألم العطش وجد شربة الماء، فشاء الله أن ينحبس الماء في جوفه ولا يتبول، فإنه يتعذب، حتى يخرج هذا الشيء الذي كان أشد ما يتمنى، فالحياة ألذ ما تتمناه أحب ما تفارقه، ألذ طعام يزرع في بلاد ويجنى ويصدر ويجفف، ويحضر إليك، ويحضر له الغاز، وتضع المقادير وتطبخه، ثم تأكله بنهم وشراهة وأكل ولذة، ألذ طعام تشتهيه مر بمرحلة طويلة حتى وصل إلى فمك، فترة اللذة على اللسان فقط، ثم إذا دخل الجوف والله إن أكلت علفاً أو أكلت غيره ما تختلف، إذا وصلت الجوف انتهت العملية، لكن ألذ طعام بعد هذه المرحلة إذا أكلته لو احتبس في بطنك تمنيت عملية جراحية لإخراج الغائط من بطنك، ما هذه الحياة؟ حياة لا نضمن فيها البقاء، هل وجدتم أحداً عمره مائتين أو ثلاثمائة سنة؟!!
نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح
لتموتن ولو عمرت>>>>>ما عمر نوح
أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح
حيث إن الذنوب مالها روائح وإلا ما اجتمعنا في هذا المسجد.
ما هذه الحياة؟
حياة قوة، شباب، عنفوان، مرض وفراش، ثم يغسل ميتاً، والعقل الجبار، العقل الذي تعامل مع برامج الكمبيوتر، العقل الذي يدير أدق العمليات الجراحية، مآله إلى التراب، ما الحياة؟ ما الحياة؟ اجتماع بعده افتراق، صحة بعدها مرض وسقم، لذة بعدها كدر، إن لم تخرج بولاً وغائطاً، ما الحياة؟ الحياة:
طبعت على كدر وأنت تريدها>>>>>صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعهـا>>>>>متطلب في الماء جذوة نار
ما الحياة التي نتعلق بها؟! ما هي الدنيا التي نخاف عليها؟! وهي السبب في حال المسلمين من الضعف والخور والجبن، وعين كلام النبي صلى الله عليه وسلم بدأ جلياً واضحاً فينا اليوم: (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؟ قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يصيبكم الوهن، وينـزع الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) فعلاً أيها الأحبة! هكذا أحببنا الدنيا، ولو تأملنا حقيقة الدنيا لما وجدنا أنا .. كم رأيت أناساً والله يكدون كد الحمير وهم أفقر عباد الله، ورأيت أقواماً بأدنى سبب تفتح لهم به الأموال والأرصدة والأرزاق.
يقول صلى الله عليه وسلم: (لقد جاءني جبريل ونفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها) الذي يشتغل فترتين أو ثلاث، والذي يشتغل أربع ساعات كل منهم لن يموت حتى تقول الملائكة: لقد أكل آخر لقمة، وشرب آخر شربة، واستهلك آخر ريال، وقبض آخر درهم.
ستموت بعدما ما تستوفي جميع حقوقك من التقاعد، وخارج الدوام والراتب الرئيسي وبدل النقل، لن يبقى لك شيء أبداً.
كما يقول صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله وأجملوا في الطلب) أي: ابذل السبب للرزق لكن لا تجعل الدنيا أكبر همك.
يقول جورجي زيدان عنه كذا، صلاح الدين يقول قسطنطين زريق عنه كذا، محمود بن سبكتكين الغزنوي يقول عنه جرجي سلامة كذا أي: أصبح الشباب يقرءون سير أعلام الإسلام من خلال كتابات النصارى وأعداء الإسلام، أو المسلمين العملاء، فلا يبقى للمسلم رمز ينتخي به أو ينتسب إليه من الأباء والأجداد والقادة، ثم ماذا بعد ذلك؟
سيل وافر ومنهمر مما يخدر العواطف ويوجه السلوك، أسأل شبانا كم تحفظ من شعر طلال بن سعيد ؟ يعد لك الكثير، ما أدري فهد بن سعيد أو طلال بن سعيد والثاني والثالث يحفظ لك الكثير، (يا ونيت ونيتها من خوى الرأس) وهات من هذه القصيدة ... وجلسة كاملة كلها قصيدة، لكن أريد سورة من كتاب الله ما أجد، سبحان الله! حينما توضع في القبر، فيقول لك الملكان ماذا قلت؟ طلال بن سعيد ، فهد بن سعيد ماذا يصلح لك هؤلاء؟ وربما بعضهم تاب إلى الله، فالمصيبة أن الشباب استغلت عواطفهم، بدل ما تكون حرارة العواطف موجهه للجهاد؟ أو في الشفقة على أيتام المسلمين وأراملهم وجهت إلى القصائد، والنظم والنثر والشعر في وصف حلال المسلمين، مما يثير همم البقية، فهل ذلك لنخوتهم ولمساعدتهم؟ لا، لكن العواطف الساخنة وجهت في أشعار الحب، ورباعيات الخيام، وألف ليلة وليلة ...
تحذير بالغزل الجنسي، تجد فيلماً يباع في أي محل من محلات الفيديو، أو يصدر من الدول الفاجرة، تجد فيلماً لا هو بخليع ولا بمحتشم، كي يحرق أعصابك، تظل تتابع متى تجد الموقف الذي يثيرك، وطول الليل وأنت تتابع هذا الفيلم.... نعم العواطف مستهلكة لمتابعة آخر حدث، ماذا يصير؟
إذاً أنا أقول لك قبل أن تشتري الفيلم: هذا فيلم فيه فاجر فعل الزنا في فاجرة، انتهينا منه، ماذا قدمنا للإسلام؟ لكن لا، أسلوب عرض شيق، صدفة، مقابلة، حادث، أصبح في نار عجيب وحوار شيق، حتى يجرك إلى الحدث، وربما بعضهم يصيح إذا رأى فيلماً هندياً ... ما هذه العاطفة، وما هذا الخيال الفارسي، تلقاه يتقطع، ثم ماذا؟ يغلق التلفزيون ويذهب ينام، هذه قوة بدلاً من أن تكون راجمة صواريخ، بدلاً من أن تكون كاسحة ألغام، بدلاً من أن تكون حرباً على أعداء الله، بدلاً من أن تكون قوة بناءة، جعلوها قوة آهات وأنات، وجنس وعادة سرية، وفواحش وزنا إلى غير ذلك.
ولذلك هاتوا لي شاباً من أفسق شباب المسلمين الآن، واربطه بيديه ورجليه بالحديد، وأقول: اسمع لا تدخل المسجد ولا تصلي، تفرج على التلفزيون وتفرج على الأفلام والفيديو وكذا وكذا، لكن إياك أن تعبد الله أو تصلي، هذا الفاسق الفاجر يقول: أما تخسأ، أنا أترك الصلاة ديني ودين آبائي وأجدادي؟ ثم تتحرك العقيدة والحمية ويتمرد على هذا القيد، ويكسر الحديد وربما يدخل إلى المسجد ويكون من حمام المسجد وأئمته.
لكن بالأسلوب الثاني، أسلوب الغزو الفكري تعال يا أخي المسجد كم له من باب، أربعة أبواب، نحن نتبرع بفتح بابين زيادة، كي تصير أبواب المسجد ستة، ولكن تفضل هذا (رامبوا) رقم اثنين ورقم ثلاثة وآخر ما أنتجته أفلام هوليود إذا كنت تتابع أو تسمع، فيأخذ الفيلم وينظر إليه، ويؤذن المؤذن، والمسجد فاتح أبوابه، يقول: يا رجال سنلحق وقت الصلاة، لكن الفيلم سيفوت.
انظر في المرة الأولى ربطناه وواجهناه بالعداوة، فلم يرض وأبى إلا أن يدخل المسجد، لكن في المرة الثانية قلنا المسجد مفتوح ونحن ما نردك عن المسجد؛ لكن تفضل هذا فيلم فيديو، فيشتريه وينظر ويحترق، وربما رأى صورة امرأة فيقول: لابد أن أدبر حجزاً وأسافر وألقاها ... على الأقل أتصور بجانبها، كما حصل من بعض الشباب.
هذا من كهربائي، ربما (يا أبو يمن) ما عرفت تصلح، خربت الفيش، لكن أصبح يهدد نجيب ويخرج نجيب على الشاشة ويقول: إن كابول قد أغرقت بطوفان من الصواريخ، من هددك يا نجيب يا عميل الشيوعية؟!
أما علمت أن الذي هددك أبو عتيق اليمني، كان كهربائياً، من أجل هذا وجهت عواطف الشباب، حتى لا يكون النجار قنبلة، حتى لا يكون الحداد قاذفة، حتى لا يكون المعلم قائداً، حتى لا يكون الشاب رمحاً في نحور الأعداء، حتى يتفادى أعداؤنا هذه الصور الإيمانية المتفجرة المتأججة القوية، فشغلوا شبابنا بألوان الفكر والفن والطرب وبرامج السياحة، وبرج إيفل، وشواطئ الأنهار وفولردا وميامي وجزر كذا إلى آخره؛ حتى لا يتوجه الشباب إلى دين الله، وإلى عزة الله سبحانه وتعالى.
ماذا قدمت للإسلام؟
ليس من شرط العمل للإسلام ألا يخدمه إلا أولو اللحى، أو لا يخدمه إلا أولو المشالح، كل واحد مسئول، إن وجد تقصير في سلوكك فأنت مؤاخذ بتقصيرك ولكن لا تجمع مع التقصير في السلوك إهمال للعمل للإسلام.
ماذا قدمتم أيها الإخوة! أسألكم بالله يوم أن تحمل جنازتي وجنازتكم على الأكتاف، وبعد تحضر الملائكة وتنـزع الروح من الجسد، ونحن نتذكر ومن حولنا يبكون علينا، ونحن نقول: ماذا قدمنا للإسلام؟ هل ربينا الأولاد تربية طيبة، أم أخذنا نحضر لهم مختلف الأفلام والمسلسلات؟! هل اعتنينا بالزوجات والبنات؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
ماذا قدمتم للإسلام أيها الإخوة؟!
إن الإسلام للجميع، والعمل للإسلام مسئولية الجميع، ليس مسئولية الخطباء أو الدعاة أو حملة الشرعية، فالمكنيكي مسئول عن الإسلام، والمطافئ مسئول، ومنقب الزيت مسئول، وسواق التاكسي مسئول، والحارس مسئول، وأكبر وأصغر واحد مسئول عن هذا الدين، فماذا قدمتم؟!
اسألوا أنفسكم يا إخواني: ماذا قدمتم؟ قدمتم لبطونكم.
وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم:31] أين المسلم الذي يكون مباركاً أينما كان؟ نعم نحن مباركون لكن في حظوظنا الأنانية، حينما نعيش لذواتنا فحسب، حينما نعيش لأنفسنا فحسب تبدو لنا الحياة قصيرة تبدأ من حيث بدأنا وتنتهي حيث ننتهي.
وحينما نعيش لفكرة، حينما نعيش لغاية، حينما نعيش للدين نبدأ قبل أن نولد لأننا بدأنا مع الحق، ونستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حتى نرى ثمار الحق، ذلك يوم أن نعيش للإسلام.
مسئولية كل واحد منكم أن يكون عيناً حارسةً لأمنه ووطنه وبلاده خاصة، وبلاد المسلمين عامة، مسئولية كل واحد منكم أن يكون يداً معطاءة لمشاريع الخير، للعمل الإسلامي، الجبهات مفتوحة الآن، العالم الإسلامي مطعون طعنات عديدة.
إذا كنا مللنا قضية أفغانستان، فعندنا قضية جديدة اسمها قضية السودان، والجهاد في جنوب السودان بدأ، والجهاد في إريتريا بدأ، والجهاد في الفليبين على أشده، لكن ماذا نعرف؟
نعرف أن المدرب العجوز الكاميروني قاد الكاميرون إلى دور الأربعة، ودخلت في مباريات كأس العالم.
كيف استطاع ذلك العجوز المعجزة أن يقود كأس العالم؟ نعم عرفنا هذا، لكن هل عرفنا أن هناك جهاد؟! هل عرفنا أن في سجون أثيوبيا آلاف المسلمات ولدن سفاحاً من الزنا من قبل جنود الشيوعية؟! ما هو واجبنا؟
واجبنا أن نجعل العالم الإسلامي كالفطور والغداء والعشاء، كيف؟
الدعم والتبرع، اجعل صندوقاً في بيتك، فاتتك الصلاة فقل: أستغفر الله وأتوب إليه، إن الحسنات يذهبن السيئات، وهذه في الصندوق، سببت أحداً أستغفر الله وأتوب إليه، إن الحسنات يذهبن السيئات وهذه في الصندوق، جاءك رزق من الراتب، فباسم الله.. طهارة ونماء للمال وهذه في الصندوق، كل بيت فيه صندوق في نهاية الشهر نجمع الكثير ثم نتوجه به، لنحرق أعداء الإسلام؛ لأننا نرجو ما لا يرجون إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ [النساء:104].
إذا كنا نتألم من عداوة الأعداء وحرب الأعداء لنا، فإنهم يتألمون أيضاً من ضرباتنا، ولكن نحن نرجو ما لا يرجون، ولذلك في غزوة أحد لما تكلم أبو سفيان قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يجيب الكافر؟ قالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم) فنحن نرجو ما لا ترجون يا أعداء الله! نحن يوم أن نستمر ونصبر ونصابر نعلم أن هذا الدين دين جهاد.
الكثير من المسلمين يقول: وأنا يا أخي أعيش معقداً، فقط: أظل أتنفس الصعداء وهموم المسلمين، أنا أريد أن أضحك مثل الناس تقول: اضحك يا أخي، وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يمنعه جهاده الكفار أن يمازح صحابته؟ لا. وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى [النجم:43] الذي خلقك أضحكك وأبكاك، فلا يمكن أن ربك ينكر عليك الضحك والمرح وسعة الصدر، ولا يمنع أن توسع صدرك، ولكن الجهاد والعمل للإسلام لا يمنع أن تضحك وأن تمازح، وأنت ترد المنكر والشر عن بيتك، هذا إن كنا نصدق مع الله أيها الإخوة، هذا إن كنا ننظر أن الموت أجل مغيب.
يا غافلاً عن العمـل>>>>>وغره طول الأمل
الموت يأتي بغتة>>>>>والقبر صندوق العمل
ينبغي أن نعلم أيضاً مع هذا كله أننا نحشر فرادى، وأن الإنسان لا ينفعه قريب ولا بعيد ولا ينفعه إلا عمله، حتى أمك وأبوك، الشلة التي تسهر معها، وزع يا أبا صالح، وابغ لنا الرابع يكمل الشلة الليلة، هؤلاء إذا كان أبوك وأمك ما نفعوك يا أبا صالح كيف بأبي عزيز الذي كلمك أو شرح لك أو أعطاك الحكم، هل هذا نفعك عند الله؟ لا، اعلموا يا إخواني! يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36] أبي .. أمي، ما أحد ينفعك، نفسي نفسي.
في حادثة النفق كنت حاجاً، ورأيت الناس ممن ليس عليه إزار ولا رداء ولا سروال ولا شيء، إزاره ورداؤه طائح وما يدري، يريد أن يتنفس هواء، ذهل أن عورته ظهرت وأن رداءه سقط، قلت: سبحان الله! في زحمة نفق غفل عن نفسه وما درى عن عورته، فما بالكم إذا ازدحم الخلائق في المحشر!
وقبل يومين كنا في سجن الشرقية نحدث بعض إخواننا السجناء، نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية، ما في مكيفات، مراوح شغالة، فلما ازدادت الرطوبة والحر والأنفاس، قام مجموعة من المساجين يصيحون صياحاً شديداً، قلت: سبحان الله! مراوح ومفروش ومظلل والعالم قامت تصيح من القهر: افتحوا لنا، هلكنا من الرطوبة والحر، سبحان الله! وأين الناس يوم تدنو الشمس من الخلائق قدر ميل، فمنهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ عرقه إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ عرقه إلى حقويه، ومنهم من يبلغ إلى ترقوته وثدييه، ومنهم من يلجمه العرق، فيا إخواني: إلا من؟ إلا (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم: شاب نشأ في طاعة الله) هذا ما يجد العرق والشر والشمس هذه كلها، (وشابان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، وإمام عادل، ورجل معلق قلبه بالمساجد، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
يا أحبتي نحن بحاجة إلى أن نفهم الدين، حينما نناقش بعض أحبابنا وإخواننا الشباب عن الالتزام والتدين والاستقامة والتقوى والعبادة، والسعادة، يقول: أفهم والله أن فلاناً دين، ما معنى: فلان دين؟ أي: صار يضع الغترة كذا، ويطلع اللحية بالشكل ذا، وقصر ثوبه إلى ركبته، أهذا هو مفهوم التدين؟ لا. ليس هذا مفهوم التدين، الشيطان يصور لنا أن التدين هكذا، حقيقة التدين أن تعرف مصلحة نفسك، أن تعرف أنك يوماً ما تؤاخذ وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، ويدنيك الله جل وعلا ويقررك بذنوبك ذنباً واحداً واحداً.
يا إخواني! لو قلت لكم: اذكروا ذنوبكم التي تستحون منها، فكل واحد يعرف ذنوبه، يعدها ويراها مضيئة، ولا يشك فيها، بل يعرف متى وقعت؛ في الوقت الفلاني، في اللحظة الفلانية، في الساعة الفلانية، في السيارة الفلانية.. بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة:14] ولو قلت له: عد حسناتك التي ترجو بها لقاء الله؟ قال: والله ماذا أفعل! ما أحضر الصلاة مع الجماعة، وإذا صليت ما أدري عن هذا الوضوء، وإذا ركعت أو سجدت فلا أخشع، ولا أدري ماذا أقول، ولا أتدبر، وحالي ما يعلمه إلا الله، وتقصير في السلوك، وتساهل بالمعاصي، وأمور يأمر الرسول بها وأنا مقصر فيها، أي: يكاد يقطع يديه أمامك وما يذكر حسنة قدمها يدخرها عند الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـبلال : (يا بلال! إني سمعت دف نعليك في الجنة، فماذا تفعل؟ قال: إني ما توضأت إلا صليت بعدها ركعتين) أي: عمل مستمر مع القيام بالواجبات وترك المنهيات، نحن ما عندنا عمل نرجو أن نلقى الله به، لكن ذنوب نذكرها كما نعد هذا اللمبات في السطح.
ويا إخواني أسألكم بالله: هل فيكم من يكره الله؟
حاشا، كل واحد منكم يحب الله، فلو طرق ملك الموت الباب، وقال: الذي يحب الله يأتي معي يقابل الله، من يقوم منا.
كنت أخطب الجمعة في الرياض مرتجلاً، فإذا برجل كان أمامي، يتقلب فجأة هكذا، وفجأة هكذا، ثم أخذوا ماء ورشوا عليه ما تحرك، أخذوه إلى مستشفى الأمير سلمان، قالوا: هذا مات منذ ثنتي عشرة دقيقة، جاء ملك الموت في المسجد وقبض روحه وانتهى.
فيا إخوان أنا أقول وأنتم تقولون: لا نكره الله، ما فينا من يكره الله، لو جاء ملك الموت الآن وقال: يا إخوان! نريد واحداً يقابل الله؟ كل واحد يقول: انظر الذي بجانبي، اذهب إلى الثاني، أين الذي يحب الله؟ لأننا خربنا الآخرة وعمرنا الدنيا، فكرهنا أن ننتقل من العمار إلى الخراب، فاعمروا آخرتكم، وإنها فرصة وتوبة إلى الله جل وعلا.
يا أحباب! يا شباب! يا شيب! يا رجال! ومن يسمع هذا النداء والخطاب عبر الشريط من الفتيات والنساء، اسمعوا هذه النصيحة: أعدوا لأنفسكم وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18].
أسأل الله جل وعلا أن يجعل ما سمعتموه حجة لنا ولكم، وأن لا يكون حجة علينا ولا عليكم، وأسأله أن يكون دفعة لنا في أن نفهم ماذا تحتاج أمتنا وما يحتاج واقعنا لنعمله، وكما قلت: لأن وصف الأمس ووصف اليوم لا يجدي شيئاً ما لم نعمل، العمل، التوبة، إصلاح النفس، فاقد الشيء لا يعطيه، نصلح أنفسنا ثم نستطيع أن نقدم الصلاح، ونستقيم على أمر الله: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب: يخبرني أخي الحبيب يقول: إن مجموعة من النساء موجودات، وليس عندي نصيحة لهن إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم يوم جاءت أسماء بنت يزيد بن السكن الأشهلية الأنصارية ، قالت: (يا رسول الله! إن الرجال يجاهدون معك، ويسمعون حديثك، ويجالسونك، ويذهبون بالأجر ونحن ليس لنا منك شيء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا أسماء ! يا أسماء! يا أسماء ! أخبري من وراءك: إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله) ما تبعل المرأة لزوجها؟ لطفها، رقتها، عذوبتها، تعطرها لزوجها، وعدم تعطرها للأجانب، تجملها لزوجها وعدم تجملها للأجانب، استعدادها لزوجها، الصبر معه على شظف العيش، الشكر له إذا قدم هدية، القناعة وحسن المعاملة، محاولة نصيحته، محاولة التأثير عليه، لأني عرفت شباباً ما استقاموا إلا بسبب زوجاتهم: (إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله).
فالأخت المسلمة يوم أن تكون مطيعة لزوجها، حافظة عرضها، حافظة نفسها، حافظة بيتها، الأخت المسلمة يوم أن تكون عنصراً نافعاً يكون لها ذلك الأجر.
عندنا أحد الإخوان في الرياض ، عنده أم عجوز لكنها والله أبرك من بعض الإخوان في هذا الزمان، أبرك من بعض الطيبين، منّ الله على قلبها بالهداية، عمرها تسعون سنة أو أقل من التسعين، لكن التزمت وهي كبيرة فقالت: الذي يحبني يا عيالي يأتي لي بأشرطة، قالوا: خيراً ما تريدي يا أمنا! وصار كل واحد يأتيها بأشرطة، فالذي يأتي لها بعشرين شريطاً للقرني، والذي يأتي لها بأشرطة لـسعيد بن مسفر والذي يأتي لها.. وتأخذ من هذه الأشرطة، وتقوم الصباح على الجيران: تعالي يا أم فلان، وتشغل المسجل وتسمعهم مقطعاً يبكيهم، وتخوفهم بالله، وتعطيهم الشريط ... .
فأقول للأخوات المسلمات: لا تكن هذه العجوز خيراً منكن وأنتن متعلمات، حتى التي لم تتعلم تفهم ما يقال بحمد الله، فما الذي يمنع الأخت المسلمة أن تكون داعية إلى الله بالشريط والرسالة والكتاب النافع، أن تكون متحجبة، أن تكون سبباً في نشر الخير والبر والفضيلة.
الجواب: هو أحد الشباب المجاهدين صار له حادث حريق، وزوجته حافظة للقرآن مجودة مدرسة، في تلك الليلة في تمام العاشرة والنصف تقريباً كانت تتدارس معه قول الله كما يخبر وليد إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32] كانت تتناقش معه وتشرح له هذه الآيات، وناموا على بركة الله، ووسط الليل الواحدة والنصف شب حريق في البيت، فبداية اختناق فتح الباب فإذا بالصالة محترقة، فأخذ ابنته، وزوجته أخذت ابنته الثانية عمرها أربع سنوات، حملها ومر على الحريق، والحريق مشتعل في الموكيت -والرجل في مستشفى الحمادي زرته غرفة ألف ومائة وستة وثلاثين الدور الأول- يريد أن يفتح باب الصالة فعجز، فعاد ودخل المطبخ هو ابنته، زوجته خرجت وحملت الطفلة الصغيرة فعثرت في الحريق، فسقطت ولما أوشكت على ملامسة الأرض ظنت أن باب الصالة مفتوح فقذفت البنت على الباب فارتطمت الطفلة بالباب وعادت الطفلة في الحريق، فالتهمها الحريق، وأما هي فلما انتهت المطافي من العملية إذ بها لم يحترق فيها قطعة واحدة، حفظت القرآن فحفظها الله من النار، بل وجدوا تحتها بقعة من الماء، كيف يجتمع العنصر المائي والعنصر الناري، والرجل التهم الحريق أطراف قدمه ومكث في المستشفى مدة.
والحوار الذي دار بيني وبينه طويل، تجدونه في شريط قصص وعبر في محاضرة ألقيتها أمس، لما قابلته قال: يا أخ سعد أنا بنعمة لست بكفء لها، لأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، وهو يتبسم، من يصبر يا إخوان ويكون يقينه بالله ورضاه بقدر الله إلى هذا المستوى، لكن علمه الجهاد الصبر، علمه الجهاد أن يحمل إخوانه من الشهداء ومن الجرحى ومن الأشلاء ويحتسبهم عند الله، فاحتسب زوجته وطفلته عند الله، ويقول: إذا عادت حالتي الصحية سأعود إلى الجهاد مرة أخرى، فلما أخبرني أمس أحد الإخوان، اتصلت لكي أطمئن على الأخ وليد، هاتفياً قال: يريد أن يذهب إلى أفغانستان بعدما تحسن حاله، قلت: هذا والله أراد الله به خيراً، وأغلب الظن أن يكرمه الله بالشهادة في سبيل الله.
هكذا تكون الزوجة المؤمنة الصالحة، ويكون المجاهد الصابر المؤمن، يكون الشاب المسلم الذي له أثر في الحياة، كم عدد الذين يعيشون في الدنيا، لكن الذين يعدون خمسة، إما داعية، وإما مجاهد، وإما رجل كريم بالدعوة إلى الله، سخي في البذل إلى الله، أو حاكم عادل، أو عالم تقي، هؤلاء هم الذين يبقون، وأكرر أبيات ابن أدهم الجميلة التي لا أمل تردادها:
إذا ما مات ذو علم وتقـوى>>>>>فقد ثلمت من الإسلام ثلمه
وموت الحاكم العدل المولـى>>>>>بحكم الأرض منقصة ونقمه
وموت فتىً كثير الجود مـحل>>>>>فإن بقاءه خصب ونعمه
وموت العابد القوام ليلاً>>>>>يناجي ربه في كل ظلمه
وموت الفارس الضرغام هـدم>>>>>فكم شهدت له بالنصر عزمه
فحسبك خمسة يبكى عليهـم>>>>>وباقي الناس تخفيف ورحمه
وباقي الخلق همج رعاع>>>>>وفي إيجادهم لله حكمه
إخواني: هل أنتم من الرعاع أم من الخمسة الذين يبكون إذا فقدوا؟!
والله تستطيعون أن تصنعوا من أنفسكم تاريخاً وسجلاً مجيداً، يوم أن تتمسكوا بهذا الدين, تلتزموا به، تفهموه حق الفهم، وإذا فهمتموه عرفتم أن الدين ليس مجموعة معقدين ولحى، وثياب مقصرة، وثياب متلفقة، الدين أكبر وأعظم من ذلك، افهموا دينكم جيداً تعيشوا قادة سادة، علماء أتقياء، كرماء سعداء في أي لحظة وفي أي حال.
الجواب: افتح لي الطريق إلى فلسطين وانظر من الذي يمتنع، والله لو يفتح الباب إلى فلسطين فلن يبقى لليهود سن يأكلونه، نملأ فلسطين إن شاء الله؛ لكن افتحوا الطريق.
الجواب: الجهاد في كل أرض ينبغي أن نعتني به، في فلسطين في أفغانستان في الفليبين في إريتريا في كشمير في جنوب السودان في كل محل، ينبغي أن ندعم الجهاد، المسلمون ليسوا قلة، كم عدد المسلمين؟ مليار أي: ألف مليون، لو أن عُشر الألف مليون الذين هم مائة مليون امتنعوا عن شرب البيبسي يوماً واحداً استطاعوا أن يقدموا مائة مليون ريال.
المسلمين ليسوا بقليل، لكن الغثاء في المسلمين، الغثاء الذي نعيشه في واقع المسلمين.
الجواب: توجد أماكن كثيرة ومراكز كثيرة للتدريب على الجهاد في سبيل الله.
الجواب: يكفيك فضل للجهاد أنه ذروة سنام الدين، الأركان الخمسة: الشهادتان والصلاة والزكاة والحج والصوم ذروة الأمر الذي يحرسها ويحفظها ويهيمن عليها، الجهاد في سبيل الله، فحسبك أن الجهاد ذروة سنام الأمر، وأنا أقول يا إخوان: الجهاد منـزلة عالية، لا يقدر عليها ولا ينالها كل واحد، فهي منزلة عظيمة جداً جداً، لا تعجبوا من قلة المجاهدين، أو من قلة الذين يذهبون إلى الجهاد، لماذا؟
لأن ما وجد كفأ أن ينال المنازل الرفيعة، لكن أقل الأحوال إذا لم تكن في الملحمة في مواجهة الصفوف، في الميمنة، في الساقة، في الميسرة، فلا أقل من أن تكون حمالاً للجهاد، أن تكون جامعاً للتبرعات للجهاد، أن تكون داعية إلى الجهاد، أن يكون دعاؤك بالليل والنهار للجهاد والمجاهدين.
الجواب: أولاً بالمناسبة هناك قنص ممتاز في أفغانستان أنصحكم به.
نقول: إذا عدم الماء جاز التيمم، وإذا لم يبق معك من الماء إلا ما تشربه فالماء الذي تشربه تنقذ به حياتك ويجوز لك أن تتيمم ولكن أذكر الحديث: (من تتبع الصيد غفل، ومن سكن البادية جفا) من تتبع الصيد غفل أي: القنص فعلاً ملهاة، يلهي الواحد، لا يدري عن نفسه إلا والصلاة تلو صلاة، ووقت تلو وقت يذهب كله، وربما تنفذ ذخيرتك كلها، والميزانية مائلة.
انتبهوا جيداً في هذه المسألة، بعض الناس فتن بالقنص فتنة أهلكت ماله، وقطعته عن عياله، وضيع كثيراً من العبادات.
الجواب: النبي قاتل أبو لهب وأبو جهل وهم أعمامه، قرشياً يقاتل قرشي، أفخر العرب وأطيب العرب يقاتلون أفخر العرب وأطيب العرب نسباً، لكن ليست الأنساب هي التي تقرب.
لقد عز بالإسلام سلمان فارس>>>>>وقد ذل بالشرك النسيب أبو لهب
فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
وبعد ذلك من يقول لك: إن هؤلاء يقاتل بعضهم بعضاً، هؤلاء يقاتلون ويقولون: لا إله إلا الله، وهؤلاء يقولون: لا إله والحياة مادة، الضابط على رأسه المطرقة والمنجل شعار لينين واستالين ، والحزام -القايش- عليه المطرقة والمنجل، وكتبهم وأماكنهم كلها شيوعية ، فهل يعقل أن يقال: إن مثل هذا الذي يسجد لله كالذي يقول: لا يوجد إله؟! الذي يصلي لله كالذي يقول لا يوجد إله؟! الذي يقول هذا الجبل خلقه الله كالذي يقول هذا خلقته الصدفة والطبيعة؟! أيوجد فرق بين هذا وهذا؟!! أبسط الأحوال.
فيا إخواني!
لا خيل عندك تهديها ولا مال>>>>>فليسعف النطق أن لم تسعد الحال
إذا ما استطعت أن تكون مجاهداً، أو جامعاً للتبرعات، أو باذلاً للمجاهدين فقل خيراً أو اصمت.
الجواب: أنا أقول احرص على الجهاد ولا تعق أمك، يعني: إن كان لك عدد من الإخوان يستطيعون القيام بخدمة الأهل فإن شاء الله تستطيع بالأسلوب الطيب أن تقنع والدتك وتذهب، وإن كنت أنت الوحيد الذي تقوم بمسئولية أهلك وتعولهم وتقوم على أمرهم فأذكر لك قصة واحد من شبابنا في الرياض أراد الجهاد، قال له أهله: لا نسمح لك أن تجاهد وتتركنا، قال: لو ذهبت إلى الجهاد لأخذ الجهاد مني ليلي ونهاري، لكن سأعطي الجهاد العصر صار يشتري ثياب الدفة بالجملة ويبيعها بالحراج بالقطاعي والمكسب للمجاهدين، هذا الذي صادق في الذهاب إلى الجهاد، ويقول: فعلاً ما ردني عن الذهاب إلا والدي.
الجواب: أرجو أن يتم التفاهم مع إدارة الشركة لبيان وجهة النظر الإسلامية الطيبة النافعة، لأننا نعلم ولله الحمد والمنّة أن هيئة الإغاثة الإسلامية هيئة رسمية تحت إمرة الدولة ورعاية الدولة وتدعمها الدولة، ومشاريعها جبارة وواضحة وقوية في جميع مجالات الجهاد، ومشاريع الإغاثة، وكفالة الأيتام، وأيضاً من نعرف من الثقات، أي: لو جاءك واحد وأعطاك أمانة، وقال: يا أخي تفضل، أنت ذاهب إلى أفغانستان، فخذها أنت وسلمها من يدك إلى يد سياف، أو من يدك إلى يد حكمتيار، أو من يدك اشتر بها ألف صاروخ وأدخلها، إذا كنت قادراً على حمل الأمانة فنقول: جزاك الله خيراً، وإن أتيت وسلمتها لـهيئة الإغاثة فهي جهة موثوقة ومعروفة لا نشك فيها.
الجواب: الأمر الأول: هذا مثل الذي يجد آلام الجوع ويقول: والله ما أنا بقائم آكل إلا إذا أزالوا القصدير عن (المفطح) لكن الذي فعلاً يريد أن يشبع يقوم ويولع النار، ويقرب المحماة ويحمي القهوة، ويذبح الميسور أو يطبخ الميسور ويأكل، فنحن نقول: أولاً هذا كلام العاجزين.
الأمر الثاني: لله الحمد والمنّة توجد مؤسسات وهيئات وجهات ونشاطات إسلامية قوية، لكن من أراد العمل عرف كيف يعمل، ومن أراد الكلام فالكلام لا ينتهي أبداً. هذا صك إعسار يا إخوان.
ويقول: هل هذه صورة المسلم الصحيح. وبعد السؤال عن الشخص وعن أحواله وجد أن حاله مغايرة للمسلم الذي يتكلم عنه، فهو مسبل أو حليق وضيق للغاية، ولا يشهد الصلاة مع الجماعة ولا الجمعة ولا العيدين. فما هو الحكم؟
الجواب: اسمع يا أخي الكريم! أولاً: هذه الحالة التي ترونها في جميع أنحاء العالم الإسلامي والمملكة ولله الحمد والمنّة ليس غريباً عليها، دولة إسلامية أهل فطرة وأهل عقيدة، الصحوة الإسلامية ليست غريبة عليها في المملكة ولله الحمد، لأنهم هم أهل الفطرة، فكل مسلم له فطرة، وأرض تجديد العقيدة وأرض مهبط الرسالة من عندهم. هذه مسألة.
ثانياً: هذه الصحوة قد شرق بها ومات بدخانها بعض العلمانيين القذرين الذين أصبحوا يتهجمون على الصحوة، يقول: ما معنى هذا يقصر ثيابه؟! وتجده عنده مؤلفات طويلة عن الحرية، الحرية ذلك المظهر الرائع من المجتمعات الغربية المتمدنة التي تتيح لكل فرد أنماطاً وأساليب في الحياة كيفما يحلو له، حرية مطلقة، لكن واحد يصير حر في لحيته يربيها، لا، ينبغي أن تحلق، أين الحرية؟ البس ما شئت، شارلستون، جنـز، قصير، طويل ... لكن إذا اتبع المسلم السنة قالوا: ما هذا؟ فإذاً أنت تتكلم عن الحرية، أتركه حراً في تطبيق السنة.
ثم أنا أقول لأحبابي الشباب، وأرجو منهم أن يفهموني جيداً: إن المسلم يسعه أن يكون قريباً لزي مجتمعه، (إزرة المؤمن إلى نصف ساقه)، (وما أسفل من الكعبين ففي النار) لكن لو زدت فوق الكعب بمقدار واحد سنتي رفعت الثوب عن الكعب واحد سنتي أقبل رأسك وجبينك، أقول: كثر الله خيرك، سلمت من الإسبال وحققت جزءاً من السنة، وإن أردت غاية السنة فثوبك إلى نصف ساقك ولا أحد يدخل في خصوصياتك، لكن أنا وجهت نظري أن الداعية يكون قريباً من الناس بأن يكون زيه قريباً من زيهم، ولا أعترض على السنة.
كذلك ينبغي للداعية والمسلم الملتزم أن يكون باشاً مبتسماً ضحوكاً مرحاً حبيباً حتى لا يقول الناس: إن الإنسان إذا التزم يصير معقداً، مثل ما يقول لي واحد من الشباب أبوه في هيئة كبار العلماء، يقول: كنا نخرج نلعب كرة، شباب ملتزمون صالحون ولله الحمد يلعبون كرة ويضحكون ويمرحون، يقول: طلع معنا شاب ما كان يظن أن أهل الخير بهذه الصفة، يظن الواحد والله من أول ما يدخل البيت حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وصك السند وهات المتن وحول وحاء.
يقول: طلع معنا إلى البر وكان من عادتنا أننا إذا خرجنا نقرأ حتى تغرب الشمس، نقرأ صفحة أو صفحتين من كتاب رياض الصالحين ، أو تفسير آية، ثم إذا انتهينا منها لبسنا السراويل وأخذنا نلعب حتى يؤذن المغرب فنصلي قال: خرج معنا هذا الشاب وكنا مصيفين، قلنا: ما في وقت نقعد نقرأ، نفرق بسرعة قبل أن يذهب الوقت، فرقنا ونزلنا الكرة وكل واحد لبس، يقول: جاء ومسكني ويقول: أنتم مطاوعة تلعبون كرة؟ قال: نعم، من الذي قال لك إن الكرة حرام، قال: أنا أحسبكم تطلعون وكل واحد يمسك كفر ويصيح عنده، فعلاً أنا أعجب من بعض الشباب يستغرب، ما يصدق أن الشيخ يضحك، سبحان الله العلي العظيم، ولذلك أنا أقول: احذروا أيها الإخوة جميعاً يا من في هذا المسجد، الصحوة الإسلامية الآن مهددة بأمرين:
الأمر الأول: يؤتى إلى أحد علماء الصحوة يقال: هذا صاحب معاكسات، هذا رجل لوطي، هذا صاحب مخدرات، ثم يبدأ الشباب يتشككون فيه، هذه من أساليب ضرب الصحوة، وهذا الرجل تقي نقي داعية مسلم مخلص.
الأسلوب الثاني لضرب الصحوة: أن يوجد أناس فجار فساق إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، تجده مجرماً؛ لكن يحاول أن يبالغ في مظاهر معينة وفي زي وشكل معين، ويدعي أنه ممن ينتسبون إلى الصحوة، وتجده يستلف من هذا ويسرق من هذا، وتجده يغتصب هذا ويفعل مع هذا، ويصلح مع هذا حتى يقول الناس: انظروا يا إخوان، هؤلاء المتدينون، فما هو ذنب المتدينين! عندما يوجد رجل ينتحل زي رجل الأمن، وأخذ فلوسك ولعب عليك، وثبت أن هذا الرجل لص ليس برجل الأمن، نقعد نسب رجال الأمن كلهم، أو نقول نستغني عن جهاز الأمن كله؟! هذا ليس بصحيح، لماذا؟ لأن هذا رجل دخيل في سلك الأمن.
لو جاء طبيب دجال ولعب على الناس وأخذ فلوسهم وصار يعطي أدوية، وأكل الناس، نقول: كل الأطباء دجالون ونستغني عن الطب؟ لا، نقول: هذا الدخيل على الطب دجال.
فكذلك إذا جاء رجل دخيل على الصحوة الإسلامية وعلى الشباب الطيبين، وأخذ ظاهرهم وفعل أفعالاً تخالف مقتضى الالتزام والسلوك الإسلامي، فلا نقول: كل الشباب الملتزم فجار أو فساق أو مخادعون أو خونة، بل نقول: هذا المنتحل هو الذي يحارب، وأما البقية فمكانهم على العين والرأس.
الجواب: أنا أقول الذي عنده لحية للبيع يعطيني إياها، قيس بن سعد بن عبادة يقول: لولا الإسلام -كان ذكياً، ذكي جداً، كان نحيلاً ذكياً- يقول: والله لولا الإسلام لمكرت مكراً لا تعرفه الجاهلية. وكان قومه يقولون: والله لو بيعت اللحى لاشتريناها له، فأنا عندي هذه الشعرات، الذي يقطع منها ثلاث يدفع الدية، وأما أنا فهذا حد ما عندي والحمد لله على هذه النعمة، لكن لا يظن البعض أنني حليق، وأسأل الله لكل حليق أن يمن عليه بالاقتناع والفهم والالتزام بأن اللحى سنة، ليست سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، بل سنة واجبة وجوباً، يعني حكم إعفاؤها واجب، أسأل الله أن يمن عليهم وأن يفتح على قلوبهم.
الجواب: يا إخوان: الذي ليس في قلبه واعظ لا تنفعه المواعظ، إن شاء الله إننا وإياكم سمعنا ونسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، ما يكفي أن ندرك حال إخواننا، وأن نتبرع باستمرار بالقليل، ما قلت الواحد يحط خمسمائة وكذا، إذا أذنبت ذنباً فقدم كفارة، حاول أن تتقرب إلى الله، لحظة صفاء، لحظة قرب من الله، لكن حينما تدعى في كل موقف لا تتردد أن تدفع ولو بريالاً واحداً، وجزاكم الله خير الجزاء.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , واقعنا بين الأمس واليوم [2،1] للشيخ : سعد البريك
https://audio.islamweb.net